«خليجيون» تستقرئ مستقبل الأزمة الليبية
لا تزال الأزمة الليبية ترفض مغادرة دائرة التعقيد، رغم المحاولات المتعددة للأطراف المؤثرة والمتأثرة بالمشهد للخروج من النفق المظلم، على وقع تمسُّك المؤسسات السيادية بشروطٍ أكثر تعقيدًا قبل الذهاب إلى صناديق الاقتراع لاختيار آخر سلطة مؤقتة تقود البلاد إلى الاستقرار السياسي.
آخر تلك المحاولات، جاءت في مبادرة أطلقها مبعوث الأمم المتحدة لدى ليبيا عبد الله باتيلي، تضمنت دعوة الأطراف الخمسة الرئاسية إلى طاولة حوار تناقش الخلافات حول القوانين الانتخابية المقترحة التي من شأنها أن تقود إلى الانتخابات.
ألغام في طريق «باتيلي»
باتيلي، الذي لوّح في عدة مرات باللجوء إلى حلول أخرى تتجاوز النقاشات التي خاضها مجلسا النواب والدولة خلال السنتين الأخيرتين، دعا خمسة أطراف رأى أنها رئيسة في المشهد وهي: رئيس المجلس الرئاسي محمد المنفي، ورئيس حكومة الوحدة الوطنية عبد الحميد الدبيبة، ورئيس مجلس النواب عقيلة صالح، ورئيس المجلس الأعلى للدولة الاستشاري محمد تكالة، وقائد قوات القيادة العامة المشير خليفة حفتر.
الرد الإيجابي نسبيًا، خرج من الدبيبة الذي وافق على المشاركة في الحوار، لكنه قدم 4 شروط، رأى أنها ضرورية لإنجاح المبادرة، تدور جميعها حول رفض فكرة تشكيل حكومة مصغرة تتولى الإشراف على الانتخابات، بديلة عن حكومته، وهي المعضلة الرئيسية التي تمثل عقبة أمام جهود الحل السياسي في ليبيا.
لكن أول مسمار في نعش تلك المبادرة، تمثل في تململ الأطراف السياسية والعسكرية في شرق ليبيا من توسيع دائرة المشاركين في «الطاولة الخماسية» عن غرب ليبيا، في مقابل تجاهل الحكومة التي كلفها مجلس النواب برئاسة أسامة حماد عندما سحب الثقة من حكومة الدبيبة في غرب البلاد.
حكومة حماد نفسها، صبّت جام غضبها على المبعوث الأممي بعد تجاهلها وصلت إلى حد المطالبة بتعيين مبعوث أممي بديل عن باتيلي، دافعة في هذا الإطار بأنها ترفض مشاركة المجلس الرئاسي وحكومة الدبيبة بحجة أنهما «كيانات منبثقة عن اتفاقات سابقة وانتهت مدتها وولايتها»، في إشارة إلى أنهما نتاج الملتقى السياسي الذي أجري في العام 2020.
وافقها الرأي رئيس مجلس النواب عقيلة صالح وقائد قوات القيادة العامة المشير خليفة حفتر، اللذين اشترطا مشاركة حكومة حماد في الطاولة، وتحويلها إلى سداسية بدلاً من الخماسية، فهل تستجيب البعثة الأممية لضغوط شرق ليبيا لتعديل موازين القوى في الحوار؟
ما العقبة الرئيسية أمام الحل السياسي؟
رئيس قسم العلوم السياسية جامعة درنة يوسف الفارسي يقول إن «مبادرة جاءت نتيجة الانسداد السياسي وصراع مجلسي النواب والدولة على القوانين الانتخابية»، لكنه يشير إلى أن الخلافات حول القوانين الانتخابية، خاصة ما يتعلق بترشح العسكريين ومزدوجي الجنسية، لا تقل عن مشكلة «عدم قناعة الأطراف الحالية بالانتخابات، لأنها مستفيدة من الوضع القائم للبقاء في السلطة لأطول فترة ممكنة».
يوسف الفارسي: المعضلة في عدم قناعة الأطراف الحالية بالانتخابات
وتحدث الفارسي في تصريحات خاصة لـ«خليجيون»، عن الظروف التي وُلدت خلالها مبادرة باتيلي، حيث جاءت بعد مشاورات ومداولات وخلافات، وتعطلت نتيجة الأحداث الدولية والإقليمية، ثم أبصرت أخيرًا على موقف سلبي تمثل في عدم قبول الأطراف بهذه التسوية، رغم دعم خمس دول غربية رئيسية لها.
يشير المحلل السياسي إلى أن باتيلي ربما يسلك طريقًا آخر للخروج من النفق المظلم، يتمثل في مسار يتجاوز من خلاله الأجسام الخمسة المدعوة للطاولة، إلى أطراف أخرى وهي الأحزاب ومؤسسات المجتمع المدني، لخلق ما سماه «حوار بديل»، رغم ذلك يتفاءل الفارسي بتوسع دائرة الاستجابة للحوار خاصة بعد تعديل عقيلة صالح موقفه من الرفض إلى القبول بشرط.
هل يتأبط باتيلي مبادرته ويغادر ليبيا؟
المحلل السياسي الليبي محمد الترهوني يقول في تصريحات خاصة لـ«خليجيون»، إن «مبادرة باتيلي مثلها مثل المبادرات السابقة»، باعتبارها لا ترتقي لدرجة الإقناع، وتسير على النهج نفسه الذي سلكه المبعوثون السابقون، وبالتالي فهو يتوقع فشل الطرح الجديد في إحداث اختراق للمشهد.
وتابع الترهوني: «باتيلي نسخة كربونية من المبعوثين السابقين، وسيكون المخاض الأخير لمبادرته هو تكوين حكومة جديدة، ولن تجد قبولاً، حتى مع وجود وجوه جديدة على الساحة»، دافعًا بأن البعثة الأممية نفسها «لا تزال هشة».
محمد الترهوني: البعثة الأممية «لا تزال هشة».. وباتيلي «نسخة كربونية من سابقيه»
يعتقد المحلل السياسي أن ليبيا لا تزال تعاني من نفس المعضلة ونفس الانقسام السياسي والعسكري المستمر منذ سنوات، وبالتالي فهي تحتاج إلى «مبعوث أممي يضع نصب أعينه قرار واحد.. أن يكون هناك قرار حاسم لاتخاذ إجراءات رئيسية للوصول إلى صناديق الاقتراع».
في هذه الأثناء، سيناقش مجلس الأمن الدولي في جلسة إحاطة بمنتصف الشهر الجاري حدود الدعم لمبادرة باتيلي، وهو ما يُشكِّل عاملاً حاسمًا، إمّا إعطائها دفعة للأمام أو ركلها للخلف، وبالتالي التفكير في مسار بديل يتجاوز البعثة الأممية.