الإخوان.. نهاية جماعة مارقة
فى مارس من العام 2008 كتبت مقالا بمناسبة مرور ثمانين عاما على تأسيس جماعة الإخوان، وقلت فيه إن الجماعة العجوز تتجه نحو النهاية الحتمية، واستندت فى ذلك لمقولة بن خلدون أن الدولة - وكذلك الجماعات كائن حي يولد وينمو - وقد حدَّد ابن خلدون عمر الدولة بمائة وعشرين عاماً، لكنى قلت ساعتها أن جماعة الإخوان لن تزيد على مائة عام ثم تندثر نهائيا وإلى الأبد ولن تقوم لها قائمة، لأن الظروف المجتمعية لن تساعدها فى الاستمرار على الصمود خاصة أن الأجيال الجديدة المنفتحة على ثقافات مختلفة، باتت تضيق بفكرة السمع والطاعة العمياء فى المنشط والمكره، وهى الفكرة التى تحدت بها الجماعة فى السابق محننا عديدة، ودارت مناقشات مع بعض الأصدقاء، حول فكرة موت الجماعة بين مؤيدين ومعارضين.
فلما وصل الإخوان إلى الحكم، في لحظة فارقة من تاريخ مصر، عقب 25 يناير 2011 وما تبعها، من موجة "الفوضى الخلاقة" التى تم التخطيط لها فى دهاليز الاستخبارات الغربية، بجماعة الإخوان إلى سدة العرش على ظهر "رفقاء الميدان" وجدت البعض يستهزأ بمقالى، الذى كان قد مر عليه عدة أعوام.
بيد أننى كنت على يقين من وجاهة فكرتي، وكتبت ساعتها وفي ذروة قوة الجماعة وعنفوانها، أن الإخوان إلى أفول، قلت ذلك ومصر تمر بأحلك اللحظات، عندما توغل الإخوان فى كل مفاصل الدولة "أغلبية برلمانية، ورئاسة الجمهورية، وتشكيل حكومة، ومحافظين، وإعلام " قلت وقتها إننى لازلت على يقين بصحة أطروحتى وربما وصول الإخوان للحكم يعجل بنهايتهم المحتومة عشر سنوات.. لم يكن رجما بالغيب، بل قراءة دقيقة لتاريخ وأفكار جماعة تربت في الظلام، ولا تقوى على العيش في وضح النهار.
وصول الجماعة الى السلطة أخرج من جرابها أسوأ ما فيها من أفكار وأخلاق وأساليب، حتى تعرت تماما وسقطت عنها أوراق التوت المزيفة، وقذف بها الشعب إلى مكانها الطبيعي "مزبلة التاريخ".
اليوم قد جرت في النهر مياه كثيرة- ويحق لنا الشماتة - فقد تشردت عناصر الجماعة في شتى بقاع الأرض، وأصبحوا مطاردين، تلاحقهم اللعنات من كل الشعوب، بما اقترفته أيديهم من جرائم ومخازي في حق بلدانهم.
صار الإخوان مثل "كلب أجرب " هده المرض، لا يستطيع الدفاع عن نفسه، ولا أحد يشفق عليه، أصبحت الجماعة التي استخدمتها بعض العواصم كمعول هدم ضد عواصم أخرى، أقل من أن تطرح على مائدة المفاوضات الجارية بين هذه العواصم وتلك، ولن يظفر الهاربون بصفقة تعيدهم إلى ما كانوا عليه قبل 25 يناير، كما قال مرشدهم ورجلهم الحديدي محمود عزت، وهو في قفص التحقيقات وقد بدا مرتعشا وخائفا وبائسا، قال وهو يعض أنامل الندم: أتمنى لو نعود لما كنا قبل 2011.. .لكن هيهات، الزمان لا يدور إلى الخلف سنة الله في الكون.
وقد رأينا في الأونة الأخيرة أن الدول الحاضنة للجماعة الإرهابية بدأت تفلت يدها منها رويدا رويدا، وتطرد عناصرها إلى متاهات جديدة، وتغريبة تسلمهم إلى تغريبة أخرى، وعادت العلاقات بين القاهرة والعواصم التي تأوي فلول الجماعة إلى طريقها الصحيح، فعلاقات الدول لا تستقيم إلا بعلاقات واضحة وفق الأعراف والمواثيق الدولية، بين حكومات وأنظمة ودواوين حكم، وليس بين حكومات وميليشيات أو جماعات مارقة، وعصابات مرتزقة.
كما رأينا في الأيام الماضية، ما جرى من تقارب مصري قطري، وانتهت القطيعة بين البلدين الشقيقين بزيارة الرئيس عبد الفتاح السيسي إلى الدوحة، وقبلها كانت زيارة الأمير تميم إلى مصر، ثم اللقاءات المتعددة والمتسارعة على مستويات عديدة بين الوزراء والمسؤولين في البلدين، لتوطيد العلاقات ومحو ما فات من قطيعة، وأصبح النقاش يدور حول الاقتصاد والسياسة والعمل العربي المشترك والقضايا الأمنية والاستراتيجية، وغيرذلك من القضايا التي تهم الشعوب بحق، ولم تعد هناك عيون باكية على فلول الإخوان بل باتوا عبئا على من يقيمون عنده.
كما أن العلاقات المصرية التركية في طريقها إلى التقارب، ولا يخفى على أحد أن هناك مباحثات في مستويات ربما أدنى في الوقت الحالي، لكنها حتما ستصل لمستويات أعلى في المستقبل ربما القريب، لأن النظام التركي معروف ببراجماتيه، وحاليا مصلحته مع مصر الدولة القوية التي أظهرت للجميع أنها تمرض لكنها ابدا لن تموت، وأصبحت بعد ثورة 30 يونيو الرقم الأهم في أي معادلة إقليمية أو دولية، هكذا هي مصر وهذا قدرها ومكانتها مهما تطاول عليها السفهاء.
كما أن العواصم الأوروبية التي قامت بتربية ثعابين الإرهاب في أحضانها، هي اليوم تعاني من لدغات الإرهاب، وزاد عليها معاناتها الاقتصادية ومخاوفها من استمرار الأزمة العالمية في الغذاء والطاقة، التي تسببت فيها جائحة كورونا اولا، ثم الحرب الروسية الأوكرانية، ولم يعد لدى هذه العواصم فائضا لشعوبها، فضلا عن فائض تنفقه على مرتزقة الإرهاب، وباتت كافة العواصم الغربية تعيد النظر في علاقاتها مع المنطقة، وتيقن أنها أخطأت وعليها العودة إلى صوابها ودخول الدول عبر أبوابها الرسمية، وليس من خلال خفافيش الظلام.
كل هذا يضاف إلى أن الشعوب العربية والإسلامية- خاصة الشعب المصري - قد وعت الدرس ولم تعد أكاذيب الإخوان وأشباههم تنطلي عليهم، خاصة أنهم رأوا الجماعة حين حكمت، وكيف كانت أفعال الجماعة وروعونتها ثم لما حاول الشعب عزلها كشرت عن أنيابها وأشعلت النيران في كل شبر من أرض مصر، حتى لحقت بها الهزيمة المنكرة وصار رموز الجماعة ودعاتها بين سجين ومشرد.
ولا يخفى على أحد أن دخول الجماعة في دوامة العنف ضد الشعوب ومملتكاتها وثرواتها وليس ضد الأنظمة كما كان يحدث فى السابق، ومن ينظر يرى، فقد كانت هذه الجماعات الإرهابية سببا في تدمير العراق وسوريا واليمن وليبيا، وإلى حد كبير تونس التي ترزح تحت عبء اقتصادي ثقيل وقبل ذلك الصومال والسودان والجزائر في العشرية السوداء، وكادت مصر أن تنضم لهذه الدول لولا هبة الشعب في 30 يونيو.
هذه الجرائم التي ارتكبتها الجماعة محت أرضيتها، حتى لدى المخدوعين في شعاراتها الزائفة، كما أن حبل المشنقة وسنوات السجن الطويلة للمدانين من قياداتها وعناصرها سوف يثير الرعب فى قلوب بقايا المتعاطفين والمخدوعين بل والأعضاء على حد سواء، مما يمثل تجفيفا للمنابع.
يضاف إلى ذلك التفكك التنظيمى للجماعة والصراع الداخلى المتصاعد خاصة أن الصراع على أموال الجماعة المكدسة بالداخل والخارج بات على أشده، وأصبح الجميع يتعامل مع كيان "الإخوان" على طريقة"إن خرب بيت أبوك خد منه طوبة"
في المقابل استردت مصر عافيتها وباتت تنعم بالأمن والاستقرار، كما أن اقتصادها مازال قادرا على التعافي والتقدم، صحيح أن ثمة معاناة في هذه النقطة شأننا شأن كل دول العالم من حولنا، لكننا على الطريق الصحيح، كما أن الحوار الوطني الذي دعا إليه الرئيس السيسي، ويشارك فيه كل ألوان الطيف السياسي - عدا الإرهابيين ومن تلطخت أيديهم بالدماء- ساهم في فتح الأفق السياسي ومناقشة الأمور على طاولة الحوار، عن دراية ونقاش حقيقي بعيدا عن جعجعة الفضائيات ومنصات السوشيال ميديا، حوار حقيقي يبحث عن الحلول، وليس عن مغازلة الجماهير التي ربما يغيب عنها كثير من حقائق الأشياء.
خلاصة القول أن الإخوان انحدرت بأقصى سرعة نحو نهايتها المحتومة، أما الحديث عن أن الأفكار لا تموت، فمردود عليه بأن الأفكار تموت إذا لم تجد بيئات حاضنة مثلما ماتت أفكار كثيرة كانت أكثر قوة وأشد بأسا من الإخوان بل أن بعض الجماعات وصلت للحكم وعاشت فيه لسنوات طويلة لكنها اندثرت لأن منطق الجماعة وانتقائها للأعضاء وإدارتها ودهاليزها السرية تجعلها عصية على التطور.. .. الإخوان كجماعة، انتهت وإلى الأبد.. .أما بذورها المغروسة فى المجتمع فسوف تنمو مثل "زرع الظل" بلا جذور حقيقية، أو ربما تتشكل فى جماعات أخرى ليست بطبيعة وهيكلية الجماعة البائدة.. فالتطرف لا زال موجودا في بيئة المجتمعات العربية، ويحتاج إلى علاج طويل ومثابر للقضاء على جذوره كلية.. .في مقال قادم بإذن الله نتحدث عن علاج التطرف.. .فإلى لقاء