خليجيون| تفاهمات تونس تعيد إنتاج الأزمة بين فرقاء ليبيا
وسط جمود حاد في العملية السياسية بين الفرقاء الليبين، دخلت البلاد في «منعطف جديد» لأزمتها السياسية المستمرة منذ أكثر من عقدـ على خلفية اجتماع لأعضاء بمجلسي النواب (شرق ليبيا) والأعلى للدولة (غرب البلاد) خلص إلى تشكيل حكومة موحدة بدلا من حكومة الوحدة الوطنية في غرب البلاد، لكنه قوبل بانتقادات من الأمم المتحدة، التي تباينت الآراء حول آدائها مؤخرا.
وتعرقلت العملية الانتخابية التي كانت مقررة في ديسمبر 2021، بسبب خلافات بين الفرقاء في ليبيا حول القوانين الانتخابية، فيما حاولت الأمم المتحدة عبر مبعوثها السنغالي عبد الله باتيلي جمعهم على طاولة مفاوضات واحدة لحل الخلافات والتوافق على خارطة طريق تصل بالبلاد إلى إجراء انتخابات وإنهاء المراحل الانتقالية.
اجتماع تونس صعوبات لوجيستية
لكن اجتماع تونس بين أعضاء المجلسين، في وقت سابق هذا الأسبوع، الذي حظي بحضور أكثر من 100 عضو من الغرفتين البرلمانيتين واجه ما وصفته مصادر بـ«عقبات وضغوط» لوجيستية وتنظيمية، بيد أن محضره النهائي توصل إلى اتفاق يتضمن «تشكيل حكومة وطنية جديدة تعمل على إنجاز الاستحقاق الانتخابي كما نصت المادتين (90، 86) من القوانين الانتخابية».
ومن بين مخرجات هذا الاجتماع، وفق محضر نشره مجلس النواب، كان الاتفاق على ضرورة «اختيار رئيس الحكومة الجديدة عبر آلية شفافة ونزيهة تؤسس على خارطة الطريق المقدمة من قبل لجنة (6+6) بالتوافق بين المجلسين ورعاية البعثة الأممية»، مع «وضع ضوابط وتشريعات ملزمة للحكومة القادمة بما يضمن محاربة المركزية ودعم الوحدات المحلية ووصول المخصصات مباشرة للبلديات والمحافظات».
وفور انتهاء الاجتماع، عبر 52 من الأحزاب الليبية عن ترحيبهم «بالتقارب الحاصل بين مجلسي النواب والدولة والمحاولة الجادة من أعضاء المجلسين لتقريب وجهات النظر فيما بينهم والدعوة لمعالجة القضايا التي من شأنها التسريع بالتوجه نحو الانتخابات وتوحيد السلطة التنفيذية وانهاء الانقسام».
ماذا قالت الأمم المتحدة؟
لكن الأمم المتحدة، وعلى لسان مبعوثها السنغالي عبد الله باتيلي وجهت انتقادات للقاء تونس الذي عدته «لا يلبي الطموحات بسبب تحفظات بعض الأطراف عليه» معتبرا أنه «لا يمكن أن يكون بديلا عن حوار أوسع بمشاركة أكبر وجدول أعمال أكثر شمولا». وحثّ باتيلي الأطراف الليبية على «عدم التركيز على حلّ مسألة واحدة على حساب مسائل أخرى لا تقلّ أهمية»، في إشارة إلى ملف تشكيل حكومة جديدة.
وتقول مصادر سياسية وبرلمانية لـ«خليجيون» إن «اجتماع تونس لم يحظ برضا حكومة الوحدة الوطنية برئاسة عبد الحميد الدبيبة في غرب ليبيا المدعومة من الأمم المتحدة، والتي تعتبر أي حديث عن حكومة جديدة تقود البلاد إلى انتخابات تشريعية جديدة هو تهديد لسلطتها»، وهو ما تنفه حكومه الدبيبة.
نائب رئيس حزب الشعب الحر د.محمد حسن مخلوف، الذي كان أحد المدعوين لحضور هذا اللقاء، تحدث عن «ضغوط من حكومة الدبيبة على الجانب التونسي حالت دون مشاركته رفقة عدد من الساسة وقادة الأحزاب والتكتلات المدنية، علاوة على أعضاء مجلسي النواب والدولة، واضطر إلى إلغاء رحلته من بنغازي إلى تونس».
ويشرح مخلوف، الأكاديمي الليبي وأستاذ العلاقات الدولية بجامعة بنغازي، تفاصيل الدعوة لهذا الاجتماع قائلا «أعضاء في المجلسين ورئيس المفوضية العليا للانتخابات وسفراء ومبعوثين من مختلف الدول والأحزاب السياسية والتكتلات المدنية تلقوا دعوة للقاء في تونس، على أن يعقد اجتماع أعضاء المجلسين يوم الأربعاء، ولقاءات بقية السياسيين يوم الخميس».
وتابع قائلا لـ«خليجيون»: «فوجئ أعضاء مجلسي النواب والدولة بعد وصولهم يوم الثلاثاء بحجز الفنادق والقاعة لمدة عشرة أيام بواسطة السفير الليبي في تونس الذي يخضع لسلطة الدبيبة، وتعليمات من الأمن التونسي بإلغاء الاجتماع لضرورات الحصول على تصريح لتأمينه»، مرجحا «حدوث ضغوط على الدولة التونسية من إحدى دول الجوار».
رسالة اجتماع تونس إلى الفرقاء
وينتقد مخلوف التدخل الأممي الزائد في إدارة العملية السياسية ليبيا، نشيرا إلى الحل في ليبيا شأن داخلي يجب أن يحظى برعاية المجتمع الدولي كطرف محايد فقط»، مشيرا إلى ما وصفه بـ«دور المال الفاسد يحرم الليبيين من حق التغير».
في السياق نفسه، يبين رئيس كتلة التوافق بالمجلس الأعلى للدولة عادل كرموس، وأحد المشاركين في لقاء تونس: «لم نصدر قرارا ملزما بحيث يرفضه من يرفضه ويقبله من يقبله، نحن أكدنا من خلال هذا اللقاء على أن هناك توافقا كبيرا بين المجلسين بعكس ما يدعيه البعض من أن المجلسين غير متوافقين»، وفق تصريح لقناة الوسط الليبية المحلية.
ويتهم كرموس بعثة الأمم المتحدة «بلعب دور سلبي في الشأن الليبي» وقال إن باتيلي «لا يريد أن يقبل بأي حل توافقي ليبي - ليبي ويكرر دائما التوافق يجب أن يكون على أوسع نطاق» بينما المرجعيات الخاصة بالعملية السياسية تؤكد على ضرورة توافق المجلسين».
يشار إلى أن اجتماع تونس جاء وسط جمود العملية السياسية في ليبيا، وبعد يوم واحد من تجديد أعضاء مجلس الأمن، الثلاثاء، التأكيد على «التزامهم القوي بعملية سياسية شاملة يقودها ويملك زمامها الليبيون، وتيِّسرها الأمم المتحدة، تُبنى على القوانين الانتخابية المحدثة التي اتفقت عليها لجنة (6+6)».
ويقول أستاذ العلوم السياسية في جامعة درنة د.يوسف الفارسي إن «المجتمع الدولي لا يريد حكومة توافقية، علاوة على عقبات محلية متوقعة لبرنامج المحاصصة والمناطقية لتشكيل هذه الحكومة».
ويتوقع الفارسي في تصريح إلى «خليجيون» «فشل أي تحرك مستقبلي يقود إلى هذا المسار»، ويعتبر ف أن «مجلسي النواب والدولة ذهبا في خطوة استباقية لتلاقي أي استبعاد أو إطالة عمر الأزمة، بموازاة توافق المصالح بين الطرفين».
اقرأ المزيد:
اهتمام سعودي بالاستثمار في ليبيا