مبادرات نوعية في الإمارات لتعزيز الاقتصاد الدائري.. فما التفاصيل؟
حققت دولة الإمارات الكثير من الإنجازات في تبني سياسات التحول الرقمي بالخدمات للحد من مخاطر النفايات الورقية على البيئة.
يأتي هذا بينما أرست دولة الإمارات نهجاً مستداماً ومتكاملاً في إدارة النفايات بكافة أنواعها والتي تزايدت كمياتها نتيجة للزيادة السكانية المطردة ونمو الأنشطة الاقتصادية، وذلك بهدف تحقيق المبادئ العشرة للخمسين الجديدة المتعلقة بالتنمية المستدامة وضمان ازدهار المجتمعات وكذلك تحقيق أهداف «المبادرة الاستراتيجية للحياد المناخي 2050».
وضمن جهودها للحفاظ على استدامة البيئة، وخفض الانبعاثات الكربونية، تعمل دولة الإمارات على الحد من الاستخدامات غير السليمة للورق والنفايات الناتجة عنه والتي تترك بصمة سلبية مؤثرة على البيئة، عبر تنفيذ عدد من البرامج الرامية إلى تحفيز التحول الرقمي وتقليص المعاملات الورقية وإعادة تدوير النفايات الورقية لدعم الاقتصاد الدائري.
مبادرات مبتكرة
وتنفذ الجهات الحكومية والقطاع الخاص مشروعات ومبادرات مبتكرة تستثمر في صناعة تدوير النفايات بكافة أنواعها لا سيما الورق بغرض تحويلها إلى طاقة ومنتجات أخرى يمكن الاستفادة منها، وذلك بما يتوافق مع نهج الاقتصاد الدائري، وجهود دولة الإمارات لتسريع التقدم في مختلف المسارات التي تساعد على التخفيف من تداعيات تغير المناخ، والتكيف معها، ومعالجة الأضرار المترتبة عليها.
وتنسجم جهود دولة الإمارات في التقليل من الآثار البيئية الضارة الناتجة عن استخدام الورق، مع محور الطريق نحو تحقيق الحياد المناخي ضمن حملة "استدامة وطنية" التي تم إطلاقها مؤخراً تزامناً مع الاستعدادات لمؤتمر الأطراف في اتفاقية الأمم المتحدة الإطارية بشأن تغير المناخ “COP28" الذي يُعقد خلال الفترة من 30 نوفمبر إلى 12 ديسمبر من العام الجاري في مدينة إكسبو دبي.
احتباس حراري
وتسهم كل خطوة في مرحلة دورة حياة أية قطعة ورقية، في زيادة ظاهرة الاحتباس الحراري، بدءاً من قطع الأشجار، مروراً بإنتاج لب الورق، وانتهاء بالتخلص منه في نهاية المطاف.
وتساهم عملية إنتاج الورق في فقدان العديد من النباتات والحيوانات لمساكنها الطبيعية وهو ما يهدد استدامة التنوع البيولوجي في الحياة الطبيعية، إضافةً إلى أنها تسهم في تلوث الهواء والماء بمواد كيميائية سامة.
وينتج عن تحلل مادة الورق في مكبات النفايات غاز الميثان الذي يعتبر من غازات الاحتباس الحراري القوية. لذلك يعني التقليل من استهلاك الورق، الحد من قطع الأشجار والتقليل من الطاقة المستخدمة لصناعة الأوراق، إضافة إلى تقليل ملحوظ في التكلفة التي تتكبدها المؤسسات.
وتعود خطورة الورق على البيئة في كونه يحتوي على مجموعة كبيرة من المواد الضارة التي تنتشر سريعاً في الهواء وتؤثر على البشر عند استنشاقها، لذلك تسبب عملية التخلص من النفايات الورقية الكثير من الإضرار الصحية. وتؤدي صناعة الورق إلى تدمير الغابات حول العالم، مما يهدد التنوع البيولوجي والموارد الطبيعية والبيئة.
مستقبل خالٍ من الورق
وقطعت دولة الإمارات من خلال رقمنة الخدمات في المؤسسات والدوائر والهيئات الاتحادية والمحلية وكذلك القطاع الخاص، شوطاً كبيراً في بناء مستقبل خالٍ من الورق، نتيجة إدراك دولة الإمارات مخاطر صناعة الورق على البيئة، حيث تعتبر واحدة من الصناعات الرئيسية التي تساهم في تلويث البيئة، كما تشير التقديرات إلى أنه يتم قطع نحو 900 مليون شجرة سنوياً لاستخدامها في صناعة الورق.
وتولي دولة الإمارات أولوية قصوى لتقليص المعاملات الورقية لإيمانها بدور التحول الرقمي في تحقيق مستهدفات التنمية البيئية المستدامة، لذلك بادرت الدولة لمواكبة المتغيرات المتسارعة في التكنولوجيا واستشراف المستقبل، وخاصة تقنيات الثورة الصناعية الرابعة والذكاء الاصطناعي وإنترنت الأشياء، والعديد من الإجراءات التي تم تنظيمها لتعزيز الاستدامة وأمن الطاقة والمحافظة على البيئة، وتحقيق الانتقال إلى الاقتصاد الدائري.
مبادرة عالمية رائدة في مجال التحول الرقمي ودعم استدامة البيئة
وتعود جهود أبوظبي للحد من استخدام الورق وتأثيره على البيئة إلى عام 2008 عندما أطلقت هيئة البيئة - أبوظبي مشروع يوم بلا ورق، والذي تبنته منظمة الأمم المتحدة للبيئة، حيث جعلت الثالث من يونيو من كل عام ( يوم بلا ورق) اعتباراً من العام 2011 ودعت دول العالم للالتزام بهذه المبادرة التي تهدف الى خفض الاستهلاك العالمي للورق في كافة المنشآت والمؤسسات بغرض الحد من انبعاث الغازات الكربونية التي تنتج عن الاستخدام المفرط والسيئ للورق والذي يترك تأثيراً سلبياً على المناخ، فضلاً عن المساعدة في خفض وترشيد استهلاك المياه ومصادر الطاقة اللازمة لإنتاج الورق والحفاظ على الغابات.
رقمنة في أبوظبي
وتعمل الجهات الحكومية في أبوظبي على تحويل كافة خدماتها إلى النظام الرقمي من أجل المساهمة في استدامة البيئة، وتعتبر منظومة خدمات أبوظبي الحكومية «تم»، شاهداً على الجهود التي تبذلها هذه الجهات لتحقيق تحول رقمي جذري ونقلة نوعية في طريقة تقديم الخدمات الحكومية، بهدف الارتقاء بأداء القطاع الخدمي الحكومي في إمارة أبوظبي، حيث يعتبر موقع وتطبيق «تم» الذكي، المنصة الرقمية الموحدة لتقديم الخدمات الحكومية في الإمارة، والتي يتم من خلالها إنجاز المعاملات الحكومية رقمياً بعيداً عن الورق، في وقت لا يتعدى 6 دقائق لأكثر الخدمات استخداماً من قبل المتعاملين.
وفي هذا السياق، قامت منظومة "تم" وبالتنسيق مع الجهات الحكومية برقمنة أكثر من 55 وثيقة حكومية يتم استخدامها بشكل شبه يومي من قبل المتعاملين. كما توفر المنظومة منصة الدفع الرقمي الموحدة لحكومة أبوظبي "سداد أبوظبي" والتي يتم من خلالها دفع رسوم الخدمات الحكومية، بالإضافة إلى توفير أكثر من 750 خدمة رقمية مقدمة من 33 جهة وشركة حكومية تغطي النواحي والقطاعات المختلفة للمتعاملين، حيث ساعدت تلك الجهود في الاستخدام الأمثل للموارد الحكومية عبر توفير مبلغ وقدره 430 مليون درهم سنوياً وتوفير أكثر من 437 ألف يوم عمل على موظفي الجهات الحكومية سنوياً، كما ساهمت المنظومة في تعزيز استدامة البيئة من خلال خفض انبعاثات الكربون بمقدار 155 ألف طن سنوياً، توفير ما يعادل 53 مليون ورقة سنوياً، وتوفير ما يقارب 21 مليون زيارة على المتعاملين والذي يعادل توفر حوالي 3 مليارات درهم سنويا.
وفي إطار جهودها لترسيخ الاستدامة والحفاظ على البيئة خصصت شركة أبوظبي لإدارة النفايات- تدوير مراكز "مناجم النفايات"، لتجميع الورق والمواد الأخرى القابلة لإعادة التدوير كالبلاستيك والالكترونيات، حيث دعت أفراد المجتمع عبر منصات التواصل الاجتماعي لتجميع الكتب المستعملة والأوراق المهملة من أجل التخلص منها بطريقة آمنة وصديقة للبيئة.
وتستهدف الشركة من "مناجم النفايات" التشجيع على فرز النفايات والحصول على مسارات نقية من النفايات البلدية الصلبة بحيث يتم الاستفادة منها وإعادة تدويرها، وذلك في إطار استراتيجية الشركة التي تعتبر إدارة النفايات ركيزة أساسية لنهج الاقتصاد الدائري الذي يدعم توجه دولة الإمارات نحو مستقبل أكثر استدامة.
الجدير بالذكر بأن الجهود المبذولة للشركة ساهمت في إعادة تدوير ما يقارب 2، 500 طن من مخلفات الورق والكرتون منذ يناير حتى نهاية الربع الثاني من العام الحالي وما يقارب 7، 950 طنا من مخلفات الورق والكرتون لنفس الفترة من قبل مزودي الخدمات البيئية المرخصين من قبل "تدوير" بمجموع 10، 450 طنا.
وتسعى "تدوير" إلى تطوير أساليب نوعية لتحقيق الأهداف المرجوة في مجال الاستدامة والوصول إلى بيئة صحية ومستدامة وخالية من الأمراض والتلوث لسكان الإمارة، والإسهام في بناء مجتمع صحي وخالٍ من الأوبئة والأمراض التي تسببها آفات الصحة العامة، ورفع مستوى الوعي البيئي لدى سكان الإمارة بأهمية الحفاظ على البيئة وتشجيعهم على ممارسة وتبني السلوك البيئي السليم، الذي من شأنه دفع عجلة التنمية المستدامة.
حكومة لا ورقية
ونجحت حكومة دبي في التحوّل إلى حكومة لا ورقية بالكامل، لتصبح بذلك الأولى من نوعها على مستوى العالم، بعد أن انتهت من تنفيذ "استراتيجية دبي للمعاملات اللا ورقية" بمراحلها الخمس، التي تتضمّن كل منها مجموعة محددة من الجهات الحكومية على مستوى إمارة دبي. وقد تم تطبيق الاستراتيجية كاملة في الجهات الحكومية بدبي والبالغ عددها 45 جهة بنسبة 100% مع انتهاء المرحلة الخامسة بنهاية 2021، متضمنة ما يزيد على 2030 خدمة رقمية وأكثر من 10900 عملية رئيسة.
ومن خلال تنفيذ الاستراتيجية المذكورة، حققت دبي نموذجاً ملهماً في التكامل الحكومي، حيث نجحت الجهات في العمل كفريق واحد متناغم وتمكنت من أتمتة العمليات والخدمات الموجّهة للمتعاملين والعمل على الربط والتكامل وإعادة هندسة العمليات والخدمات، مما ساهم في توفير أكثر من 336 مليون ورقة كانت تستخدم لإنجاز المعاملات، كما وفّرت ما يزيد على 1.3 مليار درهم، بالإضافة إلى أكثر من 14 مليون ساعة عمل على المستوى الحكومي. كما نتج عن المبادرة مجموعة من المبادرات الاستراتيجية على مستوى الإمارة في كافة القطاعات الحيوية وبقيادة الجهات الحكومية.
وكانت مسيرة "استراتيجية دبي للمعاملات اللا ورقية" قد انطلقت عام 2018 مع المجموعة الأولى والمكونة من ست جهات وأدت تلك المرحلة إلى تخفيض استخدام الورق، حيث وفرت أكثر من 72.5 مليون ورقة. وبعد ذلك جاءت المرحلة الثانية في عام 2019، وضمّت ثماني جهات أخرى، ونجحت في تخفيض استخدام الورق وتوفير أكثر من 229.5 مليون ورقة، وفي أواخر عام 2019، تم الإعلان عن المرحلة الثالثة للاستراتيجية مع مجموعة جديدة مكوّنة من تسع جهات والتي خفّضت استخدام الورق موفرةً أكثر من 12.9 مليون ورقة. وبدأت المرحلة الرابعة في مارس 2020، مع انضمام مجموعة جديدة مكونة من 10 جهات لتطبيق الاستراتيجية ونجحت هذه المجموعة في خفض استهلاك الورق بتوفير أكثر من 11.9 مليون ورقة. وخلال المرحلة ذاتها، تم إطلاق مبادرة "ختم 100% لا ورقية"، لتكريم الجهات الحكومية التي بذلت جهوداً مهمة في تنفيذ استراتيجية دبي للمعاملات اللا ورقية بشكل كامل، وعملت على تقديم خدمات ذكية تامة ومدعومة ببنية تحتية رقمية داخلية فعالة.
وجاءت المرحلة الخامسة والأخيرة من تطبيق الاستراتيجية في يونيو عام 2020، حيث شاركت مجموعة إضافية في الاستراتيجية وشملت 9 جهات جديدة، والتي نجحت في خفض استهلاك الورق وتوفير أكثر من 8.2 مليون ورقة.
وفي الإطار ذاته طورت حكومة دبي مجموعة من متكاملة من المنصات الرقمية التي ساهمت في تحقيق قفزة نوعية في مسيرتها للتحول الرقمي والتخلص التام من العمليات اليدوية والورقية، حيث يعتبر تطبيق دبي الآن من أهم المنصات الرقمية في المدينة والذي صمم ليكون النافذة الموحدة لخدمات الإمارة منذ العام 2015، والمتاحة في كل زمان ومن أي مكان. ويعد التطبيق من الممكنات الأساسية في عملية التحول الرقمي والاستغناء عن الورق وتقليص عدد مراكز الخدمة لأدنى حد، ما يسهم بشكل فعال في الحفاظ على بيئة مستدامة ونظيفة من خلال أجراء المعاملات ورقياً، إلى جانب تقليص حركة المتعاملين في المدينة ما يقلل نسبة الانبعاثات الكربونية.
حملات توعوية
وتتبنى دولة الإمارات توعية الجمهور بأهمية إعادة تدوير الورق، عن طريق برامج التثقيف والحملات التوعوية المناسبة لتوجيه أفراد المجتمع نحو إعادة الاستخدام وفصل النفايات عند مصدرها.
وتطلق الجهات الحكومية المختلفة في دولة الإمارات حملات توعوية على مدار العام ووفق خطط مدروسة وذلك في إطار مسؤوليتها المجتمعية، لتعريف الجمهور بفوائد التدوير في الحفاظ على البيئة، فضلاً عن فائدتها الاقتصادية المتمثلة في خلق فرص استثمارية ووظيفية وتوفير مواد خام لمختلف الصناعات، إضافة إلى تخفيض كلفة النظافة.