وسط البلد.. إطار جاذب لمحتوى كله ألغام
صاحب تتر بداية المسلسل أن هذا المسلسل هو أول عمل ينتمى لما يطلق عليه السوب أوبرا Soap opeara وكما هو معروف أن هذا التعبير يطلق على الأعمال الدرامية الطويلة والتى تتجاوز عدد حلقاتها المئات وربما تتجاوز هذا العدد ويمتد عرضها لسنوات طويلة، حيث تعبر حلقاتها عن يوميات عائلة محددة وتشابك علاقاتها بالمجتمع حولها وتفاعلهم مع الأحداث الآنية من خلال الشخصيات الرئيسية الآباء ثم الأبناء ثم الأحفاد.. الخ
وفى البداية كان الجمهورالأساسى لهذه النوعية من الدراما ربات البيوت، حين قدمت لأول مرة من خلال إذاعة إحدى الولايات الأمريكية أواخر العقد الرابع من القرن الماضى، حيث كانت تستخدم إعلانات الصابون كفواصل خلال إذاعة هذه المسلسلات، وكانت تذاع فى فترة الظهيرة.
وهنا لفظ السوب يعنى الصابون وأوبرا تعنى الدراما، والمتابعين لها لا تعطلهم المشاهدة عن القيام بشئون المنزل من تنظيف أو تجهيز الطعام وخلافه، لأن الأحداث تمضى (لن أقول برتابة ) ببطء شديد، حتى لو فاتك عدة حلقات فلن تشعر أن شيئا خطيرا لم تشاهده لأنه يتبعه حوار وأخذ ورد وتداول.
الدليل على ذلك نقتبسه من مسلسل " وسط البلد " والذى امتدت حلقات موسمه الأول ل191 حلقة، فنجد الحدث الرئيسى فيه مصارحة " نهلة لفضل بأن طارق أبنه " وكان هذا فى الحلقة الثامنة، وحتى انتهت الحلقة 191 لم تحسم هذة القضية!
الإنتاج لمجموعة أم بى سى السعودية وفريق العمل بالكامل مصرى أمام وخلف الكاميرا.
والجدير بالذكر أن كان هذا أول دراما تليفزيونية تنتمى للسوب أوبرا كما يقول صُناع المسلسل، فيجب ان نذكر للتاريخ أن مصر كان لها السبق فى تقديم هذه الدراما الطويلة فى الإذاعة عندما قدمت مسلسل " عائلة مرزوق أفندى " والذى بدأت إذاعته 1959 ومازال من خلال برنامج " إلى ربات البيوت " عبر شبكة البرنامج العام، الذى كانت تقدمه الإذاعية الراحلة صفية المهندس.
وعلى مستوى الأعمال الدرامية التليفزيونية الطويلة لدينا مسلسل " القاهرة والناس " الذى بدأت إذاعته أكتوبر 1967 وامتدت حلقاته 84 حلقة، وأيضا هناك مسلسل " عادات وتقاليد " وعدد حلقاته 338، وبدأت إذاعته 1972.
فريق الكتابة
تصدى لكتابة المسلسل ورشة تحت إشراف أمين جمال تضم: شريف يسرى، إبراهيم ربيع، شادى أسعد، خالد أبوبكر، مينا بباوى، ولأول مرة انضم لهم: عمر الشحات، أكرم يحى، بسنت الحديدى، والأسم العاشر فى الفريق نشوى زايد والتى قامت بعمل معالجة للسيناريو.
فريق الإخراج
ضم ثلاثة أسماء الأول أحمد شفيق مشرفا ومعه أثنان من الشباب الأول محمد أسامة وقدم من قبل مسلسلات: أمر واقع 2018، حكاية بنات موسى ( من مسلسل إلاأنا ) 2020، لحم غزال، وأيام 2021، والمخرج الثانى زياد الوشاحى، فى ثانى عامل له بعد مسلسل " ممنوع الأقتراب والتصوير 2018.
حكاية المسلسل
تروى الأحداث عن الشقيقين كامل الجارحى - ناصر سيف - رجل أعمال، وفضل الجارحى - جمال عبد الناصر - محاسب فى شركة أدوية، وخلافهما حول ملكية منزل الأسرة الذى حرم الأب ابنه كامل من ميراثه فيه، مما اضطره لرفع قضية بالتشكيك فى سلامة والده العقلية قبل وفاته، وكانت المفاجأة الحقيقية عندما تكشف الأحداث أن هناك من قام بالحصول على توقيع الجارحى الأب - دون علمه - على بيع منزله وحصته فى الشركة لصالح أبو الفتوح شريكه.
وتتعقد العلاقة بين الشقيقين أكثر بعد قيام عمرو فضل - أدهم هانى كمال - بالهرب مع أبنة عمه ريم كامل - إلهام صفى الدين - والزواج دون رغبة أسرتيهما، وتزداد العلاقة تعقيدا عندما تثار حكاية العلاقة العاطفية التى ربطت بين فضل وهو شاب صغير ونهلة أبو الفتوح - فيدرا - وطبقا لروايتها، أثمرت عن حمل واضطرت - بعد سفر فضل وتخليه عنها - للزواج من شقيقه كامل، وهو لايعلم أنها حامل من رجل آخر أو علاقتها بأخيه، وكان نتيجة هذا الحمل أبنها طارق كامل - مازن جمال عبد الناصر -.
وتنفجر المشكلة فى وجه الجميع عندما يقرر طارق كامل الزواج من أبنة عمه مها فضل - وفاء شوقى - بعد رفض أسرتيهما هذه الزيجة، وإسوة بما قاما به عمرو وريم، وتتبنى إتمام هذا الزواج جدتهم لأبيهما زينات - سميرة عبد العزيز - ويأتى المأذون وقبل القيام بمهمته تدخل أم العروسة سميحة - سماح السعيد - وتوقف إتمام الإجراءات معلنة إستحالة زواجهما لأنهما أشقاء!
الهروب الكبير
لم يقدم المسلسل أسرة واحدة مترابطة تصلح كنموذج، رغم أن هذا مطلوب وانت تقدم دراما تليفزيونية فكما تقدم السئ عليك تقديم الحًسن، حتى الجد " نجيب " - محمد الكاشف - والذى كان يقوم بدور حكيم العيلة وصاحب القول السديد والكل يحترمه، طلع له ماضى أليم وخان الجارحى الكبير، وباعه لأبو الفتوح ليسكت الأخير على أختلاساته وتلاعبه فى الحسابات.
ربما يكون الوحيد المتصالح مع نفسه ولايؤذى أحداَ الشقيق الثالث حمدى - محمد خطاب - ولكنه مغلوب على أمره، مثل زوج شقيقتهم راضى - هانى سراج -.
ونعمة - حنين سعد - وخطيبها على كشافات - محمد رمزى -، وكريم - محمود حنكش - ابن رؤوف، الذى ضاقت به الدنيا أمام خيانة شقيقه له وكذب أبوه عليه ففضل الأنتحار على البقاء وسط عائلته التى خذلته!!
ولاأدرى ماهو الإصرار على حالة الهروب الجماعى لأغلب شباب المسلسل، ريم وعمرو، وسها - فرح حاتم -، أبنة راضى وكل هذا الشر الذى يحكم كل تصرفاتها تجاه الجميع، وهروب أميرة - شاهيستا سعد - وزواجها فى لبنان دون علم أهلها، أن تضع هذا الهروب من الأسرة فى كونه الحل الوحيد لحل المشكلة!
هذا التفكك الأسرى الذى يميز كل أسر المسلسل وانعدام القيم النبيلة وقصرها على فئات مهمشة وقليلة الحيلة، يضعنا أمام عدة أسئلة ربما يكون أهمها.. ماهى الرسالة التى يريد المسلسل توصيلها لجمهور المشاهدين؟؟!!
ونأخذ أسرة " فضل " ( لاحظ الأسم ) كنموذج.. .
الأب كاذب وكان له ماضى ويشاع أن له ابن فى الحرام، وهذا الأبن اصبح شابا، ويحمل أسم شقيقه كامل، ويطلب الزواج من أبنته؟
وهذا الأب " فضل " ارتكب جريمة قذف المحصنات عندما إدعى واتفق مع آخرين على زوجة أبيه نادية - ماجدة منير - بأنها تخون والده، واضطرت السيدة المسكينة لقتل الرجل الذى حاول أنتهاك شرفها وسجنت 25 سنة ظلم!!
الأم سميحة، كانت الصديقة الأنتيم لنهلة والوسيط بينهما فى توصيل الرسائل وخلافه، ولكنها فى لجظة ما أضمرت الشر لنهلة ولم توصل رسائلها لفضل، فتخلى عنها، وفعلت كل ذلك لتخطف فضل من نهلة!!
حتى الطفل الصغير باسم جعلوه يسرق جده!
الإطار الجاذب لمحتوى كله ألغام
والقضية أن هذا المحتوى جند له كُتاب ومخرجين محترفين وفريق كبير من الفنانين من مختلف الأجيال، وفريق محترم خلف الكاميرا..
الديكور، التصوير، الموسيقى التصويرية، أغنية التتر، الملابس.. الخ
وأنا شخصيا استمتعت بأداء جمال عبد الناصر وناصر سيف وسماح السعيد وفيدرا وكل جيل الشباب، وبهرنى أحمد عزت فى شخصية فوزى، ( لكن هناك مائة سؤال حول هذه الشخصية ).
امتدت الحلقات طوال عام تقريبا عبر شاشة غير مصرية، ولكن هذا لايبرر أن نقوم بتغييب عقولنا ونقدم هذا المحتوى للمشاهدين فى بلادنا، فيكفى مانعانيه من مشكلات على المستوى الأقتصادى والتعليمى واليوم نضيف أليهم الترفيهى، الدراما هى التسلية الأكيدة التى تتمتع بشعبية داخل هذا الوطن بكل مستوياته، فا أرجوكم لاتفسدوها علينا. فاإذا كان هذا حال وسط البلد فما بالنا بالأطراف؟!