الكويت بلا «بيت الكويت».. ألغاز «وطنية» في عيد التحرير
على امتداد عقود مضت، زرت العديد من بلدان العالم في شرقه وغربه، وفي كل أرض وجدت متحفا شاهدا على اللحظات العظيمة الفارقة في تاريخ هذه الأمة وتلك، وخصوصا اللحظات التي توثق ملاحم التحرر والاستقلال.
فمن أجل توثيق اللحظات العظيمة والمحطات الاستثنائية من تاريخ كل أمة، تشيد الدول المنشآت والصروح كي تكون شاهدا ماثلا أمام الأجيال التالية لتستلهم منها العبر ولتؤسس عليها مستقبلها.. فمن ليس له جذور لا مستقبل له.. فما الحال مع من يفرط في تاريخه عمدا؟!
فمثل هكذا لحظات فارقة في تاريخ الأمم إنما دفع فيها الأسلاف أرواحهم فداء لوطنهم.. وكم من لحظات تاريخية في حياة الكويت، ولعل أبرزها عيد الاستقلال وكذا عيد التحرير. وها نحن في شهر الأعياد الوطنية مع ذكريات النصر والاستقلال والحرية.
قبل سنوات ومن أجل توثيق ملحمة الاستقلال، انشئ بيت الكويت للأعمال الوطنية عام 1997م
وقبل سنوات ومن أجل توثيق ملحمة الاستقلال، انشئ بيت الكويت للأعمال الوطنية عام 1997م وافتتح تحت رعاية المغفور له - بإذن الله - سمو الأمير الوالد الشيخ سعد العبد الله، وحضر نيابة عن سموه وزير الإعلام آنذاك يوسف السميط.
ويشمل بيت الكويت بانوراما ومتحفا وقاعة سينما وقاعة للحلفاء بمشاركة 29 دولة من دول التحالف إضافة إلى إقامة 3 متاحف خارجية في بريطانيا والسنغال وبلغاريا وتوقيع 27 اتفاقية توأمة في 27 دولة تنص على منح الكويت جناحا دائما في متحفها الوطني.
لقد كان جليا منذ البداية اهتمام الدولة بهذا البيت الذي يمثل كيانا حيا يوثق تلك الملحمة، التي امتزجت فيها دماء أبناء الكويت بدماء أبناء شعوب عدة، جاءوا من أجل نصرة الحق، من أجل الإنسانية، وشاركوا في إعادة الأمور لنصابها الصحيح.. لكن من عجب أن يدور الزمان، وتتغير النفوس، ويطال العبث هذا الصرح الوطني الكبير.
عزيزي الكويتي تخيل معي مثلا أن تجلس وسط أحفادك أمام الشاشة تشاهد احتفالات الكويت بيوم التحرير، فيسألك أحدهم عن تفاصيل تلك الملحمة الكبيرة
عزيزي الكويتي تخيل معي مثلا أن تجلس وسط أحفادك أمام الشاشة تشاهد احتفالات الكويت بيوم التحرير، فيسألك أحدهم عن تفاصيل تلك الملحمة الكبيرة، فتجلس لتحكي لهم ما ظل عالقا في ذاكرتك التي قد يعتريها الضعف، ومن جيل لآخر يتم تحريف التاريخ، فيرويه كل حسب مزاجه وحسب قوة ذاكرته!!
ومناسبة كلامي هذا أنني أرى أننا وبكل بساطة نفرط - عن عمد - في حق الأجيال في الاطلاع على تاريخ وطنهم، الذي يوثقه بيت الكويت للأعمال الوطنية، فما حدث للبيت (متحف التراث والأثار والتاريخ والصور الشاهد والموثق لإجرام الاحتلال على أرضنا) أمر «غير مشروع» بل وأغرب من الخيال ويثير الكثير من التساؤلات «المشروعة».. وبالنسبالي هو لغز يستحيل فهمه!!
وإني أسأل من ذا الذي يسعى لطمس معالم بيت الكويت؟ من الذي يريد أن يسكت صوته؟ من ذا الذي لا يروق له رسالة هذا الصرح الوطني العظيم، الذي يحكي قصة نضال وصمود شعبنا في وجه المحتل؟! من وماذا ولماذا.. إنها الكثير من الأسئلة التي لم اكن اتصور أن أطرحها يوما.
هذه الأسئلة وغيرها موجهة بشكل مباشر إلى سمو رئيس مجلس الوزراء ومعالي وزير الإعلام والمسئولين في المجلس الوطني للثقافة والفنون والآداب.. مثلا، يوم السادس والعشرين من يناير هو عيد التحرير.. يا ترى عيد التحرير ممن؟ عندما يسألني حفيدي ومن بعده الأجيال التالية: اليوم ذكرى تحرير الكويت.. التحرير ممن؟!
اقرأ أيضا:
أفيقوا يا عرب.. مصر عمود الخيمة ودعمها فرض عين
والمدهش أن مدخل بيت الكويت للأعمال الوطنية تتصدره هذه الكلمات على لوحة رخامية تقول: «سوف يأتي يوم.. نجلس فيه لنقص ونروي ونعلم أولادنا وأحفادنا جيلا بعد جيل.. كيف خرج الأبطال من هذا الشعب الصغير (عددا) الكبير (قيمة وقامة) ووقف العالم بأسره معه.. في فترة حالكة ساد فيها الظلم والظلام ليحملوا مشاعل النور والحرية في وحدة لم يسبق لها مثيل من قبل».
إن هذا الصرح الوطني شهد بث تلفزيون الكويت في الثاني من أغسطس 1990 وتكرر الحدث في السادس والعشرين من فبراير 1991 بحضور مختلف وسائل الإعلام العالمية، وسنويا في الخامس والعشرين من فبراير لطالما شهد مهرجان «كلنا في حب الكويت» الغني عن التعريف، إلى أن اكتمل وصار «بيت الكويت» معلما وطنيا مهما، وصرحا يفد إليه الطلاب والوزراء والقادة والسياسيون والإعلاميون والمثقفون من الكويت وخارجها، ليقفوا على عظمة تاريخنا ونضالنا.
فيا أصحاب السمو، يا أصحاب القرار.. ها نحن نقف في لحظة فارقة، ما بين إحياء ذكرى تاريخ ونضال هذه الأمة الأبية، وبين إهالة التراب عليها بـ«التجاهل»، وهو الأمر الذي لن تغفره لنا الأجيال القادمة..
وختاما، اللهم إني بلغت اللهم فاشهد.. وللحديث بقية.