«خليجيون»| «أجندة سرية» وصراعات جانبية تخلط أوراق غزة
تخصم الصراعات الجانبية وسياسية خلط الأوراق الإقليمية من الرصيد الداعم للقضية الفلسطينية، ومن ثمّ التخفيف من آلام قطاع غزة، الباحث عن هدنة لوقف العدوان الإسرائيلي المتواصل الذي خلّف قرابة 30 ألف شهيد حتى الآن.
ويتخندق أطراف «محور المقاومة»، وهو التحالف المناهض للغرب وإسرائيل، في خندق واحد منذ السابع من أكتوبر الماضي، مع بدء العدوان الإسرائيلي على قطاع غزة، لكن مراقبين يشككون في الأهداف بعيدة المدى التي تتجاوز الحضور الخاطف على هامش معركة المقاومة الفلسطينية والاحتلال.
«محور المقاومة» في قلب الصراع
تقف إيران بشكل شبه كامل وراء محور المقاومة المشكّل من جماعات مسلحة مرتبطة بطهران في سوريا والعراق واليمن ولبنان، وعلى رأسهم حزب الله وجماعة الحوثي، وهو المحور الذي يشارك منذ السابع من أكتوبر بعمليات محدودة تجاه قوات الاحتلال الإسرائيلي، أول الأمر، قبل أن يتطور الأمر إلى استهداف مصالح أميركية وبريطانية، عقب تشكيل البلدان الآخيران تحالفا عسكريًا لضرب قواعد ما يسمى «محور المقاومة».
المعروف لدى مراكز الأبحاث والدراسات السياسية أن إيران غيّرت استراتيجيتها الإقليمية في نهاية ثمانينات القرن الماضي، من فكرة تصدير الثورة إلى المحافظة على مكتسباتها في المنطقة، باعتبارها تمثل مركزا اقتصاديًا في جنوب غرب آسيا، وهو ما جعلها تعمل بمنطق الدولة القومية، ومن ثمّ المناورة لتوسيع حضورها عبر نظرية «الحرب غير المتكافئة»، والتي أثبتت نجاحها أمام قوات نظامية بحجم الجيش الأميركي وحلفائه الغربيين.
مساران يرافقان محور «محور المقاومة»
على الصعيد الفلسطيني، جاءت معركة «طوفان الأقصى» لتُمثل انتعاشة جديدًا لمحور «المقاومة والممانعة»، على الرغم من إنها جاءت مفاجئة لحلفاء حركة المقاومة الإسلامية «حماس» الإقليميين، لكنهم انخرطوا من اليوم الأول في الصراع بشكل تدريجي، بدءًا من العمليات العسكرية القادمة من جنوب لبنان تجاه القوات الإسرائيلية بالأراضي المحتلة، ثم عمليات عسكرية محدودة من الجانب السوري، وصولاً إلى دخول جماعة الحوثي مسرح العمليات في البحر الأحمر، واكتمال المربع بالعمليات العسكرية في العراق التي تستهدف مصالح أميركا، أكثر الداعمين للاحتلال الإسرائيلي.
في الأثناء، تناول المراقبون التطورات من منظورين مختلفين، الأول يثمِّن عاليًا هذا المحور المساند للمقاومة الفلسطينية باعتبار عملياتهم مفيدة على المستوى التكتيكي، ويخفف الضغط عن الفلسطينيين في الأراضي المحتلة.
لكن فريقًا آخر يعتقد أن كل هذه التحركات والعمليات غير مجديّة على الصعيد الفلسطيني، بل يذهب إلى أبعد من ذلك، باعتبارها خصمًا من رصيد القضية، وفي كل الأحوال يضعون موقف الجماعات الداعمة للمقاومة الفلسطينية في خانة صندوق «الأهداف الإيرانية».
أجندات مختلفة
من بين هؤلاء اللواء حمدي بخيت الخبير الأمني والاستراتيجي، الذي يعتبر عمليات الحوثي وحزب الله «معنية بأجندات مختلفة لا علاقة وثيقة لها بالصراع الدائر في غزة».
وأضاف بخيت في تصريح لـ«خليجيون» أن «كل الجبهات المفتوحة على خلفية الصراع في غزة تحمل أجندات تسعى إلى مصالح أخرى، وتدعي الالتصاق بما يحدث في غزة».
وضرب الخبير الاستراتيجي مثالاً على تعارض الأهداف بقوله: «إذا كان الحوثي يستهدف التجارة الإسرائيلية والسفن العابرة إليها فلماذا يستهدف باقي السفن، وإيران لديها خط سير كل سفينة ووجهتها، كما أن خطوط سير وجنسيات وشحنات السفن تكون معروفة».
وتضررت مصر بشدة من الهجمات التي طالت السفن المارة بالحر الأحمر عبر قناة السويس، حيث يقول اللواء حمدي بخيت «إسرائيل أعلنت تحويل تجارتها من دبي برًا وصولا لإيلات، ولم تعد تعتمد بشكل أساسي على السفن»، وبالتالي فهو يرى أن «الهدف غير المعلن هو الضغط على مصر اقتصاديا وداخليا لإجبارها على تبني مواقف بعينها»، على حد قوله.
وشنت القوات الأميركية والبريطانية سلسلة ضربات، السبت، ضد أهداف لقوات الحوثي في اليمن، وفق ما جاء في بيان مشترك جاء فيه أن «الضربات الضروريّة والمتناسبة استهدفت على وجه التحديد 18 هدفا للحوثيين في ثمانية مواقع في اليمن.. شملت الأهداف منشآت تخزين أسلحة تحت الأرض، ومنشآت تخزين صواريخ، وأنظمة جوية مسيرة هجومية أحادية الاتجاه، وأنظمة دفاع جوي، ورادارات، ومروحية».
ضربات وهمية
تلك الضربات يعتبرها الخبير العسكري والاستراتيجي اللواء حمدي بخيت «غير مجدية، لأنها لا تصيب أي أهداف حوثية، فالصواريخ الأميركية ترتد في الجبال ما يؤكد أن لحرب الحوثي أهداف أخرى». وتوقع بخيت «أن ينتهي الصراع في باب المندب مع انتهاء الهدف من تفجير الصراع».
ويستهدف الحوثيون السفن المرتبطة بإسرائيل دعما للفلسطينيين في غزة التي دمرها العدوان الإسرائيلي. وإثر الضربات الأميركية والبريطانية الأولى، أعلن الحوثيون أن مصالح البلدين صارت هي أيضًا أهدافًا مشروعة.
جبهة الجنوب
في المقابل يضع الخبير المصري الصراع في جنوب لبنان في خانة «إثبات الوجود فقط»، وأن إيران تريد أن تثبت أن لديها ذراعًا يمكن أن يقلق جبهة الشمال الإسرائيلي، مقابل الجيش الإسرائيلي الذي يريد من مهاجمة جبهة لبنان أن يصل إلى تحقيق الردع العسكري لينتهي من تلك الجبهة.
ومن جبهتي لبنان واليمن إلى رفح وغزة ترى سارة كيرا مدير المركز الأوروبي لشمال أفريقيا للأبحاث، سيناريو لا يحمل التهدئة في رفح.
وترى «كيرا» في اتصال لـ«خليجيون» أن الصراعات الجانبية في جبهات (الجنوب - الجنوب) تهدف لصرف النظر عن ما يحدث في غزة، وليس كما تدعي أطرافها «مساعدة سكان غزة»، مضيفًا أن «تصرفات الحوثي وحزب الله ساهمت في حصول الكيان المحتل على تعاطف قوى دولية ونجحت تل أبيب في تسويق نفسها على أنها محاطة بالأعداء وما تفعله في غزة دفاع عن النفس».