ألمانيا.. الاتفاق الحكومي الجديد يمهد نحو انطلاقة جديدة
الاستعداد لانطلاقة جديدة بعد 16 عاما من السياسة المحافظة يبدو أنه التوجه الذي يمهد له اتفاق توصل إليه الاشتراكيون الديمقراطيون وحزب الخضر والليبراليون لتشكيل حكومة في ألمانيا.
وبعد شهرين من فوز الحزب الاشتراكي الديمقراطي على ائتلاف الاتحاد الديمقراطي المسيحي - الاتحاد الاجتماعي المسيحي برئاسة المستشارة أنجيلا ميركل في الانتخابات العامة جرى التوصل إلى الاتفاق الحكومي الذي سيؤطر عمل حكومة ألمانيا في الأعوام الأربعة المقبلة.
ووضع هذا الاتفاق ملفات السياسة الخارجية الألمانية تجاه أوروبا والتكيف مع التغيرات البيئية ومواجهة جائحة فيروس (كورونا المستجد - كوفيد 19) على رأس أولويات الحكومة.
ويتبادر الى ذهن المراقب من خلال الاطلاع على الاتفاق المكون من 177 صفحة ان ألمانيا تعيش مرحلة من التحول وتستعد لانطلاقة جديدة بعد 16 عاما من السياسة المحافظة التي انتهجتها ميركل منذ عام 2005.
وينص الاتفاق على رغبة الحكومة المقبلة في تجديد الجيش الألماني (بوندسفير) بالقول "يجب تجهيز الجيش بأفضل المعدات والقدرات البشرية والمالية".
ويؤكد ان هذه الحكومة ستلتزم بالهدف الموضوع من قبل حلف شمال الأطلسي (ناتو) وهو استثمار ألمانيا والدول الأخرى نسبة 2 في المئة من ناتجها القومي المحلي في النفقات العسكرية وبضرورة العمل على تعزيز الشراكة بين ضفتي الأطلسي.
وبينما لم تحظ السياسة الخارجية تجاه دول العالم بالاهتمام الأكبر في هذا الاتفاق وغابت اللهجة الحادة عنه تجاه أنظمة شمولية الا انه افرد جزءا كبيرا لسياسة ألمانيا داخل أوروبا.
وعلى هذا الصعيد ينص الاتفاق على ان الحكومة الجديدة ستعمل بكل قوتها من اجل صياغة دستور للاتحاد الأوروبي الامر الذي يعني ذهاب هذه الحكومة في تطوير ما يصطلح عليه ب "الولايات المتحدة الأوروبية".
كما ستسعى هذه الحكومة الى إحداث تغييرات على نظام التصويت في بروكسل بخصوص القضايا الخارجية وعدم الاحتكام في هذا الموضوع لنظام حق النقض (فيتو) بل لنظام التصويت بالأغلبية.
وهذا يعني الحيلولة دون قدرة بعض الدول الصغيرة على احباط قرارات مهمة بخصوص السياسة الخارجية.
كما ينص الاتفاق على رغبة ألمانية في تعيين وزير خارجية أوروبي وعدم الاكتفاء بمفوض للشؤون الخارجية والأمنية كما هو الحال عليه في الوقت الحالي.
وعلى صعيد الهجرة يؤكد الاتفاق ان "المهاجرين كانوا دائما جزءا من تاريخ وحاضر ألمانيا" مضيفا "المهاجرون وأولادهم واحفادهم شاركوا مشاركة مباشرة في بناء هذا البلد والتأثير عليه".
وخصص الاتفاق جزءا مهما لحياة المسلمين في ألمانيا قائلا "نريد التأكيد على تنوع حياة المسلمين في ألمانيا ودعم جميع الاتحادات والمنظمات التي ترعاهم وتوفير الحماية الكافية للمرافق الإسلامية".
وفيما يتعلق باللاجئين حمل هذا الاتفاق في طياته اخبارا سارة لا سيما بخصوص تحسين إجراءات لم الشمل وتقليص فترة التجنيس وفتح أبواب جديدة للهجرة الشرعية في الوقت الذي يطالب فيه بمواصلة محاربة الهجرة غير الشرعية.
وركز الاتفاق على مشكلة البيئة التي تعد من اكبر المشاكل التي ستواجه سياسات الحكومات في العقود المقبلة.
وهنا يمكن القول ان (حزب الخضر) تمكن من تمرير سياسته حيث ان هذه الحقيبة الوزارية ستكون من نصيبه نظرا لباعه الطويل في محاربة التغيرات البيئية وحرصه على الالتزام بوصول ألمانيا في اسرع وقت ممكن الى الحياد المناخي.
ووفق الاتفاق فإنه سيتم في موعد أقصاه عام 2030 التخلي عن الفحم الحجري كمصدر للطاقة إضافة الى الغاء محرك الديزل في العام المذكور وضمان سير 15 مليون سيارة كهربائية على الاقل في الشوارع الألمانية.
كما نص الاتفاق على ضرورة جعل مصادر الطاقة المتجددة ليست مواد طاقة تكميلية بل مواد أساسية كأن يتم الاعتماد في العام المذكور على هذه المصادر في توليد 80 بالمئة من التيار الكهربائي.
ووصف رؤساء الأحزاب الثلاثة في المؤتمر الصحفي امس هذه الأهداف الطموحة بأنها "ستؤسس لأكبر برنامج بيئي لدولة صناعة".
وعلى صعيد جميع الملفات الداخلية المتعلقة بالتقاعد والبطالة والأجور والضرائب تمكن (الحزب الاشتراكي الديمقراطي) الذي سيترأس الحكومة وسيحظى بوزارات مهمة مثل الداخلية والعمل من تمرير سياسته الحريصة على مزيد من العدالة الاجتماعية.
اما فيما يتعلق بالموضوع الحالي الأكثر أهمية وهو موضوع عودة جائحة (كورونا) فقد اكدت الأحزاب الثلاثة ضرورة بذل جميع الجهود من اجل كسر الموجة الجديدة من الجائحة.
وفي هذا الشأن أعلنت الأحزاب انه سيتم تشكيل خلية ازمات مقرها المستشارية الألمانية وتشارك فيها الأحزاب الثلاثة إضافة الى الجهات العلمية والطبية إضافة الى تجديد (قمم كورونا) المخصصة لبحث هذه الازمة مع رؤساء حكومات الولايات الألمانية ال 16.
وبينما سيحصل هذا الحزب على رئاسة الحكومة ومنصب المستشار الاتحادي المقبل الذي سيكون من نصيب رئيسه اولاف شولتز وعلى ست حقائب وزارية سيحصل حزب الخضر على خمس حقائب ابرزها الخارجية والاقتصاد والبيئة وسيحصل الحزب الليبرالي على اربع وزارات ابرزها المالية والعدل.
يشار الى ان الأحزاب الثلاثة ستقدم هذا البرنامج للقواعد الحزبية والرأي العام قبل اعتماده برنامجا للحكومة الجديدة والبدء بعد 10 ايام بتنظيم نقل السلطات من حكومة انجيلا ميركل الى الحكومة المقبلة التي ستتكون لأول مرة في تاريخ ألمانيا من ثلاثة أحزاب.