الاحتلال يحشد الفلسطينيين في طوابير التهجير بـ«المنطقة العازلة»
تدمير ممنهج للمباني في قطاع غزة يفضي إلى إقامة منطقة عازلة داخل القطاع الفلسطيني، هذا مايريده جيش الاحتلال الإسرائيلي من تكثيف الغارات والقصف على المنشآت، لكن خبراء يرونه «وهما من خيال».
ولاتخفي دولة الاحتلال مخططها للاستيلاء على جزء كبير من الأراضي في قطاع غزة الصغير بالفعل، وهو أمر حذر منه الخبراء وحلفاء إسرائيل الأجانب لوكالة فرانس برس، ما يثير مخاوف بشأن التكلفة المدنية.
تسوية كيلو متر بالأرض
عدي بن نون، الأستاذ في الجامعة العبرية في القدس الذي يجري تحليلا مستمرا لما تلتقطه الاقمار الصناعية، قال إنه منذ أن شنت المقاومة الفلسطينية عملية طوفان الأقصى في 7 أكتوبر، استهدفت قوات الاحتلال المباني الواقعة على بعد كيلومتر واحد من الحدود في غزة. وأضاف أن أكثر من 30% من مجمل المباني في المنطقة تضررت أو دمرت خلال الحرب.
بداية مخطط قديم
ويحذر السفير الفلسطيني بالقاهرة دياب اللوح مما وصفه بـ«خطورة الخطة الاسرائيلية التي تهدف إلى حشر مئات الآف من المهجرين الفلسطينيين في شريط ضيق في غرب رفح الفلسطينية بالقرب من الحدود المصرية».
ويري اللوح، في تصريح خاص لـ«خليجيون»، أن «المنطقة العازلة هي بداية المخطط لطرد الفلسطينيين من قطاع غزة إلى الخارج وهو ما رفضته مصر والأردن في بداية العدوان، بشكل قاطع تماما».
متابعا «إسرائيل كشفت عن الجزء الأخر من المخطط وهو حمل وإجبار سكان الجنوب على النزوح من شرق خان يونس وشرق رفح ومناطق في دير البلح وحشرهم في الجزء الغربي الجنوبي من رفح وهي منطقة ضيقة لا تتسع لمئات الآف من المهجرين الفلسطينيين لدفعم لخارج قطاع غزة».
والشهر الماضي، قتل 21 جنديا من قوات الاحتياط في غزة خلال «عملية دفاعية في المنطقة الواقعة بين البلدات الإسرائيلية وغزة»، بحسب ما أعلن رئيس الأركان هرتسي هاليفي، للسماح «بالعودة الآمنة» للسكان.
وقال الجيش في حينه إن القوات زرعت متفجرات لتفجير المباني عندما أطلق المسلحون النار على الجنود.
«نرى أدلة متزايدة على أن إسرائيل يبدو أنها تجعل أجزاء كبيرة من غزة غير صالحة للعيش» وفق رواية نادية هاردمان، الخبيرة في حقوق اللاجئين في منظمة هيومن رايتس ووتش.
وتشير بعض التقديرات، إلى أن هذه الخطوة هي مرحلة متقدمة من خطوات إسرائيلية سابقة، إذ سبق للاحتلال الإسرائيلي أن فرض منطقة عازلة في شمال وشرق قطاع غزة بعرض 700 متر، وجرى تقليصها إلى 300 متر وهي أغلبها أراضي زراعية ومنع المزارعين الفلسطنيين من دخولها إلا بتصريحات خاصة، وفق الدبلوماسي الفلسطيني.
بل، وتشير وثائق بريطانية إلى أن عزل قطاع غزة وطرد سكانه ليس وليد الحرب الأخيرة، لكنه مخطط قديم يعود لأواخر الخمسينات عقب فشل العدوان الثلاثي على مصر.
جريمة حرب
هاردمان أضافت «أحد الأمثلة الواضحة على ذلك قد تكون المنطقة العازلة - وهذا قد يرقى إلى جريمة حرب». ورفض جيش الاحتلال الإسرائيلي طلب فرانس برس التعليق على إقامة منطقة عازلة.
في المقابل حذرت سيسيلي هيلستفيت من الأكاديمية النروجية للقانون الدولي من «احتمال التطهير العرقي أو الترحيل أو عدم إعادة الإعمار حتى يضطر الفلسطينيون في نهاية المطاف إلى الخروج من المنطقة بالكامل».
وأكد وزير الخارجية الأميركي أنتوني بلينكن الشهر الماضي معارضة الولايات المتحدة أي تغيير لمساحة قطاع غزة. وجاء موقف بلينكن في معرض تعليقه، خلال زيارة لنيجيريا، على معلومات بشأن سعي إسرائيل لإقامة منطقة عازلة داخل قطاع غزة.
فيما يرى خبراء حقوقيون أن بإمكان إسرائيل استخدام أجزاء من أراضيها لإنشاء منطقة أمنية. وكتب كين روث الخبير في حقوق الإنسان والأستاذ في جامعة برينستون على وسائل التواصل الاجتماعي «إذا كانت الحكومة الإسرائيلية تريد منطقة عازلة، فلها كل الحق في إنشاء منطقة في إسرائيل الأكبر بكثير، لكن ليس لها الحق في الاستيلاء على الأراضي في غزة».
ويشير خبراء الى أن أمن الحدود أصبح أولوية للعديد من الإسرائيليين. وستكون عودة هؤلاء إلى البلدات القريبة من حدود غزة علامة على أن حماس لم تعد تشكل تهديدا.
وهم المناطق الآمنة
لكن المحلل السياسي الفلسطيني أيمن الرقب، يفند هذه الحجة، قائلا لـ«خليجيون» إن «المناطق العازلة ثبت أنها لاتوفر الأمن للإسرائيليين وسبق وتمكن المقاتلون الفلسطينيون من تجاوزها»، كاشفا النقاب عن أن «منظمة إسرائيل تنشط في ملف التهجير بشكل سري في قطاع غزة بجانب الضغط لإزاحة سكان شمال غزة من سكانها وصولا للهدف الأبعد وهو تهجير الفلسطينيين وتصفية القضية الفلسطينية».
ووفق التقدير نفسه، يقول السفير الفلسطيني بالقاهرة لـ«خليجيون»: «اسرائيل تستغل الحرب الحالية على غزة إسرائيل لتوسيع المنطقة العازلة بحيث تكون من كافة أطراف القطاع وبعمق ألف متر مربع بداخل القطاع مايعني مصادرة أكثر من 25% من إجمالي أراضي غزة وهي أراضي زراعية في الأساس وتزود سكان القطاع بسلة من الغذاء والحبوب والخضروات».
ومن المحتمل أيضا، أن يكون هناك ما هو أبعد من ذلك المخطط، إذ يرى السفيرالفلسطيني دياب اللوح، أن «إسرائيل تريد معاودة السيطرة على ممر (فيلادلفيا) على الحدود الفلسطينية المصرية وإعادتها لسلطاتها، لافتا أن ما ترمي هو فرض حصار مطبق على القطاع ومصادرة أحزاء كبيرة من الأراضي، علما أنها استولت على نحو 200 كيلو متر مربع من إجمالي القطاع البالغ 560 كيلو متر مربع في عام 1948، لتصبح مساحته الحالية300 كم متر مربع.
طرحت مجددا
انسحبت إسرائيل عام 2005 في شكل أحادي من غزة وسحبت قواتها ومستوطنيها وانهت وجودها هناك الذي بدأ في عام 1967، لكنها احتفظت بسيطرة شبه كاملة على حدود القطاع الساحلي.
وأبقت على منطقة محظورة ضيقة ذات عرض متفاوت على طول الحدود بينها وبين غزة. وعلى الجانب الفلسطيني، اقتصرت المنطقة التي تقع خلفها مباشرة على الأراضي الزراعية.
وتم فرض حصار على القطاع منذ سيطرة حماس عليه عام 2007، وتم تشديده في أعقاب هجوم أكتوبر الماضي.
وتقيم مصر منطقة عازلة على جانبها من الحدود مع قطاع غزة. ورأت هيلستفيت أنه على الرغم من أن إسرائيل قررت عدم إقامة منطقة عازلة مطلع الألفية الثالثة، إلا أنه تم إحياء الفكرة بعد عقدين.