حرفيون مغاربة ينقشون أحزانهم على المعادن
في وقت أدرجت فيه اليونسكو فن النقش اليدوي على المعادن، في المغرب العربي، ضمن قائمة التراث غير المادي، يعاني الحرفيون ويكابدون من أجل الاستمرار في عملهم.
وحسب تقرير لفرانس برس، يعتمد هذا الفن الحرفي على نحت زخارف بأشكال مختلفة بينها الهندسية والنباتية والفلكية، على معادن النحاس أو الفضة أو الذهب لصناعة أدوات منزلية أو ديكورات أو حلي.
ويعد التونسي عماد سولة، هو أحد الخبراء الثلاثة الذين قدموا ملف هذا الفن لليونسكو، وبعد إدراجه المنظمة الأممية على لائحتها، يقول «يلزمنا بالحفاظ على هذه المهارة الاستثنائية».
اقرأ أيضا:
وفي سن الخامسة عشر، تعلم التونسي محمد أمين حطويش هذه الحرفة، في ورشة عائلية بالمدينة القديمة لتونس العاصمة، وبات اليوم وهو في ابن الـ37 عاما خبيرا فيها.
وويقول التقرير إنه من أجل التكيف مع المتطلبات الجديدة، تعلم النقش باستعمال آلات، ويقول «أخاف على (هذه الحرفة) أن تنقرض. أخشى أن نصل إلى يوم لا نعود نجد فيه أي نقّاش».
ويخصص شهاب الدين بن جاب الله (68 عاما) داخل ورشته بدندن غرب العاصمة، وقتاً لتلقين فنه للنساء اللواتي يرغبن في صناعة حلي أو أسرة الأطفال مزينة بزخارف من نحاس.
وقد درّب مئات الحرفيين خلال 50 عاما، ويترأس اليوم الغرفة الوطنية للحرف التقليدية.
غير أنه يرى أن مدة التدريب التي يتلقاها الحرفيون اليوم غير كافية حيث تقلص أحيانا إلى ثلاثة أشهر فقط.
ويقول: «يلزم عامان على الأقل لاكتساب كل تقنيات النقش»، لكنه ياسف لأن مهنته الغنية جداً لا تحظى بالتقدير.
تاريخ النقش على المعادن في تونس
ويعود تاريخ النقش على المعادن في تونس إلى القرطاجيين، قبل أن يغتني بتأثيرات الحضارة الإسلامية والثرات الأمازيغي وتقاليد حضارات المتوسط، فضلا عن تأثيرات مشرقية، وفق فرانس برس.
وتحظى الصناعة التقليدية عموما في المغرب باهتمام السلطات وتشكل جزءاً من العرض السياحي للبلاد، يعمل معظم الحرفيين في هذا المجال اليوم في ورش حديثة مثل تلك التي افتُتحت قبل عشرة أعوام في فاس.
وتعلم إدريس الساخي (64 عاما) النقش على النحاس منذ صباه وراء أسوار المدينة العتيقة، قبل أن يصير بإمكان الشباب تعلمها في مراكز التدريب المهني التي تقدم دروسا نظرية، وأخرى عملية يشرف عليها حرفيون.
وأمضى الساخي 50 عاما في هذه الحرفة، ويقول «شباب اليوم محظوظون.. لا خوف على الخلف، لكنني ألح على شيء واحد، يجب أن يحبوا الحرفة إذا أرادوا النجاح».
ويقول التقرير إن النقوش المستعملة في المغرب تستعيد في الغالب أشكالا موروثة منذ قرون، وهي مشتركة مع حرف النقش على الزليج والخشب والجبص، كما يوضح أحمد الكداري (57 عاما) الذي بدأ شغفه بهذه الصنعة منذ سنوات الشباب، لكنّ الحرفيين المخضرمين الذين يحملون صفة معلم بإمكانهم إبداع نقوش جديدة من وحي اللحظة أو نزولا عند طلب الزبون، كما يضيف الساخي. وبعضها يحمل توقيع المعلم الذي أنتجها علامة على طرازها الرفيع.
على الرغم من التدريب المتاح للشباب الراغبين في تعلم هذه الحرفة، يرى الصانع محمد المومني أن «المشكلة تكمن في ندرة الأشخاص الذين يعرفون كيفية العمل»، مع أنّ هناك طلباً كبيرا على المصنوعات النحاسية.
ليبيا.. غياب التشجيع
ويقول الليبي الستيني يوسف شوشين إن «تطور هذه الحرفة محدود للغاية، الطلب فقط هو الذي يشجع الحرفيين»، وليس السلطا.، مؤكدا أن «أغلبية الحرفيين تركوا المهنة» التي لم تعد مربحة.
ويشعر الرجل بالحزن على وضع هذا التقليد قائلا «لماذا أعلم أطفالي الحرفة.. من دون أن يستطيعوا العمل»، رغم أنه حاول تعليم اثنين أو ثلاثة متدربين شباب.
الجزائر وغياب المبادرات الرسمية
أما الجزائر، فما يزال الطلب مرتفعا على الأدوات المعدنية المنقوشة، رغم غياب المبادرات الرسمية بهذا الشأن. تشكل الحلي الذهبية أو الفضية المنحوتة جزءاً من زينة العرائس.
ولكلّ منطقة تخصصها الذي تشتهر به، فتلمسان معروفة بالحلي الذهبية، أما القبائل والأوراس فتعرف بصناعة الخواتم والأساور الفضية المزينة أحيانا بالمرجان.
وقد وقع صانع المجوهرات العصرية وليد سلامي (37 عاما) في حبّ تلك النقوش التراثية و«تعلم بمفرده لعامين على الأنترنت»، بعدما لم يجد من يدرّبه. ويقول «إنها مهنة رائعة، لا نحتاج جذب الزبائن ليشتروا، يكفي أن يروا الحلي».