الصومال في مرمى «الخليج».. صراع أم تأمين مصالح؟
كل الظروف رشحت الصومال ليكون محور «تجاذب وتعارض والتقاء» مصالح سياسية لأطراف عدة، لكن أكثرهم انشغالا بالبلد صاحب الجعرافيا «الهامة» هي دول الخليج العربي، التي تبحث عن تمديد نفوذ وحماية مصالحة وتأمين خطوط تصدير نفطها.
الاستقبال الحار الذي لاقاه وفدًا سعوديا زار الصومال في أواخر يناير لإطلاق مشاريع مساعدات جديدة في هذا البلد الواقع في القرن الإفريقي، دلل على احتياج الصومال للشريك الخليجي، حيث تتنافس دول الخليج على بسط نفوذها.
وأعرب مسؤولون صوماليون عن أملهم في رؤية المملكة الخليجية النفطية منخرطة أكثر في بلدهم بما في ذلك على المستوى الأمني، بجانب مشروعات التعليم والمياه.
بناء الدولة وفق مدير السياسات والتخطيط في وزارة الصحة الصومالية عبد الفتاح محمد لوكالة فرانس برس إن الصومال الذي شهد على مدى عقود حربًا وتمردًا إسلاميًا دمويًا، «يمرّ هذه الأيام بعملية بناء دولة».
وأضاف «نحن نبني قواتنا المسلّحة لحماية (بلدنا)، ونعيد بناء اقتصادنا. لذلك وفي هذا الصدد، يمكن (للسعوديين) أن يفعلوا المزيد».
دعم سعودي للقرن الأفريقي
أبدت المملكة في عدة قمم كبرى ومن خلال مشاريع إنسانية، نيتها في تقديم المزيد لمنطقة القرن الإفريقي المطلّة على البحر الأحمر، الممر المائي الاستراتيجي.
الرئيس الصومالي حسن شيخ محمود يعلن ان سيطرة إثيوبيا وإسرائيل على ساحل البحر الأحمر هدفه حصار الدول العربية المطلة على البحر الاحمر مصر والسعودية واليمن والصومال واريتريا وجيبوتي !
نطالب العمل سويا والتعاون الجاد لمنع وصول ايثوبيا على الساحل الصومالي بحر احمر.. pic.twitter.com/us57HZZj8w— Dr.Sam Youssef Ph.D.,M.Sc.,DPT. (@drhossamsamy65) January 20, 2024
وظهر ذلك واضحًا في الجهود التي بذلتها السعودية عندما اندلعت حرب في السودان في أبريل الماضي، فأرسلت سفنًا لإجلاء مدنيين واستضافت محادثات سلام بين طرفَي النزاع في مدينة جدّة.
ورأى محللون إن خطوات من هذا النوع تعكس مصلحة اقتصادية للمملكة في استقرار منطقة البحر الأحمر حيث يُفترض أن تصبح منتجعات بحرية محرّكًا لقطاعها السياحي الناشئ، فضلًا عن رغبتها في التصدي لمنافستها الإمارات التي تتمتّع أيضًا بنفوذ كبير في المنطقة.
وقال خبير إفريقيا في مركز الدراسات الاستراتيجية والدولية في واشنطن كاميرون هدسون إن «هناك حاليًا نوعًا من لعبة القط والفأر بين الإماراتيين والسعوديين في المنطقة»، مضيفًا «أنهم يستفيدون من علاقاتهم مع كل هذه الدول الإقليمية».
وجود إماراتي
وجاءت زيارة مسؤولين في مركز الملك سلمان للإغاثة والأعمال الإنسانية، إلى الصومال بعد بضعة أسابيع من توقيع اتفاقية مثيرة للجدل بين إثيوبيا ومنطقة «أرض الصومال» (صوماليلاند) الانفصالية.
وتمنح هذه الاتفاقية التي وُقّعت في الأول من يناير، إثيوبيا المجاورة حق استخدام تجاري وعسكري لواجهة بحرية في «أرض الصومال» مطلّة على خليج عدن، بطول 20 كيلومتراً مدة 50 عاماً.
وتقول سلطات «أرض الصومال» إن مقابل الحصول على منفذ بحري ستصبح إثيوبيا أول دولة في العالم تعترف رسميًا بالمنطقة التي أعلنت استقلالها عن الصومال عام 1991، في خطوة من شأنها إثارة غضب الحكومة الفدرالية في مقديشو.
ولم تؤكد أديس أبابا بنود الاتفاقية، فيما وصفتها مقديشو بأنها «انتهاك صارخ لسيادتها».
وأثارت العلاقات الوثيقة التي تربط الإمارات بكل من إثيوبيا و«أرض الصومال» تكهّنات بانخراط محتمل للدولة الخليجية الثرية في الاتفاقية، في ما اعتبره هدسون وجيهًا حتى لو لم يظهر«دليل دامغ» عليه.
وقال إن «لطالما كان الإماراتيون في كافة علاقاتهم في القرن الإفريقي، يعطون التعليمات».
السيسي يحذر إثيوبيا من المساس بالصومال
دخلت الصومال دائرة الاهتمام المصري بعد توقيع أرض السودان لاتفاقية المنفذ المائي لأديس أبابا وعبر الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي عن رفضه للاتفاق الذي وقعته أرض الصومال مع إثيوبيا، مؤكدا رفض بلاده التدخل في شؤون الصومال أو المساس بوحدة أراضيها.
الرئيس المصري
"مصر لن تسمح لأحد بتهديد الصومال أو بمس أمنه، محدش يجرب مصر ويحاول يهدد أشقاءها، خاصة لو أشقاءها طلبوا منها التدخل"
__موقف مصر مشرّف والصومال مدرك لظروف مصر والمؤامرات ضدها. يكفي أن تفتح مستودع أسلحتها ويتكفل رجال الصومال بأمن بلادهم وأمن مصالح أشقائهم في المنطقة pic.twitter.com/LyO4zy2K0J
— SomaliAlp|صومالي آلب (@Somali_Aalp) January 21, 2024
ولم ترد أبوظبي على طلب وكالة فرانس برس التعليق على المسألة. لكن في السودان، سبق أن اتّهم خبراء أمميّون الإمارات بتسليح قوات الدعم السريع التي تخوض نزاعًا مسلّحًا مع الجيش منذ أبريل الماضي. وقد نفت السلطات الإماراتية الأمر رسميًا.
من جانبه، قال كبير محللي شرق إفريقيا في مجموعة الأزمات الدولية عمر محمود إنه غير مقتنع بأن الإمارات منخرطة في الاتفاقية الموقعة بين «أرض الصومال» وإثيوبيا لأن ذلك سيتسبب بمنافسة وتعقيدات أخرى لميناء بربرة في «أرض الصومال»، الذي تشغّله مجموعة «دي بي ورلد» أي «موانئ دبي العالمية».
لكنّه أشار إلى أن التوترات التي أثارتها الاتفاقية خلقت فرصًا للجهات الفاعلة الأجنبية، بما في ذلك السعودية ومصر وقطر وتركيا، لتعميق العلاقات مع مقديشو.
وأعربت الرياض في يناير عن حرصها البالغ على وحدة الصومال وسيادته على كامل أراضيه، في موقف أشاد به رئيس الوزراء الصومالي حمزة عبدي بري خلال زيارة الوفد السعودي إلى مقديشو ما أثار موجة تصفيق حار.
منطقة نفوذ
وحتى قبل التوتر الأخير بشأن «أرض الصومال»، كانت المملكة تسعى إلى تعزيز علاقاتها مع الصومال، إذ عيّنت عام 2021 أول سفير لها لدى مقديشو منذ ثلاثة عقود.
وأواخر العام الماضي، عيّن الرئيس الصومالي حسن شيخ محمود مستشارًا مقربا منه أويس حاج أحمد يوسف سفيرًا للصومال لدى المملكة، في مؤشر على الرغبة في تعميق العلاقات بين البلدين.
وبما أنه من المقرر أن تنسحب قوة حفظ السلام التابعة للاتحاد الإفريقي من الصومال بحلول نهاية العام الحالي، يُتوقع أن تعتمد مقديشو بشكل كبير على دول الخليج لتدريب 22 ألف جندي صومالي، بموجب تفويض من مجلس الأمن الدولي.
مقتل جنود إماراتيين
وفي وقت سابق هذا الشهر، قُتل أربعة جنود إماراتيين وضابط بحريني أثناء أداء مهمتهم تدريب الجيش الصومالي، إثر تعرضهم لـ«عمل إرهابي»، وفق الإمارات. وأعلنت حركة الشباب الإسلامية المتطرّفة مسؤوليتها عن الهجوم.
وقال محمود إن «الصومال يتطلع أيضًا إلى استيراد أسلحة جديدة بعد رفع حظر الأسلحة الذي كان مفروضًا عليه من جانب الأمم المتحدة في ديسمبر، وقد يلجأ إلى دول الخليج طلبًا للمساعدة».
ورأى هدسون أن أيًا كان الاتجاه الذي تأخذه العلاقات بين مقديشو والرياض، فإن الدول الخليجية المجاورة للسعودية ستراقب الوضع عن كثب، نظرًا لأهمية الصومال الاستراتيجية وتأثير تعزيز العلاقات السعودية الصومالية على التنافس على النفوذ في المنطقة بشكل أوسع.
وقال إن دول الخليج ترى القرن الإفريقي باعتبارها «منطقة نفوذها».
عودة دحلان وعباس رئيسا شرفيا.. «القدوة» يرسم ملامح الحكم الجديد بغزة