حياتنا بين الفتن والأقدار
نعيش هذه الأيام حالات متعددة من الفتن بسبب تكرار الزلازل والكوارث الطبيعية المختلفة وتوتر وسخونة العالم الأمر الذي جعل البعض يردد بأنها نهاية العالم، ولتكن النهاية، ما الذي يستجد في عقيدتنا، وما الذي يؤثر علينا، وما الذي يريبنا، أو يؤثر علينا، ألسنا نؤمن بأن نعمل لدنيانا كأننا نعيش أبدا، وأن نعمل لآخرتنا كأننا نموت غدا، فقد ثبت من كلام عبد الله بن عمرو بن العاص، كما في زوائد مسند الحارث للهيثمي بلفظ: اعمل لدنياك كأنك تعيش أبداً، واعمل لآخرتك كأنك تموت غدا.
إن العمل بهذا الأثر الطيب لهو أمر يجعل النفس تأمن بسلام داخلي دائم لا ينقطع حتى ولو اقتربت الساعة، ألم ينبئنا القرآن الكريم أن الساعة قد اقتربت وانشق القمر، قال تعالى: ﴿اقْتَرَبَتِ السَّاعَةُ وَانْشَقَّ الْقَمَرُ (١) وَإِنْ يَرَوْا آيَةً يُعْرِضُوا وَيَقُولُوا سِحْرٌ مُسْتَمِرٌّ (٢) ﴾.. وفي تفسير الطبري، يعني تعالى ذكره بقوله ﴿اقْتَرَبَتِ السَّاعَةُ﴾: دنت الساعة التي تقوم فيها القيامة، وقوله ﴿اقْتَرَبَتِ﴾ افتعلت من القُرب، وهذا من الله تعالى ذكره إنذار لعباده بدنوّ القيامة، وقرب فناء الدنيا، وأمر لهم بالاستعداد لأهوال القيامة قبل هجومها عليهم، وهم عنها في غفلة ساهون.
وقوله ﴿وَانْشَقَّ الْقَمَرُ﴾ يقول جلّ ثناؤه: وانفلق القمر، وكان ذلك فيما ذُكر على عهد رسول الله ﷺ وهو بمكة، قبل هجرته إلى المدينة، وذلك أن كفار أهل مكة سألوه آية، فآراهم ﷺ انشقاق القمر، آية حجة على صدق قوله، وحقيقة نبوّته، فلما أراهم أعرضوا وكذبوا، وقالوا: هذا سحر مستمرّ، سحرنا محمد، فقال الله جلّ ثناؤه ﴿وَإِنْ يَرَوْا آيَةً يُعْرِضُوا وَيَقُولُوا سِحْرٌ مُسْتَمِرٌّ﴾.
نعم اشتدت الفتن من أزمات اقتصادية وغلاء بل جنون في الأسعار، من وباء كورونا إلى حرب شبه عالمية تأثرت بهما معيشتنا بشكل واضح، ثم كوارث طبيعية غير مسبوقة، هُدمت فيها بيوت وصوامع وبيع، نعم تهدمت منازل، ومساجد، ومآذن، وحتى المقابر والمدافن لم تسلم منها، وكذا تعددت الآثار والتوقعات والخيالات، وخرج علينا من يتوقع الزلازل بمواعيدها منهم من بتحدث بعلم، ومنهم من ينجم، ومنهم من توقع حدوث تسونامي في المتوسط، بسبب حالات مد وجزر شديدة يشهدها المتوسط، والذي بكل تأكيد تأثر بآثار تلك الزلازل وتوابعها.
إن ما شهدته الحوادث العديدة في عمليات الإنقاذ للناجين من تحت الأنقاض اللذين كتب الله لهم النجاة لتقول لنا جميعا وبعلو الصوت، لن يفر أحد منا من قدره، ولن يموت قبل أن يستوفي أجله، ورزقه، وما كتب له في اللوح المحفوظ فلنؤمن جميعا بأننا في حياتنا وأفعالنا مسيرون لأقدارنا وما أفعالنا إلا أسباب تيسر وقوع الأقدار، فلنطمئن، ولنطمئن أبنائنا، فالله تعالى لن يقبض نفسا حتى تستوفي كل ما لها، والله لطيف بعباده، ولن يخزل عبدا أحسن التوكل عليه بعد الأخذ بالأسباب، حفظنا الله وإياكم من الفتن ما ظهر منها وما بطن إنه لطيف بعبادة قادر على كل شيئ.