دول الخليج ومصر: المصالح العليا والأمن القومي العربي
المشهد الخليجي في الأيام الفائتة كان مبهجاً ومفرحاً لأهل الخليج، ولكننا لا نستبعد أنه في الوقت ذاته كان مزعجاً وغير مريح لأطراف ودول في المنطقة كونها لا تميل لهكذا تقارب بين الإخوة الأشقاء. الأسبوع الماضي لم يكن أسبوعاً عادياً، بل كان متدفقاً بالأحداث والأيام الخليجية اللافتة التي حضرت فيها الإرادة السياسية وبامتياز.. من بدء جولة ولي العهد السعودي لدول مجلس التعاون إلى انعقاد قمة الرياض الخليجية وما بينهما من مواقف وتصريحات وإعلانات واتفاقات وقرارات شكلت في محصلتها قصة يجب أن تُروى لأنها تعكس نجاح منظومة وكتلة سياسية واقتصادية وازنة في المعادلات الدولية ومرجحة في ملفات المنطقة.
المتأمل للوضع الإقليمي يلحظ أنه يتّسم بدرجة كبيرة من السيولة السياسية وتسارع المتغيرات، وهي بمثابة تحديات، ما يحتم التعاطي معها ومواجهتها ببلورة رؤية استراتيجية. هذا يدفعنا للقول إن القصة لم تنتهِ بعد بدليل أن هناك رابطاً استراتيجياً لها لا يقل أهمية، فدول الخليج مع مصر كعلاقة خاصة وتقارب رؤى تجسدان معادلة لا تلبث أن تشعرك إلا بالاطمئنان والارتياح.
المتابع لما تم في الأيام الفائتة ورصد ما أعلن من الاجتماعات واللقاءات والمبادرات أن ثمة إرادة جادة في إصلاح العطب الذي دام طويلاً، وأن هناك استشعاراً بالمسؤولية حتم على الجميع أن يفكروا في مصلحة الجميع قبل الارتهان للمنفعة الفئوية.
التكتل الخليجي ومصر العروبة عبرا عن صورة مغايرة للعمل العربي الذي انتكس في مراحل سابقة وسبّب حالة من الإحباط والخيبة لدى الشعوب. مناخ جديد وروح متجددة ولغة واضحة ومباشرة كلها عوامل رفعت المعنويات وقشعت الغيوم وفتحت باباً للتفاؤل لأجل تضامن حقيقي يحمي المصالح العربية.
نجاح قمة الرياض الخليجية ولقاء وزراء الخارجية الخليجيين مع وزير الخارجية المصري عنوان كبير لمرحلة مقبلة تقود المنطقة والإقليم إلى محطة جديدة لم نعهدها من قبل، انطلاقاً من المواقف السياسية واللقاءات الثنائية والالتزام الجاد بتنفيذ ما تم الاتفاق عليه. والأهم من كل ذلك أن رسالة الخليج ومصر قد وصلت للقوى الإقليمية والدولية وأن عهداً جديداً بدأ يتشكل في منطقتنا رغم العوائق والممانعة.
كان محقاً وزير الخارجية المصري عندما وصف أمن الخليج بأنه جزء لا يتجزأ من أمن مصر. هذا المعطى كان غائباً لفترة ليست بالقصيرة ولكنه عاد وبقوة منذ أن تُوجت المصالحة الخليجية في العُلا بحضور مصر، وعقدت القمة رغم أن المتفائلين لم يتوقعوا انعقادها. هذه نجاحات تراكمية بالتأكيد تحسب لهذا التكتل الخليجي الذي أمعن في تماسكه رغم ما مر به من عواصف وزوابع وأحداث خلال العقود الماضية. جهود الراحل الشيخ صباح الأحمد لا يمكن أن تُنسى، وعزم القيادات الخليجية على تجاوز تلك المرحلة سجله التاريخ بماء من ذهب. قمة الرياض أكدت تنفيذ رؤية الملك سلمان التي أقرها المجلس عام 2015 في تفعيل دور المجلس، حيث تضمنت الرؤية محاور عدة، منها بلورة سياسة خارجية موحدة واستكمال مقومات الوحدة الاقتصادية والمنظومتين الدفاعية والأمنية المشتركة، بالإضافة إلى تعزيز المكانة الدولية لمجلس التعاون ودوره في القضايا الإقليمية والدولية، وهو ما سوف نشهده في الشهور والسنوات المقبلة.
الأجواء الإيجابية التي تعيشها دول الخليج تعزز رغبتها في المضي قدماً نحو المستقبل بروح جديدة وعزيمة صادقة وتكاتف حقيقي من أجل تحقيق تطلعات أهلها، وتُوج كل ذلك الجهد بالتناغم اللافت مع مصر، حيث التكامل الفعلي لا الشكلي والتطابق في الرؤى والمواقف من أجل حماية الأمن القومي العربي ومواجهة المخاطر لتعزز حقيقة الاستقرار والدعم والتضامن.
عند الحديث عن تكتل عربي حقيقي قادر على التعاطي مع التحديات الراهنة فإنه يعني ببساطة فكرة تأمين الدائرة العربية، ولذلك محق من يقول إن المساس بأمن مصر أو الخليج هو مساس بالأمن القومي العربي. دول الخليج ومصر لديهما قناعة بأن التحالفات العربية التقليدية والقديمة لم تعد ذات جدوى لا سيما في صعود قوى إقليمية، ولذلك أصبح التحالف الخليجي - المصري ضرورة لمواجهة المشاريع التي تحاك، ما يخلق حالة من توازن القوى في المنطقة، وبالتالي يقتضي الحال وجود سياسة عربية قادرة على ملء الفراغ وإصلاح البيت العربي عبر خريطة طريق تحقق بموضوعية وعقلانية ما يمكن تحقيقه على الأرض. هذه السياسة ليست ترفاً، بل ضرورة استراتيجية لاستقرار المنطقة، ويبدو أن ملامحها تتبلور اليوم بقيادة ومبادرة ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان.
بالأمس وفي القاهرة وتمهيداً لانعقاد اجتماع لجنة المتابعة بين مصر والسعودية، قال وزير الخارجية السعودي الأمير فيصل بن فرحان إن المملكة تجمعها مع مصر علاقات قوية وراسخة، مشيراً إلى وجود تعاون وتنسيق مع مصر في الملفات كافة، في حين أن سامح شكري وزير الخارجية المصري أكد أن «علاقة خاصة واستراتيجية تربط مصر مع السعودية»، مشدداً على القول: «نعمل بشكل وثيق مع السعودية لتحقيق أمن المنطقة واستقرارها». الرياض (قلب الخليج) والقاهرة بمقدورهما إعادة صياغة ترتيب الأولويات بما يحمي الأمن القومي العربي ويواجه الإرهاب، لأن توافقهما على حزمة المصالح ونوعية التهديدات يعني بناء جبهة عربية قادرة على المواجهة والتعاطي مع التحديات ما يعزز بناء منظومة العمل العربي المشترك ويدعمها لخير شعوبها.
* نقلا عن " الشرق الأوسط"