السياسة فرقتنا والإنسانية تجمعنا
حطم هول الكارثة الإنسانية التي شهدتها، ولا زالت، كل من سوريا وتركيا، كثير من القيود التي كانت مفروضة على سوريا، وكذلك تركيا، إذ خلفت الكارثة حتى الآن ما يزيد على 15 ألف ضحية، فضلا عن عشرات الآلاف من المصابين، ففي تركيا وحدها قارب عدد المصابين 65 ألف مصاب، فضلا عن كم هائل من الخسائرالمادية البشرية والإنسانية، فضلا عن آلاف النازحين ففي سوريا وحدها جرى الإعلان عن أن هناك نحو 300 ألف نازح جراء الزلزال.
وتلقت أنقرة عروض مساعدة من 76 دولة و14 منظمة دولية، عقب الزلزال، ووصل نحو 4 آلاف عنصر إنقاذ من 43 دولة إلى تركيا، وفي سوريا ناشدت منظمة «الخوذ البيضاء»، المجتمع الدولي إرسال فِرق إنقاذ، لدعمهم في البحث عن عالقين تحت أنقاض مئات المباني المدمَّرة في شمال سوريا حيث قال المتحدث الإعلامي باسم المنظمة محمّد الشبلي، إن هناك ناس يموتون، كل ثانية، تحت الأنقاض، وأنهم في سباق مع الوقت، حيث يقود متطوّعو الخوذ البيضاء عمليات الإنقاذ في المناطق الخارجة عن سيطرة دمشق في محافظتي إدلب (شمال غرب)، وحلب (شمال)، يبحثون عن ناجين تحت أنقاض أبنية انهارت كلياً أو جزئياً، ويسعفون الجرحى وينقلون حتى الموتى من المستشفيات إلى المقابر، فيما طلبت حكومة سوريا المساعدة من الاتحاد الأوروبي بعد يومين من الزلزال المدمر عبر آلية الحماية المدنية.
الحدث الإنساني الصعب جعل كثير من دول المنطقة بل والعالم يتجاوزون كثير من الحواجز تجاه دمشق إذ أجرى عدد من القادة والزعماء العرب، مؤكدين على تقديم كل عون لتجاوز تبعات الكارثة، حيث قدم الرئيس المصري، عبد الفتاح السيسي، تعازيه لنظيره السوري، بشار الأسد، بضحايا الزلزال، خلال مكالمة هاتفية، وتمنى الشفاء العاجل للجرحى والمصابين، وأكد له تقديم كافة المساعدة اللازمة، لإغاثة الشعب السوري، في مصابه الجلل، وكذا عزى الرئيس الجزائري، عبد المجيد تبون، نظيره السوري، بضحايا الزلزال، وأعرب عن تضامن الشعب الجزائري مع الشعب السوري في مصيبته، وتعهد بتقديم المساعدات اللازمة لسوريا، لتخطي تبعات الزلزال.
وكذا اتصل الرئيس الإماراتي الشيخ محمد بن زايد بالأسد، وأمير قطر الشيخ تميم بن حمد، وقدم الرئيس الفلسطيني، محمود عباس، تعازيه، ووجه العاهل الأردني، الملك عبد الله الثاني، برقية تعزية للرئيس السوري، بشار الأسد، وملك البحرين، حمد بن عيسى آل خليفة، وسلطان عمان، هيثم بن طارق بن تيمور آل سعيد، خلال مكالمة هاتفية مع الرئيس، بشار الأسد.
الأمم المتحدة من جهتها أعلنت صرخة للمجتمع الدولي، لدعم سوريا بعد الزلزال الذي فاقم الأزمة الإنسانية الموجودة أصلا والناجمة عن 12 عاما من الصراع، وتسبب بتشريد الآلاف، وأن المنظمة تعمل في ظروف هشة جدًا في سوريا، فالبنية التحتية مهدمة فضلًا عن موجة البرد القارس، وبرنامج الأغذية العالمي لديه من المساعدات ما يكفي لأسبوع فقط، وهناك مشكلة في المياه في بعض المناطق بسوريا يجب مواجهتها حتى لا يساعد على انتشار الكوليرا، وسوريا تحتاج دعما أكبر من المجتمع الدولي للمساعدة في عمليات الإنقاذ، ويجب وضع السياسة جانباً وأن نقوم بعملنا الإنساني، ولا يمكننا تحمل الانتظار والتفاوض. لأنه في الوقت الذي نتفاوض فيه، يكون قد قُضي الأمر".، فيما أكد الاتحاد الأوروبي أنه سيقدم دعما إضافيا طارئا للدولتين ومساعدات إنسانية عاجلة بقيمة 6.5 مليون يورو في واحدة من أكبر عمليات البحث والإنقاذ في التكتل بموجب تلك الآلية.
فيما خصصت الإمارات 100 مليون دولار مساعدات عاجلة، ودفعت مصر بخمس طائرات ومثلها الأردن والجزائر، وهبت المساعدات وفرق الإنقاذ من كل أنحاء العالم، فيما شددت أمريكا على لسان الرئيس بايدن وكذلك بلينكن أن أمريكا تتعاون مع جهات إغاثية موثوق فيها، دون اشتراط تبعيتها الحكومية.
كل ذلك يشير إلى أن العالم ذي الضمير اليقظ تخلى بشكل كبير عن كثير من المحاذير التي كانت مفروضة على دمشق وهب الجميع لتقديم يد العون والمساعدة فيما ظلت أمريكا غير قادرة على فعل ذلك في التواصل المباشر مع حكومة دمشق، الأمر الذي يكشف أن الدول الطبيعية والبشر بطبيعتهم يتسامحون وقت الأزمات بينما تبقى الدول ذات الأهواء والأغراض متجردة من إنسانيتها مهما حاولت إظهار عكس ذلك.
قصص إنسانية غاية في الصعوبة في أحداث زلزال تركيا وسوريا، قصص يشيب لها الوليد، طفلة تولد من أحشاء أم ماتت تحت الأنقاض، وطفلة تحمي شقيقها بذراعها تحت الركام، وطفل نام تحت الركام وحين أنقذوه ظل يداعبهم، وطبيب يخرج من تحت الأنقاض، وشاي بتواصل مع ذويه هاتفيا وهو تحت الركام طالبا منهم مسامحته والدعاء له حال وفاته، عائلات خرجت من تحت الأنقاض بعد خمسين ساعة وثلاثين ساعة، وسيدة تبكي أمام بيتها الذي أهدته لابنتها قبل الحادث بيومين وهي تقول لم أكن أعلم أني أهديتكي قبرا وليس بيتا.
مأساة إنسانية غاية في الصعوبة، نحتاج لنتوقف أمامها بمزيد من العبرة والاتعاظ والتأمل.. الإنسانية يجب أن تجمعنا مهما فرقا=تنا السياسة، والزلزال الذي طال تركيا وسوريا، وكأن رسالته للجميع عودوا لإنسانيتكم، وارحموا المشردين والثكلى، واتعظوا، وطأطئوا الرؤوس أمام تلك الكارثة الإنسانية الصعبة، وضعوا للحرب أوزارها.