الهيئة العربية للتصنيع.. مفخرة العرب بلا عرب
لم أفقد إيماني يوما بأن العرب قوة عظيمة لا ينقصها سوى الوحدة الحقيقية والتكامل في مختلف المجالات، من أجل إيقاظ هذا العملاق الكامن، لمواجهة التكتلات الاقتصادية والسياسية العالمية التي تحيط بنا من كل حدبًا وصوب.. ولدي اليوم قصة واقعية يمكنها أن تغير مستقبل هذه الأمة خصوصا في مجال التصنيع والتجهيزات العسكرية.. فما الحكاية؟
إنها قصة الهيئة العربية للتصنيع إحدى المؤسسات الصناعية التكنولوجية الكبيرة التي تعمل في مجال صناعة الأسلحة والمعدات العسكرية. تأسست في عام 1975 كنتاج للشراكة بين مصر والسعودية والإمارات وقطر، لبناء قاعدة تصنيع دفاع عسكري مشتركة، وبرأس مال عملاق - وقتئذ - يفوق المليار دولار، وقد برزت على مر السنوات كمركز رائد للتكنولوجيا والتطوير الصناعي في المنطقة.
تعتبر مصانع الهيئة ومشروعاتها من بين أبرز المشاريع الصناعية في المنطقة، حيث تقوم بإنتاج مجموعة واسعة من المنتجات العسكرية المتطورة، بما في ذلك الصواريخ، وضفائر الطائرات، والمدرعات، والأسلحة وسيارات الجيب العسكرية. تتمتع الهيئة بقدرات وإمكانيات هائلة في هذا المجال، وتتميز بجودة منتجاتها وتكنولوجيا عالية المستوى.. فضلا عن منتجات أخرى غير عسكرية من بينها ما يخص السكة الحديد والأجهزة والمعدات الإلكترونية وحتى ما يخص الحفاظ على البيئة ومشروعات الطاقة المتجددة.
هذه الهيئة الضخمة كما وكيفا، لفتت أنظار قوى تصنيعية عالمية وأبرزها ألمانيا وفرنسا والولايات المتحدة، ما دفعها لعقد شراكات في مجالات مختلفة مثل المركبات والتكنولوجيا المتطورة والمعدات العسكرية.
لكن، وعلى رأي المثل "الحلو ما يكمل"، فنظرا لما شهدته فترة السبعينات والخلافات العربية - العربية عقب توقيع اتفاقية السلام، تخارجت الدول المشاركة في هذا المشروع العملاق، وباتت الهيئة مصرية مئة في المئة.. وغاب عنها العرب!
قطعا الكوادر المصرية دوما على العهد والوعد، فنحن نراهم في كل مجال يقدمون الأفضل ويتفوقون ويبدعون، لكن كما يقال "زيادة الخير خيرين"، وحلمي أن أرى المصري إلى جوار الكويتي والفلسطيني والسعودي واليمني والجزائري والمغربي والسوداني، بل وكل العرب.. ليقدموا لنا ملحمة تكنولوجية تصنيعية عسكرية ومدنية ذات صبغة عربية خالصة.
ولأن الأمل دائما يراودني، فها نحن بعد عقود من تدشينها، وتحديدا في عهد الرئيس عبد الفتاح السيسي، أعيد الاهتمام بالهيئة وتنشيطها من أجل دعم نهضة الصناعة العسكرية والتكنولوجية في مصر. وأعيدت هيكلة الهيئة وتحديث معداتها وتطوير إمكانياتها، بهدف تعزيز قدرتها التنافسية وتلبية احتياجات القوات المسلحة المصرية.
إلى جانب دورها الرئيسي في صناعة الأسلحة والمعدات العسكرية، تسعى الهيئة العربية للتصنيع أيضًا إلى تنمية المجتمع الصناعي وتعزيز القدرات الصناعية في المنطقة. وفي هذا السياق، أقرت الهيئة إنشاء مدارس فنية متخصصة، توفر التعليم المهني والمهارات الصناعية للشباب في مصر، حيث يتم تدريب الطلاب الصغار في مجالات مختلفة، وتزويدهم بالمعرفة والمهارات اللازمة للعمل في مجالات التصنيع والتكنولوجيا، مع توفير كل السبل لهم من نفقات وتغذية وانتقالات، حتى يتفرغوا للعلم والإبداع، إذ تثمن الهيئة أن طاقاتها البشرية هي أثمن مواردها.
وتتمتع الهيئة العربية للتصنيع بقيادة قوية، حيث يترأسها اللواء مختار عبد اللطيف، هذا الرجل الذي أراه بمثابة مايسترو مبدع يتمتع بكفاءة عالية وشخصية مهذبة وعقلية فذة. وأراه رمزًا للتفوق والإدارة الناجحة في صناعة الدفاع والتصنيع. لقد اختاره الرئيس السيسي لقيادة هذا الصرح الصناعي الكبير ما يعكس ثقة القيادة فيه، كما يعد إسهامه حاسمًا في تعزيز الهيئة وتطويرها.
وبالنظر إلى الظروف الراهنة، يجب على العرب أن يعيدوا النظر في المشاركة في الهيئة العربية للتصنيع، وخصوصًا دول مجلس التعاون الخليجي. فمن الضروري أن نعيد الاعتبار للتصنيع العسكري والمدني، وذلك لأن الهيئة تمتلك مجموعة من المصانع والمشاريع سواء في المجال المدني أو العسكري، وهي قادرة على توفير منتجات متنوعة تحقق الاكتفاء الذاتي للعرب وتقلل الاعتماد على وارداتنا من الخارج.
بكل أمانة يتعين علينا أن نعيد تنشيط الصناعة العربية ونستغل إمكاناتنا الكبيرة في مجال التصنيع والتكنولوجيا. يجب علينا الاستثمار في التدريب وتطوير الكوادر البشرية المهنية، وتعزيز التعاون العسكري والتقني بين دولنا العربية. فالتصنيع العربي ليس مجرد وسيلة لتحقيق الاكتفاء الذاتي وتوفير فرص العمل، بل هو أيضًا مؤشر على قوة الأمة واستقلاليتها.
وبكل صدق أرى أن الهيئة العربية للتصنيع هي مفخرة للعرب، وهي تمثل نموذجًا للنجاح في مجال الصناعة والتكنولوجيا في المنطقة. يجب أن نستغل إمكانياتها الكبيرة وندعمها لتحقيق تطلعاتنا في تعزيز التنمية الصناعية وتحقيق الاكتفاء الذاتي للدول العربية. علينا أن نبذل جهودًا مشتركة لتعزيز قدراتنا الصناعية وتحقيق التقدم والازدهار في مجتمعاتنا.
للمزيد: موقع خليجيون نيوز، للتواصل الاجتماعي تابعنا على خليجيون
تابعونا أيضاً في أخبار الأقتصاد والفن الرياضة وكل ما يخص دول الخليج ومصر والعالم.