حكايات «المتسولين الأثرياء» في الأردن
أمام مدخل مجمع تجاري في العاصمة عمان، تقف سيدة أربعينية بشكل شبه يومي لطلب المساعدة ممن يتسوقون هناك وتكرر عبارات على المارة من قبيل «ساعدوني بأي شي»، «بدي أكمل ثمن الدجاجة لأولادي» وعبارات أخرى تحاول من خلالها الحصول على أموال من المارة.
ملامح الانكسار على وجهها، وإقحام الأطفال في طلبها يدفع العديد من الناس لإخراج بعض العملات المعدنية وتقديمها لها. وتقول السيدة إن زوجها مريض ولا يقدر على الحركة أو العمل وإن عائلتها تسكن في محافظة بعيدة وهم فقراء لا يستطيعون مساعدتها، وفق تقرير لوكالة أنباء العالم العربي.
وأضافت «أنا أيضا لدي أوجاع في ظهري ولست قادرة على العمل، عندي ثلاثة أطفال أكبرهم فتاة بعمر 12 عاما». وتحصل السيدة على 60 دينارا شهريا (84 دولارا تقريبا) من وزارة التنمية الاجتماعية، لكنها تقول إن هذا المبلغ لا يكفي حتى لدفع إيجار منزلها الذي يصل إلى 110 دنانير.
متسولة في سيارة
وقال إبراهيم القيسي، مالك المجمع التجاري في منطقة بيادر وادي السير، لوكالة أنباء العالم العربي (AWP) إن السيدة تأتي بشكل شبه يومي وتطلب من المتسوقين أو المارة في الشارع ذات الطلب تقريبا، مضيفا «في منتصف اليوم تأتي مركبة يقودها رجل ومعه مجموعة من النساء لنقلها وتذهب إلى مكان آخر».
ويشير صاحب المجمع إلى أن هذه السيدة تتسول مع مجموعة من النساء في منطقة البيادر، ودائما ما يكون هناك رجل أو اثنان لحمايتهن في حال نشوب شجار بينهن وبين أي شخص آخر.
هذه واحدة من قصص التسول الكثيرة في الأردن، فالعديد من السيدات يجلسن على الأرصفة في الأسواق يحملن أطفالا نائمين، وأخريات يضعن أمامهن أوراقا تفيد بحاجتهن للعلاج أو الدواء. كما ينتشر العديد من الأطفال في التقاطعات المرورية، جميعهم يستجدون الأموال بمبررات مختلفة.
وعلى الرغم من تعديلات قانونية في وقت سابق من العام الحالي زادت بموجبها عقوبة التسول لتصل إلى الحبس لعام واحد، فإن المتسولين ما زالوا ينتشرون في شوارع الأردن.
مهنة التسول في الأردن
تضبط وزارة التنمية الاجتماعية والأجهزة الأمنية مئات المتسولين شهريا، وأبلغت الوزارة وكالة أنباء العالم العربي (AWP) بأنه تم ضبط أكثر من 670 متسولا الشهر الماضي فحسب، منهم كثيرون مقتدرون ماليا.
وأظهرت دراسة حديثة نشرتها وزارة التنمية الاجتماعية أن 76% من ممتهني التسول يمتلكون شققا سكنية وقطع أراض ومركبات وشركات تجارية، وأن 98% منهم أصحاء جسديا و91 في المئة قادرون على العمل.
وذكر المكتب الإعلامي للوزارة أن الدراسات الاجتماعية للأسر المضبوطة بالتسول أثبتت أنها ليست من الأسر الأشد فقرا، مما يعني تحول التسول إلى مهنة، يحترفها قرابة 12 ألف شخص، ثلثهم من الأطفال وغالبيتهم من النساء، وفقا للمكتب.
وقالت الوزارة إنها تقدم مساعدات شهرية لنحو عشرة آلاف أسرة في الأردن في صورة راتب شهري يتراوح بين 50 و200 دينار «يجري تحديده بناء على الدراسة الاجتماعية للأسر الفقيرة، إضافة إلى تقديم التأمين الصحي لتلك الأسر».
حملات توعية
ودعا أستاذ علم الاجتماع في الجامعة الأردنية حسين الخزاعي إلى إطلاق حملات توعية لعدم تشجيع التسول، قائلا إن المتسولين عندما لا يجدون تجاوبا معهم سيتوقفون. وأبلغ الخزاعي وكالة أنباء العالم العربي (AWP) «تحول هذه الظاهرة إلى عمل منظم يشكل خطرا على بنية المجتمع، خاصة عندما يكون رب الأسرة هو من يدير مجموعة تسول من زوجته وأطفاله». وأكد أن أبناء المتسولين في الغالب لا يتلقون تعليما، مما يحول التسول إلى مصدر الدخل الوحيد لهم.
وربط الخزاعي التسول بالوضع المعيشي والبطالة وارتفاع مستويات الفقر في الأردن، وقال إن الأعداد التي تدخل دائرة الفقر المدقع في ازدياد، وحث السلطات على مساعدة الفقراء عن طريق توفير فرص عمل أو إكسابهم مهارات وتعليمهم مهنا «بدلا من صرف مساعدات مالية لا توفر لهم كفاف عيشهم».
ووفقا لبيانات دائرة الإحصاءات العامة الأردنية، سجل معدل البطالة في الأردن 22.3% في الربع الثالث من عام 2023. وأفاد المركز الأردني لحقوق العمل (بيت العمال) بأن معدل البطالة بين الشباب في الفئة العمرية 15-24 عاما وصل إلى 47%، وهو من أعلى المعدلات على المستويين العربي والدولي.