«خليجيون»| هل تستغل الصين حرب غزة في مزاحمة أميركا بالمنطقة؟
وسعت الصين مؤخرا دائرة تحركاتها في منظقة الشرق الأوسط، تزامنا مع العدوان الإسرائيلي على غزة، فضلا عن القلق الدائر في البحر الأحمر جراء الضربات الحوثية للسفن المتجهة إلى إسرائيل، لكن آراء المحللين تباينت بشأن سعي بكين إلى مناطحة الدور الأميركي في المنطقة.
وبعد يومين من إعلان الصين الشروع في إجراء اتصالات ومباحثات دولية لتهدئة الأوضاع في البحر الأحمر، عُقدت في القاهرة، اليوم الأحد، مُباحثات بين كل من وزير الخارجية سامح شكري، ونظيره الصيني وانغ يي. وفي بيان لوزارة الخارجية المصرية، توصل الطرفان إلى جملة توافقات، على رأسها ضرورة الوقف الفوري لإطلاق النار في غزة، وبحثا سبل دعم السلطة الفلسطينية، فضلا عن متابعتهما لتطورات الأوضاع في البحر الأحمر، والتنسيق لإيجاد حل دائم وشامل وعادل للقضية الفلسطينية.
وكان من اللافت دعوة وزير خارجية الصين وانغ يي إلى عقد مؤتمر سلام دولي «أوسع نطاقا وأكثر موثوقية وفعالية ووضع جدول زمني ملموس لتنفيذ حل الدولتين».
محاولة لمزاحمة الدور الأميركي
ويستبعد مندوب مصر بالأمم المتحدة سابقا، السفير معتز أحمد خليل، «تأثير للتدخل الصيني في أحداث غزة أو البحر الأحمر»، مبررا ذلك بأن «الاحتلال الإسرائيلي يصر على تنفيذ حرب على القطاع دون التراجع أو تلبية نداءات المجتمع الدولي». ويقول معتز في تصريح إلى «خليجيون»:«إن التدخل الصيني لن يحدث تغييرا كبيرا نظرا لغياب ما يدفع إسرائيل بالاصتنات إلى الصين في وقت تتجاهل فيه النداءات الأميركية والأوروبية».
ويرى الدبلوماسي المصري أن «التدخل الصيني الغير معهود في ملف القضية الفلسطينية وأزمات المنطقة العربية هي محاولة لمزاحمة النفوذ الأميركي في المنطقة، عبر لقاءات واتفاقيات مع بلدان لها تأثير».
رسائل الصين بعد عدوان غزة
في الشهر الثاني للعدوان الإسرائيلي على غزة، وبعد الفوز بمنصب رئيس مجلس الأمن الدولي، وجه سفير الصين لدى الأمم المتحدة، تشانغ جون، و الذي تولى منصب رئيس المجلس رسالة خاصة بالعدوان الإسرائيلي على غزة قائلا: «تدعو الصين القوة الكبرى إلى تنحية مصالحها الخاصة واعتباراتها الجيوسياسية جانبا وبذل كل الجهود لإنهاء الحرب واستعادة السلام»، في كلمة اعتبرها محللون بأنها رسالة إلى أميركا.
وبعد أسبوعين من تلك الرسالة، نشب خلاف بين السفير الصيني ومندوب الإحتلال الإسرائيلي جلعاد إردان، في احدى جلسات مجلس الأمن بعدما قاطعه الأول جراء تصريحات اللاذعة. الواقعة بدأت حينما هاجم إردان المديرة التنفيذية لمنظمة الأمم المتحدة للطفولة «يونيسيف» كاثرين راسل وممثلة الأمين العام للأمم المتحدة لشؤون المرأة، سيما سامي باخوس، قائلا: «إن اليونيسف لا تهتم حقا بأطفال غزة، وهيئة الأمم المتحدة للمرأة لا تهتم حقا بالنساء في غزة، وإلا لما كنتم صامتين طوال الأعوام الستة عشر الماضية عندما حكمت حماس غزة بقبضة محكمة. أيها المديرة التنفيذية راسل، أين كانت مؤسستك طوال هذه الفترة؟». ما دفع ممثل الصين الدائم لدى الأمم المتحدة، الذي ترأس الجلسة ممثل إسرائيل، بمقاطعته قائلا: «أود أن أذكر، أنه يمكنك التعبير عن وجهات نظر مختلفة في بيانك، ولكن أظهر الاحترام للمتحدثين المدعوين إلى هذا الاجتماع. هذه قاعدة يجب على الجميع احترامها». وطلب من إردان مواصلة الحديث.
الصين ستصبح لاعب هام
وفي المقابل يتوقع السفير ناجي الغطريفي مساعد وزير الخارجية المصر الأسبق، أن «تمارس الصين دورا رئيسيا في منطقة الشرق الأوسط باعتبارها قوة اقتصادية كبرى تصارع الولايات المتحدة على تصدر قائمة القوى الاقتصادية العالمية»، حسب تعبيره.
ويشير الغطريفي في تصريح إلى «خليجيون»: إلى «أن الصين تطمع في بسط توصيات ونفوذ دبلوماسي مسموع بين العرب، مستغلة توتر العلاقات بين بلدان عربية والولايات المتحدة مؤخرا»، منوها إلى أن «الصراع الفلسطيني الإسرائيلي سيعد الباب الرئيسي لتعزيز الوجود الصيني من خلال إيجاد حل تلك الأزمة».
وأشار إلى أن «الصين، تشيد ملاعب للوساطة في منطقة الشرق الأوسط، بداية من دورها في مباحثات السلام في دارفور عام 2006، فضلا عن تحركاتها في الوصل إلى اتفاقيات السلام في جنوب السودان عام 2015، فضلا عن المساهمة في إعادة العلاقات الدبلوماسية إلى طبيعتها بين الرياض وطهران في 2023».
وفي مارس 2023، توصلت إيران والسعودية بعد مباحثات بينهما في بكين إلى «اتفاق بشأن استئناف العلاقات الدبلوماسية بين الرياض وطهران وإعادة فتح سفارتيهما وممثلياتهما خلال مدة أقصاها شهران».
و منذ بدء العدوان الإسرائيلي على غزة في أكتوبر من العام الماضي، تجنبت الصين إدانة حركة المقاومة الفلسطينية (حماس) عل غرار أميركا وعدد من الدول الأوربية، لكنها في الوقت نفسه عارضت الأعمال التي تلحق الضرر بالمدنيين وتسعى إلى وقف التصعيد وحل الدولتين. وفي 30 نوفمبر من العام الماضي، دعت الصين مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة إلى «وضع جدول زمني وخارطة طريق واقعيين لحل الدولتين من أجل تحقيق تسوية (شاملة وعادلة ودائمة) للقضية الفلسطينية».
تدخل بعد تجنب
وقبل 2012 كانت الصين تتجنب الانخراط القوي للدفاع عن قضية الفلسطينة، حتى صوتت في نفس العام إلى جانب أغلبية الدول في الأمم المتحدة، ضد إسرائيل، لمنح فلسطين في سنة وضعية دولة مراقب غير عضو. وفي 2014 شجبت الصين ما أمسته بـ«العنف الإسرائيلي» على غزة، لكنها لم تتّخذ أي إجراء لوقفه، لكن تطورت السياسية الصينية تجاه فلسطين، باستقبال رئيس الأخيرة محمو عباس (أبومازن ) في بكين عام 2017 إذ أعلنت القيادة الصينية الاتفاق مع فلسطين بشكل مبدأي للمشاركة في «مبادرة الحزام والطريق».