«خليجيون» خاص| ما دلالات بدلة «حميدتي» المدنية؟
قلب قائد قوات الدعم السريع محمد حمدان دقلو الشهير بـ«حميدتي» الطاولة السياسية رأسًا على عقب، وأربك الحسابات بجولة خارجية إفريقية ولقاءات مع تيارات مدنية، انتهت بتوقيع مؤخرًا إعلانًا مع المدنيين، في محاولة للبحث عن شرعية دولية سعيًا لحسم معركته مع الجيش.
في أواخر العام الماضي، قام قائد الجيش عبد الفتاح البرهان بجولات خارجية تزامنت مع جهود دبلوماسية لإنهاء الحرب التي اندلعت منتصف أبريل، وألقى كلمة أمام الجمعية العامة للأمم المتحدة. في المقابل بقي خصمه دقلو المعروف بـ«حميدتي»، بعيدًا عن الأنظار، واكتفى بمواقف من خلال التسجيلات الصوتية.
«حميدتي» يخلع بذلته العسكرية؟
لكن يبدو أن خصمه اللدود استعار الأفكار نفسها، ففي الأيام الأخيرة، ومع تحقيق قواته تقدمًا ميدانيًا، استبدل دقلو زيّه العسكري بالملابس المدنية، وقام بجولة خارجية تخللها لقاء مسؤولين كبار في أوغندا وجيبوتي وكينيا وإثيوبيا وجنوب إفريقيا.
الخرطوم، حيث يحاول البرهان التماسك أمام زحف قوات «حميدتي»، استدعت سفيرها لدى كينيا احتجاجًا على الاستقبال الرسمي لقائد قوات الدعم السريع، في موقف يظهر أن الجولة الأفريقية لـ«حميدتي» تربك خصمه قائد الجيش، وتضيف ضغوطًا إلى ضغوط الانتكاسات العسكرية.
لماذا شعر البرهان بالإزعاج؟
ما يزعج البرهان أن الدول المعنية استقبلت خصمه كشخصية سياسية وازنة يجرى النقاش معه حول مستقبل السودان وسبل التوصل إلى وقف إطلاق النار، وهي الدلالة التي تضع الطرفين على كفتي ميزان سياسي واحد، وبالتالي فإن حديث البرهان عن فقدان الشرعية لدى «حميدتي» باعتبار قواته متمردة بات لا يرقى لمستوى الواقع الذي فرضه الأخير بنفسه.
جهود البرهان في التسويق لنفسه على أنه الممثل الوحيد للدولة السودانية في الخارج، أصبحت الآن محل نظر، بينما يشق قائد الدعم السريع طريقًا إلى نفوذ إقليمي يمكن أن يصل إلى محطات عالمية خارج الإطار الأفريقي.
الناشط السياسي هشام عباس يقلل من أهمية الجولة الخارجية لقائد الدعم السريع، باعتبارها توقفت في محطات أفريقية ربما لا تكون مؤثرة في سياق الحرب، أو مغيّرة للمواقف والتوازنات.
ويقول عباس لـ«خليجيون» إن المواقف الأهم تلك التي تعكس الدول المؤثرة والمتأثرة بالمشهد السوداني، سواء إقليميًا أو دوليًا، وبالتالي هي التي تحدد معيار إكساب الشرعية من عدمه، وهي منْ تعطي القوة لطرف على حساب آخر.
حميدتي «في حالة صعود»
لكن خبراء آخرون يعتقدون أن دقلو «في حالة صعود»، مستشهدين بمراسم الاستقبال تخصص لرئيس دولة عادة، وهو ما يخدم أهدافه بعيدة المدى عن الميدان، لتحقيق مكاسب سياسية في حربه ضد الجيش.
ومنذ اندلاع القتال في 15 أبريل بين الحليفين السابقين البرهان ودقولو، أودت الحرب في السودان بأكثر من 12190 شخصا، وفق تقديرات منظمة «مشروع بيانات مواقع الصراعات المسلحة وأحداثها» (أكليد)، وهي حصيلة يُعتقَد أنها تبقى دون الفعلية. كما تسببت بنزوح أكثر من سبعة ملايين شخص داخل وخارج البلاد بحسب الأمم المتحدة.
الناشط السوداني خالد عمر يشير على أن أحدث المكاسب السياسية التي ضمها «حميدتي» إلى أجندته، عندما وقع إعلان أديس أبابا الثلاثاء في العاصمة الإثيوبية مع عبد الله حمدوك الذي سبق له تولي رئاسة الوزراء في السودان قبل أن يطيحه انقلاب عسكري قاده البرهان ودقلو في العام 2021.
جانب من كلمتي خلال توقيع إعلان أديس أبابا مع تنسيقية القوى الديمقراطية المدنية (تقدم) pic.twitter.com/E0pIGtM1uf
— Mohamed Hamdan Daglo (@GeneralDagllo) January 2، 2024
دلالات دخول حمدوك على خط الأزمة؟
وكانت الهيئة التنسيقية للقوى الديموقراطية المدنية برئاسة حمدوك دعت مؤخرًا لعقد لقاءات عاجلة (مع الجيش وقوات الدعم السريع) تبحث قضايا حماية المدنيين وتوصيل المساعدات الإنسانية وسبل وقف الحرب عبر المسار السلمي التفاوضي.
ونتيجة لاستجابة الدعم السريع فقط لهذه الدعوة، وقّع دقلو وحمدوك «إعلان أديس أبابا» الذي تبدي من خلاله قوات الدعم «استعدادها التام لوقف عدائيات فوري وغير مشروط عبر تفاوض مباشر مع القوات المسلحة». كما تتعهد «فتح ممرات آمنة لوصول المساعدات الإنسانية»، و«تهيئة الأجواء لعودة المواطنين لمنازلهم في المناطق التي تأثرت بالحرب».
ويرى خالد عمر في تصريح لـ«خليجيون»، أن الإعلان خطوة غير متوقعة وتكتسب أهمية لا يمكن لحميدتي توقع أكثر منها، وتساعده على كسب الشرعي، مشيرًا إلى أن الدول الأفريقية التي زارها قائد الدعم السريع ذات ثقل استراتيجي بالنسبة للسودان.
وقبل نشوب النزاع بينهما، كان «حميدتي» نائبا للبرهان، وقاما بتنظيم انقلاب أكتوبر 2021 الذي أطاح الحكومة المدنية برئاسة حمدوك. وأعيد الأخير إلى منصبه لفترة وجيزة، قبل أن يستقيل في مطلع 2022 ويغادر السودان. ولم يلتق القائدان العسكريان منذ اندلاع الحرب على رغم محاولات الوسطاء.
ويعتقد الناشط السياسي أن جولات «حميدتي» الخارجية أشعرت البرهان بالاستياء، خصوصًا مع محاولات الأخير الذي يرأس مجلس السيادة تقديم نفسه كزعيم سياسي وطني.
مشهد آخر من الصورة بدأ يطفو على السطح، وهو وجود صلة بين قوى الحرية والتغيير وحميدتي، بسبب مشهد الاجتماع بين حمدوك ودقلو بغياب البرهان
وفي كلمة ألقاها الأسبوع الماضي لمناسبة استقلال السودان، انتقد البرهان زيارات دقلو ومضيفيه. وخاطب الدول "التي تستقبل هؤلاء القتلة بأن كفوا أيديكم عن التدخل في شأننا (.. ) وأن استقبال أي جهة معادية للدولة لا تعترف بالحكومة القائمة يعتبر عداء للدولة".
مشهد آخر من الصورة بدأ يطفو على السطح، وهو وجود صلة بين قوى الحرية والتغيير وحميدتي، بسبب مشهد الاجتماع بين حمدوك ودقلو بغياب البرهان، بحسب الناشط هشام عباس.
وفي مقاطع فيديو نشرت على منصات التواصل لاجتماع أديس أبابا، شوهد حمدوك وغيره من السياسيين وهم يصطفون لمصافحة دقلو، وهو المشهد الذي ظهر فيه حميدتي وكأنه المسؤول.
وكانت الهيئة التنسيقية للقوى الديموقراطية المدنية نشأت من كتلة المعارضة الرئيسية، أي ائتلاف قوى الحرية والتغيير الذي أدى دورا رئيسيا في الإطاحة بالرئيس عمر البشير. وهذا التحالف المشكل حديثا لا يزال ائتلافًا ضعيفًا مكونًا من ائتلافات ضعيفة، وقد لا يمتلك القدرة على تغيير الأوضاع.
إنْ لم يحقق حميدتي مكاسب، فالرهان الذي يأمله هو تكبد خصمه خسارة، وبالتالي فإن عدم لقاء البرهان بحمدوك سيجعل الجيش يبدو معارضًا للسلام ويصوَّر حميدتي على أنه الطرف الأكثر عقلانية ومسؤولية.
هل بات الجيش السوداني معزولاً سياسيًا؟
المراقبون يعتبرون أن الجيش السوداني بات الآن معزولاً سياسيًا، وهو الموقف الذي يزداد تعقيدًا مع الخسائر الميدانية على الأرض. لكن الدكتورة أسماء الحسيني، الخبيرة في الشؤون الأفريقية، تعتقد أن جولات «حميدتي» ربما تعزز التوصل إلى اتفاق لوقف الحرب، لكن فرصة التوصل لحل دائم تحتاج إلى ضغوط دولية وإقليمية على الطرفين، لبدء مفاوضات سلام جادة.
وقالت الحسيني في تصريحات لـ«خليجيون» إن الأمور «شديدة التعقيد والتشابك»، باعتبار أن اللقاء «لن يكون حاسمًا في حل الأزمة في ظل سيطرة كل طرف على معسكره بالكامل»، في ظل غموض بشأن مدى توافر الإرادة وجدية الأطراف المتداخلة في توجيه مسار الحرب نحو التهدئة والدخول في مفاوضات سلام.
اقرأ أيضًا
«السيادة السوداني» يلوم الموقعين على إعلان أديس أبابا
السودان: مبادرة سلام تحت القصف
«خليجيون» خاص| رسالة «حميدتي».. هل اقتربت نهاية الحرب السودانية؟