من الهند إلى جنوب أفريقيا.. خطوات عربية على طريق التحرر من قيود الدولار
تشهد العلاقات الاقتصادية العالمية تحولات وتطورات مستمرة، حيث تسعى الدول إلى تعزيز دورها وتوسيع نطاق تأثيرها في الأسواق العالمية، وقد شهدت الأيام القليلة الماضية نشاطا ملحوظا في ملف التكتلات الاقتصادية الجديدة، الرامية إلى التخلص تدريجيا من هيمنة الدولار على حركة التجارة العالمية، وقد لمسنا اهتمام مجلس التعاون الخليجي ببحث اتفاقية التجارة الحرة مع الهند، فضلا عن حضور الكويت لقمة البريكس في جنوب أفريقيا.
ولقد طالعت باهتمام تصريحات ممثل سمو أمير البلاد الشيخ نواف الأحمد الجابر الصباح، وزير التجارة والصناعة ووزير الدولة لشؤون الشباب محمد العيبان، في هذا الصدد والذي أكد على حرص دولة الكويت على المشاركة في الفعاليات الدولية كافة والتي من شأنها دعم التنمية الشاملة وتعزيز النمو الاقتصادي للدول.
وبالمناسبة، تعد دول مجلس التعاون الخليجي ككتلة تجارية هي أكبر شريك تجاري للهند بإجمالي تجارة بلغت 154 مليار دولار أميركي في السنة المالية 2021 - 2022..
وفي المقابل، لا يخفى على أحد أن مجموعة البريكس الاقتصادية، المؤلفة من البرازيل وروسيا والهند والصين وجنوب أفريقيا، أصبحت منصة مهمة لتعزيز التعاون الاقتصادي والتجاري بين الدول الأعضاء. خصوصا بعد الموافقة على انضمام عدد من الدول من بينها مصر والسعودية والإمارات.. فما أثر ذلك على اقتصاد المنطقة العربية؟
تعزيز التعاون الاقتصادي الإقليمي: من خلال انضمام مصر والسعودية والإمارات إلى مجموعة البريكس، ستتمكن هذه الدول من تعزيز التعاون الاقتصادي مع الدول الأعضاء الأخرى وتبادل الخبرات والتقنيات والمعرفة. وسيؤدي ذلك إلى تعزيز النمو الاقتصادي وتوفير فرص العمل في المنطقة العربية.
تنويع الاقتصادات الوطنية: انضمام هذه الدول العربية الكبيرة إلى مجموعة البريكس سيوفر لها فرصًا لتنويع اقتصاداتها والاعتماد على مصادر دخل متنوعة. فقد تعتمد هذه الدول بشكل كبير على النفط والغاز كمصدر رئيسي للإيرادات، ومن خلال التوسع في الصناعات الأخرى وتعزيز التجارة مع دول البريكس، يمكن تقليل التبعية على مصادر الطاقة الأحفورية.
تحقيق التكامل الاقتصادي العربي: يمكن أن يسهم انضمام مصر والسعودية والإمارات إلى مجموعة البريكس في تعزيز التكامل الاقتصادي في المنطقة العربية. فعندما تتحد الدول العربية الكبرى في إطار مشترك مثل البريكس، يتم تعزيز التعاون الاقتصادي بينها ويتم تسهيل حركة السلع والخدمات ورأس المال بينها. وهذا يمكن أن يؤدي إلى تعزيز التجارة الإقليمية وزيادة الاستثمارات وتحقيق النمو الاقتصادي المستدام في المنطقة العربية.
تعزيز الاستثمارات: باعتبارها أعضاء في مجموعة البريكس، ستكون لمصر والسعودية والإمارات فرص أكبر لجذب الاستثمارات الأجنبية المباشرة. فالبريكس يعتبر قوة اقتصادية هائلة، وبالتالي فإن انضمام هذه الدول العربية الكبرى سيعزز الثقة في اقتصاداتها ويجعلها وجهة مغرية للمستثمرين الأجانب.
تبادل التكنولوجيا والمعرفة: من خلال انضمام مصر والسعودية والإمارات إلى البريكس، ستتاح لهذه الدول فرصة لتبادل التكنولوجيا والخبرات والمعرفة مع الدول الأعضاء الأخرى. وهذا سيساهم في تعزيز القدرات التكنولوجية والابتكارية في الدول العربية وتعزيز قدرتها على المنافسة في الأسواق العالمية.
تعزيز القوة الاقتصادية للمنطقة العربية: انضمام مصر والسعودية والإمارات إلى البريكس سيعزز قوة الاقتصاد العربي في المستوى العالمي. فبالتعاون مع الدول الأعضاء الأخرى، يمكن للمنطقة العربية أن تلعب دورًا أكبر في صياغة السياسات الاقتصادية العالمية وتحقيق مصالحها الاقتصادية بشكل أفضل.
وصحيح أن انضمام مصر والسعودية والإمارات إلى مجموعة البريكس لا يعني بالضرورة التخلص الكامل من سيطرة الدولار على التجارة العالمية، ولكن يمكن أن يسهم في تقليلها. فمع تعزيز التجارة بين الدول الأعضاء في البريكس وتوسيع قاعدة العملات المستخدمة سيقل بالتالي الاعتماد الرهيب على الدولار في حركة البيع والشراء بين هذه الدول، التي تمثل قوة ليست بالقليلة في الاقتصاد العالمي. إذ يشكل هذا التكتل نحو 23 في المئة من الناتج المحلي الإجمالي العالمي و42 في المئة من سكان العالم وأكثر من 16 في المئة من التجارة العالمية.
وبعد، ربما تمثل هذه التحركات خطوات جادة على طريق الانتعاش الاقتصادي وتجديد الدماء، لمد شرايين الاقتصادات العربية بروافد غير تقليدية، تؤمنها من تقلبات الاقتصاد العالمي المرهون بالقرارات الأمريكية وسعر الدولار.
لكن يتبقى السؤال، لماذا لم تتقدم دولة الكويت ممثلة في حكومتها بطلب انضمام إلى مجموعة البريكس أسوة بالسعودية والإمارات ومصر؟ كنا نتمنى أن يحدث ذلك لما يمثله هذا الأمر من دفعة قوية متبادلة تستفيد منها كل الأطراف سواء الكويت أو دول هذا التكتل الواعد.
وللحديث بقية..