7 أيام في تونس.. السينما والفنون
استكمالا لما بدأناه في المقال السابق المعنون "7 أيام في تونس والدبلوماسية الشعبية"، يطيب لي أن أحكي تجربتي مع السينما والفنون في تونس، خلال رحلتي الأخيرة، والتي تعرفت من خلالها - وعن قرب - إلى هذا الجانب المشرق دوما من القوة الناعمة لتونس بما تملكه من إمكانات بشرية ومادية في مجالات السينما والأوبرا والموسيقى وغير ذلك من فنون راقية تعكس تحضر هذا الشعب وعشقه للحياة.
البداية كانت بدعوة كريمة لحضور فيلم "المابين" من المخرجة ندى المازني والمنتج والصديق محمد سليم، وبالمناسبة هذه هي المرة الأولى التي أحضر فيها عرضا للسينما التونسية، رغم عشقي للسينما بشكل عام، ورغم علمي بقوة وتقدم السينما في تونس.. لكن كما يقول المثل "أن تأتي متأخرا خير من ألا تأتي".
و"الما بين" هو باختار فيلم راق وجريء، يتناول قضية ربما تكون شائكة بالنسبة لمجتمعنا العربي، لكن العمل عالجها بشكل راق ومناسب تماما للمشاهد العربي وبتوازن لا يخل بالرسالة التي يحملها ولا يجافي معايير المجتمع العربي المحافظ، وهو ما يعكس جرأة ومهارة صناع العمل ومدى حرفيتهم.
يستغرق الفيلم 96 دقيقة
في ما يزيد عن ساعة ونصف، يحكي الفيلم معاناة أشخاص مختلفين يعانون من اضطرابات في التطور الجنسي، مستعرضا تعاطي المجتمع مع هذه القضية بشكل يغلب عليه الرفض لأمر واقع، ويركز العمل شخصية خياطة شابة (شمس) تعاني من تشوه خلقي يضعها في منتصف الطريق بين الأنوثة والذكورة، لكن تنقلب حياتها رأسًا على عقب حين ينكشف سرها.
وخلال أحداث الفيلم يمكنك أن تستمتع بأداء أبطال العمل: أمينة بن إسماعيل، سناء بالشيخ العربي، محمد مراد، فاطمة بن سعيدان، فتحي العكاري، أيمن بن حميدة، وهيفاء بولكباش.
وهو الأمر الذي كما أسلفت، يعكس مهارة ندى المازني، التي أبدعت في الإخراج برؤيتها الدقيقة المحترفة، كما أنها شاركت في صياغة السيناريو، والذي قدمت من خلاله مشاهد مؤثرة على المستوى البصري وكذلك الحواري، لهذا - ورغم الفكرة غير المعتادة للعمل، إلا أنك ستشاهد على الشاشة شخصيات حقيقية من لحم ودم.
وبالعودة للفكرة، أقول بكل أريحية إن هذه المخرجة المتميزة اجتازت الحدود الشائكة بمهارة فائقة، فقدمت قصة جريئة ربما لا يقبل عليها أغلبية المخرجين، لكنها عالجتها بشكل جيد للغاية.
ولا يفوتني أن أشيد بمختلف أبعاد الفيلم ككل من سيناريو محكم وموسيقى تصويرية مؤثرة خدمت القصة بشكل فاعل، فضلا عن الديكورات التي نقلت الواقع بشكل احترافي ساهم في إثراء هذا العمل، وبالقدر ذاته كانت المشاهد الخارجية مفعمة بالحياة ومتقنة الصنع، واكتملت اللوحة العظيمة بالأداء الرائع المتقن لكل الأبطال المشاركين..
وإذا اختصاصنا أحدا بالذكر، فإن بطلة العمل تفوقت على نفسها وقدمت الشخصية بشكل إنساني مؤثر، يعكس معاناة هذه الإنسانة التي تجد نفسها في مفترق الطرق، ما يدفعك للتعاطف معها.
وقد برز تساؤل أثناء مشاهدتي لـ"المابين"، وهو: هل يمكن عرض هذا الفيلم في الدول العربية دون اعتراضات أو مشاكل مع الرقابة وغير ذلك؟ وشخصيا أعتقد أنه من الممكن جدا أن يعرض في كل الدول العربية، وذلك يعود لحرفية الإخراج والسيناريو الذكي الذي وازن ما بين تقديم تفاصيل القضية الشائكة وما بين عدم الخوض في مشاهد جريئة أكثر من اللازم، حتى القبلة الوحيدة في الفيلم والتي تجمع بين شخصيتين نسائيتين فأنت كمشاهد لن تثير فيك هذه القبلة الغريزة الجنسية، بل ستتعاطف وستدرك أنها انعكاس لحالة التشتت ومعاناة بطلة القصة الحائرة بين كونها ذكرا أم أنثى.. وهنا أعول على وعي وثقافة الرقيب الذي حتما سيتفهم مثل هذه الأمور وينظر إليه بمنظوره الفني المجرد.
وخلال هذه الزيارة وعلى هذا الجانب الفني والثقافي، كان لي لقاء مع الدكتور أشرف وهو موسيقي تونسي يعيش بين وطنه وبين إيطاليا، وأخذ على عاتقه محاولة تصدير الموسيقى العربية إلى أوروبا، تحديدا إيطاليا، وقد أمتعنا بعزفه الساحر وكذلك بعقليته وفكره الموسيقي المستنير.
كما جمعني لقاء بالنجم العربي الكبير صابر الرباعي، هذا المطرب الفنان صاحب الشعبية الجارفة التي بناها على مدار سنوات طوال قدم خلالها أعمال لا تشيخ. وخلال اللقاء أبدى إعجابا وتعاطفا مع فكرة "خليجيون في حب تونس" وما تحمله من معان نبيلة وعربية.
والأمر ذاته حدث من النجم اللامع ظافر العابدين الذي أرسل لنا رسالة رقيقة يبين من خلالها تأييده وتحمسه للفكرة، وكذلك مواطنته الجميلة هند صبري الفنانة صاحبة الحضور الطاغي والموهبة الكبيرة، وعدد آخر من الفنانين التونسيين، وهم الذين يمثلون القوة الناعمة المؤثرة لهذه البلد، جميعهم اجتمعوا تحت راية "خليجيون في حب تونس".
ونأتي إلى المحطة الأهم في هذه الرحلة الغنية بالأحداث واللقاءات، وهي مدينة الثقافة، تلك القلعة التونسية الثقافية الكبيرة، والتي أتمنى أن أرى مثيلا لها في كل دولة عربية، ففيها قطاع للسينما وآخر للأوبرا وثالث للمسرح وهي مقسمة إلى عدة أقسام ولكل إدارتها.. إنها بالفعل وبمعنى الكلمة مفخرة للعرب وللثقافة عامة.. وهو ما يدفعني لأن أحلم بيوم أرى فيه أعمالا مشتركة تجمع بين فناني تونس وأقرانهم في العالم العربي قريبا.
وللحديث بقية..
للمزيد: تابع خليجيون نيوز، للتواصل الاجتماعي تابعنا على خليجيون