خليجيون| «رقيق موريتانيا» تحت رحمة شيوخ القبائل
في ظل إنكار الحكومات الموريتانية المتعاقبة انتشار ظاهرة الرقّ في البلاد، عاد الحديث مجددًا إلى تلك الأزمة التاريخية التي يعاني منها الآلاف من سكان هذا البلد وسط إشارات إلى صعوبة حل القضية بسبب ما يقابلها من إصرار شيوخ القبائل المنتفعين من استمرار الرق.
واعتبر الناشط والمحلل السياسي الموريتاني مسومي مختار معاناة بلاده من تلك الظاهرة يرجع إلى «غياب الجدية لدى حكومة نواكشوط في القضاء عليها».
ويقول مسومي في تصريح إلى «خليجيون» إن «الرقيق يئنون تحت وطأة الفقر والجهل والإقصاء مع أن الدولة مع بزوغ فجر الحقوقين والمدافعين عن القضية اعترفت ضمنيا ان هناك رواسب ومخلفات للعبودية يجب التصدي لها ومحاربتها ووضعت استراتيجية لهذا الموضوع».
وفي تصريح نسبته وكالة أنباء العالم العربي، أقر رئيس اللجنة الوطنية لحقوق الإنسان في موريتانيا، محمد سالم ولد بوحبيني، بوجود رقيق في بلاده، لكنه رأي أن التقارير التي تشير إلى أن أعدادهم بـ«الآلاف مغلوطة» بحسب وصفه.
ولا توجد أرقام رسمية موثقة لأعداد الرقيق في موريتانيا الرقيق، إلا أن الدولة الواقعة في شمال غرب أفريقيا، تحتل المرتبة الثانية بعد الهند من حيث انتشار فيها العبودية، وفق مؤشر الرق العالمي.
ويدعو الناشط الموريتاني إلى «أن ترتكز هذه الاستراتيجية على بناء مدارس للتعليم أبناء الأرقاء وإنشاء وكالة تضامن، من أجل تقديم الدعم مادي لإنتشالهم من بئرة الفقر».
ويلفت إلى أن بلاده قد سنّت منذ سنوات قوانين لتجريم تجارة الرقيق، لكنها «حالت دون القضاء عليها» قائلا:«مازال الفقر متفشي والتعليم ضعيف عند الأرقاء السابقين أيضا الإقصاء مزال موجود في أوساط هذه الشريحة».
وكان تقرير لمكتب المفوض السامي لحقوق الإنسان نشر في مايو 2023، قد أكد برز أشكال العبودية الحديثة ونظيرتها القائمة على النسب، لا تزال منتشرة داخل وبين جميع المجموعات العرقية الرئيسية في موريتانيا، حيث يتعرض المستعبدون، ولا سيما النساء والأطفال، للعنف وسوء المعاملة، بما في ذلك العنف الجنسي، كما يعاملون كـ«ممتلكات».
خطة وطنية تشمل اعتماد تشريعات وطنيّة تجرّم العبودية
وكان مفوض حقوق الإنسان والعمل الإنساني والعلاقات مع المجتمع المدني في موريتانيا أحمدو ولد أحمد سالم ولد سيدي قد صرح في سبمتمبر 2023 إن هناك «إرادة سياسية قوية وصارمة ومتواصلة للقضاء على جميع الظواهر الناتجة عن العقليات والممارسات البائدة، بما في ذلك الرق بجميع أشكاله».
وأكد أمام الدورة الرابعة والخمسين لمجلس حقوق الإنسان في جنيف «اتخاذ بلاده جملة من الإجراءات عبر اعتماد خطة العمل الوطنية لمحاربة الاتجار بالبشر، شملت اعتماد تشريعات وطنيّة تجرّم وتعاقب العبودية، وإنشاء محاكم مختصة في محاربتها، وإنشاء هيئة وطنية لمحاربة الاتجار بالبشر وتهريب المهاجرين».
استغلال جنسي
وفي لقاء سابق للبرلماني الموريتاني بيرام الداه اعبيد، أكد أن شريحة العبيد في بلاده تعاني من الاستغلال الجنسي والفقر وغياب التسجيل في السجلات المدنية.
لماذا تتعطل القوانين
ويرجع االناشط الموريتاني تعطل تنفيذ القوانين التي بموجبها القضاء على تجارة الرق إلى «العامل القبلي القوي» الذي يتدخل في القرارات الداخلية للدولة.
ويؤكد مسمومي أن «شيوخ القبائل لا يرغبون في اختفاء هذه الظاهرة، لأنها تهدد مكانتهم التقليدية وستجعل من رقيق الأمس متساوون معهم في كل الحقوق والواجبات».
وتصطدم محاولات الحد من ظاهرة العبودية، بالأعراف السائدة بين القبائل.
المتاجرة بالقضية
وعن وجود مناهضين لتلك الظاهرة، يشير الباحث الموريتاني إلى أشخاص قليلين لم يسمهم:«يتاجرون بالقضية مقابل الفتات من أموال المنظمات الدولية الراعية لحقوق الإنسان»، مضيفا «حتى داخل البلد أحيانا يصطفون إلى جانب الدولة لكبح جماح محاولات مناضلي هذه القضية».
كما اتهم السلطات الموريتانية بالضلوع في «تغذية ظاهرة الرقيق لبسط سيطرتها» على ما وصفه بـ«الشعب المغلوب على أمره»، حسب تعبيره.
اغراء المناهضين
ويلمح الحقوقي الموريتاني إلى «وسائل مستخدمة مع كل من ينهض من أبناء شريحة الرقيق بتقديم إغراءات مادي أو بالسجن والمضايقة».
ويشدد مسمومي على ضرورة أن «تعترف الدولة أولا بتلك الظاهرة وتشخيصها ومحاولة حلحلتها»، مشترطًا حدوث ذلك بإتخاذ إجراءات من شأنها «معاقبة كل الضالعين في ممارسة الاتجار بالبشر ونشر العبودية» فضلا عن أهمية «تكثيف بناء مدارس في مناطق آدوابة والحواضر لتحسين مستوى أبناء هذه الشريحة التعليمي».
ويدعو إلى «الوقوف أمام كل مسترزق من القضية وتعميم مبدأ تكافؤ الفرص في العمل والثروة بين لأبناء هذا الشعب ليتساوى في الحقوق تجنبا لكل مخاطر الانزلاق في الحروب الأهلية».
وتحتل موريتانيا المركز 130 بين 180 دولة في 2023 في أحدث تقرير أعلن عنه المؤشر العالمي للفساد الصادر عن تصدره منظمة الشفافية الدولية.