وكالة ناسا الأمريكية تطلق المركبة لوسي لدراسة كويكبات طروادة
انطلقت يوم السبت 16 اكتوبر من مركز كينيدي للفضاء بولاية فلوريدا المركبة الفضائية لوسي محمولة علي الصاروخ أطلس 5 "Atlas V"وهي أحدث مركبات وكالة ناسا لدراسة الكويكبات.ستستمر مهمة المركبة لوسي لمدة 12 عاماً لدراسة مجموعتين من الكويكبات الطروادية، ويطلق علي الكويكبات التي تدور حول الشمس مع كوكب المشتري أسم كويكبات طروادة.
وتمثل كويكبات طروادة تلك أخر مناطق الكويكبات التي لم يتم استكشافها من قبل في النظام الشمسي، وستساعد المركبة لوسي التي ستعمل كعالمة أثار روبوتية في الإجابة عن الأسئلة المتعلقة بكيفية تشّكٌل الكواكب الغازية العملاقة في مجموعتنا الشمسية.
انطلقت المركبة في رحلتها محمولة علي قمة صاروخ أطلاق من نوعية أطلس 5 "Atlas V "، حيث أضاء الصاروخ سماء الفجر بضوئه الساطع في الساعة 5:34 فجرا بالتوقيت الصيفي الشرقي أي الساعة 9:34 صباحاً بتوقيت جرنيتش في السادس عشر من أكتوبر 2021. وبعد أقل من ساعتين من الإطلاق، أكدت وكالة ناسا أن الألواح الشمسية للمركبة تم نشرها بنجاح وأن المركبة نجحت بالاتصال بمركز التحكم الأرضي.
ستقضي المركبة الست سنوات المقبلة في السفر عبر النظام الشمسي وسوف تقترب وتدور حول الأرض مرتين لتحصل علي الزخم اللازم لتصل لكوكب المشتري، المركبة لوسي سوف بالتحليق بالقرب من 8 كويكبات مختلفة وذلك لدراستهم سبعة منهم من كويكبات طروادة وواحد من الحزام الرئيسي للكويكبات وذلك لتساعد العلماء علي فهم كيفية تطور نظامنا الشمسي.
فالعلماء يعتقدون ان كويكبات طروادة تمثل كبسولات كونية زمنية محفوظة للفترة التي نشأت فيها مجموعتنا الشمسية و ان دراسة تلك الكويكبات سيلقي الضوء علي أصل تكون المجموعة الشمسية كيفية تكون الكواكب الغازية العملاقة.
فتلك الكويكبات حسب قول السيد هال ليفسون قائد الفريق البحثي الرئيسي للمركبة لوسي " هي من بقايا تكون مجموعتنا الشمسية"، وكويكبات طروادة مرتبطة بجاذبية الشمس وكوكب المشتري بشكل متساوي وهو ما سبب أنفصال تلك الكويكبات إلي مجمعتين حيث تدور تلك الكويكبات حول الشمس مع كوكب المشتري أمامه و خلفه في مداره، وباستخدام الأدوات العلمية التي تحملها لوسي، ستدرس المركبة التركيبة الجيولوجية وكثافة وهيكل كل هدف للمركبة من كويكبات طروادة.
وحتي هذا التاريخ، فوكالات الفضاء في مختلف الدول حول العالم استكشفت العديد من الكويكبات الصغيرة في مناطق تشمل حزام الكويكبات إلي منطقة الكويكبات القريبة بالأرض (بإستخدام مشاريع مثل مهمة هيابوسا اليابانية ومهمة أوزوريس-ركس التي قامت بها وكالة ناسا الأمريكية) وحتي الأفاق البعيدة المتجمدة في حزام كويبر.
ولكن تبقي منطقة واحدة غير مستكشفة وهي منطقة كويكبات طروادة والتي حتي الآن تم أكتشاف 10 ألاف جسم فيها منقسمة إلي مجموعتين، يتراوح عرض تلك الكويكبات من عدة كيلومترات إلي مئات الكيلومترات. تم أكتشاف منطقة كويكبات طروادة منذ أكثر من قرن من الزمن حيث كان شائعا تسمية الأجسام الفضائية بأسماء أبطال رواية الإلياذة للكاتب الإغريقي القديم هوميروس، وهو ما منح سكان تلك المنطقة من الكويكبات أسم الطرواديات.
لوسي تطير في السماء
تم تسمية المركبة فهذا الأسم بالإشارة إلي الهيكل العظمي لأشباه البشر المسمي بإسم لوسي والذي يبلغ عمره 3.2 مليون عام والمكتشف بواسطة عالم الأنثروبولوجيا القديمة دونالد جوهانسون في عام 1974. في ذلك الوقت كان هذا الهيكل العظمي المتحجر هو أقدم و أكثر العينات أكتمالا لجنس أشباه البشر hominin وبفضل أكتشافه تم كشف بعض أسرار التطور البشري. وتأمل وكالة ناسا أن تساعد المركبة لوسي في كشف بعض أسرار تكون وتطور النظام الشمسي.
قال عالم الأنثروبولوجيا القديمة دونالد جوهانسون بعد أن شاهد أطلاق المركبة لوسي من فلوريدا " لم أنظر إلي كوكب المشتري بنفس الطريقة أبدا" “ التواجد هنا هذا الصباح كان بمثابة توسيع للعقل تمامًا، وكانت تجربة إيجابية للغاية. “ وتابع أيضا قائلا:” كما تعلم يمر العالم الآن ببعض المحن، فيجب علي الناس أن ينظروا لهذا الحدث الإيجابي ليروا ما يمكن أن يفعله إبداع العقل البشري. ها هي المركبة تنطلق في طريقها الطويل وسوف تخبرنا الكثير من المعلومات، انا متحمس للغاية لتلك المهمة".
وكما سميت تلك الأحفورة للهيكل العظمي باسم لوسي لان أغنية فريق البيتلز الشهير "لوسي في السماء مع النجوم الألماسية" كانت تعزف في المخيم وقت أكتشاف الحفرية، فالمركبة لوسي تحمل لوحة عليها جزء من كلمات تلك الأغنية إلي جانب كلمات من أغاني أخري لفريق البيتلز وفنانين أخرين.
سوف تصل المركبة لوسي إلي أول أهدافها في عام 2025، وهو كويكب صغير في الحزام الرئيسي للكويكبات بين كوكب المريخ و كوكب المشتري، سمي هذا الكويكب نسبة إلي جوهانسون (الكويكب 52246 دونالد جوهانسون". حيث ستختبر المركبة مجساتها علي هذا الكويكب كتجربة تشغيل قبل بداية مهمتها الرئيسية وهي التحليق بجانب سبع كويكبات طروادية تتراوح أحجامها من قمر صغير ألي كويكب ثنائي.
لغز الكواكب
تصورت النظريات المبكرة حول كيفية تكون النظام الشمسي نجمًا في مركز قرص دوار من مواد الكواكب الأولية. وتدريجيًا، تتكثف تلك المواد وتتجمع في كتل لتشكل الكواكب.
ولكن عندما حاول عالم الكواكب هال ليفسون محاكاة هذا النظرية، ظل يواجه المشكلات، فلم يكن مداري كوكب أورانوس وكوكب نبتون متطابقين مع مداراتهم الواقعية.فكان من المستحيل بناء هذين الكوكبين العملاقين في مداراتهما الحالية، لذلك قام هال ليفسون بتعديل محاكاته وطور نموذجا جديد أطلق عليه النموذج اللطيف لتطور النظام الشمسي والذي يقترح فيه أن الكواكب العملاقة قد تشكلت بالقرب من الشمس.
وبسبب المدارات المستدقة لكوكبي المشتري وزحل الشابين تم إعادة ترتيب النظام الشمسي وتم طرد كوكبي أورانوس ونبتون إلي موقعهما الحالي في النظام الشمسي الخارجي، وطريق هجرتهم تلك قاموا بتشتيت الأجسام الصغيرة في النظام الشمسي وبعض تلك الأجسام تلك حتي إطلاقها إلي أعماق النظام الشمسي الخارجي و بعضها طرد بالكامل من المجموعة الشمسية إلي مجرة درب التبانة.
وأثناء حدوث كل هذا فمجموعة صغيرة من الكويكبات تم حصارها بجاذبية كوكب المشتري في رقصة كوكبية بديعة في نقطتي لاجرانج لكوكب المشتري، وهي المنطقة من الفضاء حيث تتساوى قوة جذب الشمس وكوكب المشتري للأجسام الواقعة فيها.
تلك المجموعتين من الكويكبات تسمي طرواديات المشتري، احداهما تسبقه والأخري تلحق به في مداره حول الشمس، وتلك الكويكبات يعتقد أنها بقايا ناتجة من تكون الكواكب العملاقة في مجموعتنا الشمسية.
يقول السيد ليفسون" بطريقة مفاجئة فأن كويكبات طروادة مختلفة بشكل كلي عن بعضها البعض ولكنها تشغل نفس المنطقة الصغيرة من الفضاء، وهذا الاختلاف يخبرنا بشئ عن التطور الأولي لنظامنا الشمسي، وفريقنا العلمي بحاجة لفك تلك الألغاز و مسبار لوسي الفضائي سيساعدنا في ذلك "
تم أختيار مشروع المسبار لوسي في عام 2014 كجزء من برنامج يدعي "برنامج الاستكشاف" وهو ما سمخ للعلماء للتنافس من أجل تنفيذ مهمات فضائية صغيرة مثل مهمة المسبار لوسي.
سيحمل المسبار لوسي العديد من أجهزة التصوير التي تعمل عند أطوال موجية مختلفة من أجل دراسة الخواص الجيوفيزيائية للكويكبات، فعلي سبيل المثال تحديد عدد حفر التصادم علي احد تلك الكويكبات سيمكن العلماء من تحديد عمر هذا الكويكب.
وسيقوم العلماء أيضا بتحليل ألوان أسطح تلك الكويكبات وهو ما سيلقي الضوء علي التركيب الصخري لتلك الكويكبات، وباستخدام القياسات الحرارية وطيف الأشعة تحت الحمراء يأمل العلماء في تحديد تركيبة كل كويكب.ووكالة ناسا مهتمة للغاية بإحتمالية وجود مواد عضوية أولية في تلك الكويكبات لأنه منذ مليارات السنين ربما أن تكون تلك الكويكبات من قامت بنشر تلك المواد علي كوكبنا في مراحل تكونه الأولية بفضل تصادم بعضها بكوكب الأرض.
كل لقاء مع الكويكبات محل الدراسة سيكون من علي بعد 970 كيلو متر من سطحه أو أقل، وبعد التحليق الأخير بأخر كويكب محل الدراسة وإذا كانت حالة المسبار تسمح فأن وكالة ناسا ستعطي الضوء الأخضر لتمديد مهمة المسبار باستهداف كويكبات أو أجسام سماوية أخري للدراسة.
مركبة فضائية تعمل بالطاقة الشمسية:
خلال مهمة المسبار لوسي الممتدة 12 عام ستعتمد علي الطاقة الشمسية المستمدة من لوحين عملاقين للطاقة الشمسية، وهما ما سيتم نشرهم كمروحتين عملاقتين بعد إطلاق المركبة بوقت قليل، ومدار المسبار الفريد سيحمله إلي منطقة بعيدة عن الشمس لم يسبق لأي مركبة أخري تعمل بالطاقة الشمسية أن تذهب إليه.
تصميم تلك الألواح معتمد علي التصميم المستخدم لمركبة أستكشاف سطح كوكب المريخ المسماة "أنسايت لاندر" ولكنها صنعت بشكل أكبر، وستوفر تلك الألواح ما يقارب 500 وات من الطاقة عندما تطير المركبة بالقرب من أهدافها الطروادية.
سيطير المسبار لوسي عبر نقاط لاجرانج الخاصة بكوكب المشتري سم تعود لتطوف حول كوكب الأرض عدة مرات ثم تعود مرة أخري لنقاط لاجرانج وسيعتمد الفريق هذه الطريقة لوفير الوقود الذي تحمله المركبة، وجدير بالذكر أن المركبة ستحمل كبسولة زمنية ستحوي قصائد شعر وكلمات أغاني ومقتبسات من الأقوال المشهور وذلك علي أمل انه في وقت ما في المستقبل، سيصبح البشر قادرون علي أرتياد الفضاء بشكل أكثر شمولاً ويستعيدوا تلك المركبة بما تحوية من معلومات عن ثقافة وشكل الحياة في القرن الواحد والعشرون.
ويقول السيد ليفسون:" بعد أن تزور لوسي كل أهدافها وترسل إلينا كل المعلومات التي جمعتها نأمل أن يكون الفريق قادر علي تحديد متي وأين تكونت تلك الكويكبات، وإذا أشارت المعلومات أن تلك الكويكبات تكونت في مكان مختلف عن مكان وجودها الحالي فهذا سيكون مؤشر علي صحة ما اقترحته حول تكون المجموعة الشمسية.”
ولكن هذا قد لا يحدث، فإذا اكتشف الفريق شئ أخر غير متوقع فحسب قول السيد ليفسون أن هذا سيكون شئ جيد أيضا. فيقول:” آمل أن ألقي نظرة علي النماذج الحالية لتكون المجموعة الشمسية بما في ذلك ما أسهمت به بعملي وأكتشف بما أضافه المسبار لوسي أن الأمر لم يكن بتلك البساطة وأنه يجب علينا أن نبحث عن نظرية وتفسير جديد ".