إلغاء اتفاقية خور عبد الله.. خطوة غير مسؤولة لا تخدم أي طرف
في خطوة أراها غير مسؤولة وغير متوقعة أيضا، قضت المحكمة الاتحادية العليا العراقية في 4 سبتمبر 2023 بإلغاء اتفاقية تنظيم الملاحة البحرية في خور عبد الله بين العراق والكويت.
هذا الحكم أثار ردود فعل غاضبة ليس في الكويت فقط إنما وصل الصدى إلى كل أنحاء دول الخليج والوطن العربي، بل ولا أجدني مبالغا إذا قلت إن الأمر أحدث جدلا على المستوى الدولي، حيث اعتبر انتهاكاً للسيادة الكويتية وتهديداً للاستقرار الإقليمي.
وبحسب المحكمة الاتحادية العليا، فإن قرارها جاء نتيجة مخالفة الاتفاقية للدستور العراقي، وتقول الحيثيات إنه لم يتم التصديق عليها بأغلبية ثلثي أعضاء مجلس النواب. وقد أثار هذا التفسير انتقادات من قبل خبراء القانون، الذين اعتبروه غير مقنع.
ولذلك لم يكن غريبا أن نستمع إلى وزير خارجيتنا الشيخ سالم عبد الله الجابر الصباح، ينتقد الحكم حين قال: "نحن نستنكر هذا الحكم بشكل كبير لسببين أولا لأنه يحاول إسقاط التصديق عن الاتفاقية المبرمة بين البلدين عام 2012، والتي تم الاتفاق، والتصديق عليها من قبل السلطات التشريعية في الكويت والعراق.. ونستنكر أيضا بشكل أكبر فحوى هذا الحكم، الذي تضمن سردا تاريخيا مليئا بالمغالطات بالنسبة لدولة الكويت".
في رأيي الشخصي، قرار المحكمة الاتحادية العليا يعكس رغبة بعض القوى السياسية في العراق في إعادة فتح ملف الحدود مع الكويت، وذلك في محاولة لتعزيز موقعهم السياسي الداخلي. كما يشير القرار إلى عجز الحكومة العراقية عن مواجهة هذه الضغوط، والدليل أنها لم تتمكن من اتخاذ موقف حاسم لدعم الاتفاقية وحماية السيادة الكويتية، بل والتأكيد على احترام العراق للاتفاقيات الدولية.
وهنا دعونا نستعرض الموقف من زواياه كافة، فمن الناحية القانونية، فإن قرار المحكمة الاتحادية العليا لا يلزم الكويت باحترامه، حيث إن الاتفاقية سارية المفعول بموجب القانون الدولي. كما أن قرار المحكمة ليس ملزماً للدول الأخرى، حيث إن العراق دولة ذات سيادة، ويجب أن تحترم التزاماتها الدولية.
ومن الناحية السياسية، فإن القرار حتما يشكل تهديداً للاستقرار الإقليمي. حيث إنه قد يؤدي إلى تفاقم التوترات في المنطقة، كما أنه قد يفتح الباب أمام مزيد من الخلافات بين الدولتين حول الحدود البحرية.
لذلك فإن قرار المحكمة الاتحادية العليا العراقية يشكل خطوة غير مسؤولة لا تخدم العلاقات بين البلدين، وينبغي على الحكومة في بغداد أن تتراجع عن هذا القرار، وأن تسعى إلى تعزيز التعاون مع الكويت ودول المنطقة ككل، وذلك من أجل تحقيق الأمن والاستقرار في المنطقة.
وربما يتضح ذلك في موقف مجلس وزراء خارجية دول مجلس التعاون الخليجي الذي دعا العراق الى اتخاذ خطوات جادة وعاجلة لمعالجة الآثار السلبية للتطورات التي ترتبت على حكم الغاء اتفاقية خور عبد الله، مؤكد في بيان له أن هذه التطورات لا تخدم العلاقات مع دول مجلس التعاون وتخالف المواثيق والمعاهدات والاتفاقيات الدولية بما فيها قرار مجلس الأمن 833.
وفي ضوء الآثار السلبية لقرار المحكمة الاتحادية العليا، أرى أنه على الحكومة العراقية أن تتراجع عن القرار، وأن تسعى إلى تعزيز التعاون مع الكويت ودول المنطقة، وذلك من أجل تحقيق الأمن والاستقرار في المنطقة.
وكذلك فإنه يتعين على الدول العربية أن تدعم السيادة الكويتية، وأن ترفض قرار المحكمة الاتحادية العليا العراقي، وكذلك على المجتمع الدولي أن يضغط على الحكومة العراقية لاحترام التزاماتها الدولية.
وختاما، وفي ظل الظروف الحالية - وهذه دعوة عاقلة دون تشنج أو تعصب- من المهم أن يسعى العراق والكويت إلى الحوار والتعاون من أجل التوصل إلى حل يرضي الطرفين. فالعلاقات بين البلدين علاقات مهمة، ولا ينبغي أن يسمح لأي خلاف، مهما كان، أن يضر بهذه العلاقات.
والله من وراء القصد