لماذا ينتقد نتنياهو وحلفاؤه قطر؟
يبدو أن حكومة الحرب الإسرائيلية قررت إلقاء حجر في مجرى ضيق لا يزال مفتوحًا على إمكانية تحقيق تقدم في المفاوضات الدبولوماسية بشأن وقف إطلاق النار في غزة، عندما وزّعت اتهامات على قطر التي تقوم بدور وساطة مع حركات المقاومة الفلسطينية، فلماذا يريد نتنياهو من الصدام الحالي مع الدوحة؟
تقير لوكالة «فرانس برس» ركز على هذا التلاسن بين تل أبيب والدوحة، في محاولة للتفتيش عن أسبابه وتداعياته، على خلفية تركيز الحكومة الإسرائيلية منذ بضعة أيام هجماتها الكلامية على قطر، فيما حملها وزير المالية سموتريش «مسؤولية هجمات 7 أكتوبر الماضي». يأتي ذلك في وقت تتوسط الدوحة بين الجانبين لتسهيل عملية تبادل الأسرى من جهة وتحقيق وقف كامل لإطلاق النار من جهة أخرى.
الوزير المتطرف يعطي شرارة الصدام
أبعد نقطة للصدام استجمعها وزير المالية الإسرائيلي بيزاليل سموتريش المتطرف على حسابه في موقع «إكس» (تويتر سابقا)، حين قال: «دولة قطر هي عرابة حماس وتتحمل مسؤولية المجازر التي ارتكبتها حماس ضد مواطنين إسرائيليين»، على حسب زعمه.
ما دونه الوظير المتطرف يعطي شرارة انطلاق جدل جديد بين رئيس الاحتلال الإسرائيلي بنيامين نتانياهو ودولة قطر. وذلك بعدما وصف المتحدث باسم وزارة الخارجية القطرية انتقادات نتانياهو لبلاده «بغير المسؤولة».
وكانت القناة الإسرائيلية الـ12 قد بثت تسجيلا صوتيا خلال اجتماع مغلق بين نتانياهو وعائلات الرهائن الإسرائيليين وصف خلاله الدور القطري بأنه «إشكالية». وقال نتانياهو: «ليس لدي أي وهم إزاءهم. لديهم إمكانيات للضغط على حماس. ولماذا؟ لأنهم يمولونهم».
الغريب أن نتانياهو لم يسبق أن شكر قطر بشكل علني على الدور الذي لعبته في تحرير 105 رهينة إسرائيلية في شهر نوفمبر الماضي، لكنه في المقابل انتقد أيضًا قرار واشنطن القاضي بتجديد الاتفاق العسكري بينها وبين الدوحة التي تحتضن قاعدة عسكرية أميركية كبيرة. وقال نتانياهو: «قلت لهم (يقصد الأميركيين) لكي تتأكدوا بأن قطر ستضغط على حماس، كان عليكم قبل كل شيء أن ترفضوا تجديد الاتفاق العسكري مع الدوحة للضغط عليها».
التأثير السياسي والدور الدبلوماسي لقطر
ويعيش في قطر القيادة السياسية لحركة حماس، وعلى رأسها زعيمها إسماعيل هنية الذي يتواجد في الدوحة منذ 2012. كما تحتضن أيضا القاعدة العسكرية الأميركية منذ 2002 في منطقة العديد، وهي منطقة صحراوية تقع جنوب غرب العاصمة الدوحة. ما جعل قطر من الناحية السكانية والجغرافيا تلعب دورا دبلوماسيا بارزا على مستوى المنطقة وتتحول إلى وسيط أساسي بين إسرائيل وحماس.
وبشأن تصريحات بنيامين نتانياهو، قال الناطق الرسمي باسم الخارجية القطرية ماجد الأنصاري: «إذا كانت حقيقية، فهي غير مسؤولة وتضر بالجهود الهادفة إلى انقاذ الأرواح البريئة، لكنها في نفس الوقت لم تفاجئنا في الحقيقة». وأضاف: «تصريحات نتانياهو تقوض المفاوضات وتخدم فقط مصالحه السياسية، عوض أن تمنح الأولوية لإنقاذ حياة الأبرياء، بما في ذلك الرهائن الإسرائيليين».
ويأتي هذا الجدل في وقت ارتفعت فيه حدة القصف الإسرائيلي على خان يونس وبينما تسعى كل من مصر وقطر والولايات المتحدة إلى فتح باب الحوار والوساطة ما بين إسرائيل وحماس.
مسار القاهرة - واشنطن
ووفق معلومات نشرتها جريدة «واشنطن بوست» الأميركية، فالرئيس جو بايدن طلب من مدير الاستخبارات الأميركية (سي آي إيه) وليام بيرنز التوجه في الأيام المقبلة إلى الشرق الأوسط للقاء مدير الاستخبارات الإسرائيلي دافيد بارينا والمصري عباس كامل إضافة إلى رئيس الوزراء القطري محمد بن عبد الرحمن آل ثاني.
الهدف من هذه الزيارة «إيجاد اتفاق كامل لتحرير جميع الرهائن المتواجدين في قطاع غزة وفرض وقف إطلاق نار طويل المدي بين حماس وإسرائيل».
محلل: يبدو أن نتانياهو يمارس سياسة الهروب إلى الأمام كونها تسمح له بربح الوقت خاصة أنه متابع قضائيا وسيتعرض إلى المحاسبة في وقت ما بسبب هجمات 7 أكتوبر
ونقلت وكالة «فرانس برس» عن المحلل السياسي والمتخصص في الشؤون الخليجية كريم سادر قوله: «نشهد تصادم في التوقيتات. بين رجل مثل نتانياهو الذي يظهر على أنه يريد الاستمرار في الحرب مهما كان الثمن وحركة حماس التي تقول بأنها مستعدة لتقبل وقف لإطلاق النار والقطريين الذين يسعون إلى التوصل إلى اتفاق سيكلل جهودهم الدبلوماسية». وتابع: «أما رئيس الحكومة الإسرائيلية، فيمكن أن يشعر بخيبة أمل إزاء نتائج الحرب في غزة. كما أنه تعب من رؤية قطر وهي تلعب دورا مزدوجا، بمعنى أنها تستقبل من جهة مسؤولي حماس على أراضيها ومن جهة أخرى تحتضن قاعدة أمريكية كبيرة».
وأردف: «يبدو أن نتانياهو يمارس سياسة الهروب إلى الأمام كونها تسمح له بربح الوقت خاصة أنه متابع قضائيا وسيتعرض إلى المحاسبة في وقت ما بسبب هجمات 7 أكتوبر وعن الخلل الأمني الذي وقع في إسرائيل فضلا عن مسألة الرهائن»، «لكن في المنظور القطري، تطرف نتانياهو وحلفائه مثل وزير المالية يقوض المفاوضات ويمكن أن يتسبب في فقدان دور قطر في أحد الملفات المهمة والمتمثلة في تحرير الرهائن مع العلم أن هذه الدولة الخليجية تسعى دائما لأن تظهر للعالم على أنها اللاعب الأساسي في هذه المفاوضات وأنها تتمتع بدبلوماسية قوية».
منْ سرَّب التسجيل؟
في البداية، بعض المصادر في الحكومة الإسرائيلية قالت إن عائلات الرهائن هي التي سربت التسجيل التي يتضمن انتقادات نتانياهو لقطر. لكن سرعان ما نشرت هذه العائلات بيانا نفت فيه الخبر، محملة مسؤولية التسريب لفريق نتانياهو. وقال البيان: "كل المحادثات التي وقعت بيننا (نقصد عائلات الرهائن) والوزير الأول تم تسجيلها من قبل مستشاريه والذين كانوا حاضرين في الاجتماع. أما هواتف العائلات التي شاركت في الاجتماع، فلقد تم حجزها في المدخل". وأضاف نفس البيان: "تسريب المعلومات هي مسؤولية مكتب بنيامين نتانياهو".
وتابع من جهته كريم سادر: «الحديث عن ازدواجية الدور القطري ما هي في الحقيقة إلا مناورة سياسية من قبل نتانياهو الذي يحاول أن يقوض جهود الوساطة التي تقوم بها هذه الدولة رفقة الولايات المتحدة ومصر. إلى تاريخ قريب، لم يكن اللعب المزدوج الذي كانت تقوم به الدوحة يزعج أحدا، لا سيما أن قطر كانت وسيطا جيدا بالنسبة له (لنتانياهو) وللغرب بشكل عام مع حماس. قطر كانت أيضا تدفع رواتب الموظفين الفلسطينيين في غزة بعد أن تلقت الضوء الأخضر من تل أبيب».
وعلى سبيل المثال، منذ 2018 وباتفاق مع إسرائيل، أرسلت الدوحة مئات الملايين من الدولارات على شكل مساعدات إلى قطاع غزة الذي تديره حماس والذي يتعرض إلى حصار إسرائيلي منذ 2007. في 2021، بلغت قيمة المساعدات القطرية لغزة 331 مليون دولار.
هل تفشل المفاوضات؟
المحلل كمال سادر يقول لوكالة «فرانس برس»: «في الكواليس، الدولتان كانتا دائما في اتصال منتظم خلال السنوات الأخيرة»، خاصة على مستوى الاستخبارات وبالرغم من أن العلاقات الدبلوماسية بينها كانت تتسم بنوع من البرودة منذ 2009. لكن منذ هجمات 7 أكتوبر الماضي، لم تكف الصحافة الإسرائيلية عن نشر أخبار مفادها أن مسؤولين أمنيين إسرائيليين كبار يزرون الدوحة بشكل منتظم من أجل حلحلة ملف الرهائن.
وحتى قبل التوقيع على اتفاقات أبراهام في 2020 والتي طبعت بموجبها بعض الدول العربية (المغرب، الإمارات العربية المتحدة، السودان والبحرين) علاقاتها مع تل أبيب، كانت الدوحة تحتضن على أراضيها مكتبا تمثيليا إسرائيليا يهتم بالقضايا التجارية بين البلدين. وجرى افتتاح هذا المكتب في 1996 قبل أن يتم إقفاله في 2009 تنديدا بالهجوم الإسرائيلي على غزة.
لكن بإثارة الجدل مع قطر، يريد نتانياهو أن يمهد الطريق لفكرة مفادها أنه في حال فشلت المفاوضات من أجل تحرير الرهائن، فهذا سيكون بسبب الدوحة فقط وليس بسببه، وأن الهدف من هذه الإستراتيجية هو البقاء في السلطة أكبر مدة ممكنة، بحسب الوكالة.