الحرب تحرم السودانيين من «الضرا» في رمضان
يمثل الإفطار في الطرق والساحات بالأحياء السودانية في شهر رمضان، وهو ما يعرف محليا باسم «الضرا»، أحد أهم طقوس الشهر بالنسبة لسليمان الزاكي، إذ يعتبرها منبرا للتلاقي وتجاذب أطراف الحديث مع الجيران والأقارب، لكن الحرب المستمرة بين الجيش وقوات الدعم السريع منذ نحو 11 شهرا أجبرته على البقاء في منزله هذا العام.
ويتوقع الزاكي، المقيم في أم درمان، أن يختفي «الضرا» الذي يعتبره تقليدا راسخا وعادة سودانية لتناول الإفطار في جماعات بالساحات والميادين وسط الأحياء السكنية.
وقال لوكالة أنباء العالم العربي «حتى إذا تمت الضرا فلن تكون بنفس الزخم، وأتوقع أن تغيب هذه الإفطارات (موائد الإفطار) خاصة في مناطق النزاع، لأن إقامة الإفطارات ستكون في الساحات وهي الآن غير آمنة، هناك قصف عشوائي وهجمات مسلحة، ووفقا لهذه المعطيات سيتناول الناس الإفطار داخل المنازل».
ومع استمرار القتال المستعر بين الجيش السوداني وقوات الدعم السريع، ترك معظم سكان العاصمة الخرطوم ديارهم، وأصبحت الساحات العامة والمنازل مسرحا ساخنا للاشتباكات والقصف المدفعي والضربات الجوية بين الطرفين المتحاربين، بدلا من أن تكون تجمعا لموائد الصائمين كما جرت العادة كل عام. وتابع الزاكي قائلا «هذا سيلقي بحزن كبير على الساحات، فالضرا وإن كان مكانا لتناول الإفطار، فإنه منتدى يشكل فرصة لربط اللحمة الاجتماعية ومناقشة القضايا المهمة».
ويستقبل السودانيون رمضان، الذي يبدأ الأسبوع القادم، وبلادهم على شفا المجاعة، وخاصة في إقليمي دارفور وكردفان في الغرب، مع ارتفاع أسعار السلع الأساسية في الولايات الآمنة نسبيا في الشمال والشرق، وفقدان الكثير من العاملين في القطاعين العام والخاص وظائفهم بسبب الحرب التي اندلعت في أبريل نيسان الماضي.
وقال برنامج الأغذية العالمي إن 18 مليون سوداني في أنحاء البلاد يواجهون حاليا مستويات حادة من الجوع، وطالب طرفي النزاع بتقديم ضمانات فورية لإيصال المساعدات إلى المحتاجين بشكل آمن، واصفا عبور وكالات الإغاثة خطوط المواجهة في مناطق الصراع بالسودان بأنه «شبه مستحيل».
وزاد عدد السودانيين الذين يواجهون مستويات استثنائية من الجوع، وهي مرحلة ما قبل المجاعة، إلى ما يقرب من خمسة ملايين، وفقا للتصنيف المرحلي المتكامل للأمن الغذائي.
ارتفاع الأسعار في السودان
يقول التاجر عثمان إدريس إن السلع الاستراتيجية تشهد ارتفاعا بين 10 و15 بالمئة، ومنها السكر الذي وصل سعر الجوال منه سعة 50 كيلوغراما إلى 75 ألف جنيه سوداني ارتفاعا من 60 ألف جنيه في مدينة بورتسودان على ساحل البحر الأحمر.
وقال إدريس لوكالة أنباء العالم العربي إن السلع متوفرة في المناطق الآمنة في شمال وشرق البلاد، لكن هناك ركودا في الأسواق، وعزا ذلك إلى ضعف القوة الشرائية للسودانيين بسبب الحرب التي حولت الغالبية العظمى إلى عاطلين.
وأضاف إدريس «الجميع يشكون الوضع المتردي، الموظف والتاجر وكل فئات الشعب، رمضان هذا العام سيكون قاسيا على الجميع»، متوقعا ارتفاع أسعار السلع الأساسية المتعلقة برمضان خلال اليومين المقبلين.
وأشار تجار إلى أن أسعار السلع زادت بأكثر من المثلين في المناطق التي تشهد نزاعا، خاصة إقليمي دارفور وكردفان اللذين أصبحا معزولين تقريبا عن بقية مدن السودان بسبب صعوبة الوصول إليهما.
وأبلغ تاجر في مدينة الدلنج بولاية جنوب كردفان وكالة أنباء العالم العربي بأن سعر جوال السكر في المدينة وصل إلى 110 آلاف جنيه.
وقال الأمين العام للغرفة التجارية بولاية البحر الأحمر أحمد شيباي «تنبأنا بالوضع منذ وقت مبكر وأخذنا في الاعتبار أن البلاد تشهد حربا، وشجعنا التجار على الاستيراد على الرغم من رفع الحكومة سعر الدولار الجمركي من 650 إلى 950 جنيها، الأمر الذي أدى إلى زيادة أسعار السلع، وهي سياسات خارج أيدينا».
وأضاف شيباي «كان هدفنا توفير السلع للتجار من خلال معبر أوسيف بين السودان ومصر، وتمكنا من إدخال أكثر من خمس سلع.. "صحيح أن هناك ارتفاعا في الأسعار لكنها متوفرة وهناك الكثير من الجمعيات ورجال الأعمال الذين يجهزون لسلة رمضان للشرائح الضعيفة».
روح التكافل في السودان
يرى أستاذ الاقتصاد المشارك بجامعة السودان محمد الناير أنه رغم الظروف التي يعانيها الاقتصاد السوداني فإن روح التكافل ستتعاظم بصورة كبيرة لدى السودانيين خلال رمضان.
وقال في مقابلة مع وكالة أنباء العالم العربي «لا أعتقد أن السودانيين سيتخلون عن عاداتهم وتقاليدهم.. .وهي الإفطار في الشوارع والطرقات لكي يجد كل شخص تقطعت به السبل مكانا للإفطار».
ويضيف «لا أعتقد أن هذه الظاهرة ستندثر رغم ظروف الحرب وستستمر بشكل طبيعي في الأماكن الآمنة وستقل في مناطق الاشتباكات لكنها لن تنعدم، الناس تعودوا في كل عام أن يخرجوا بإفطارهم إلى الطرقات لكي يساعدوا الذين لم يلحقوا الإفطار في أحيائهم وديارهم».
وألقى الناير باللوم على الحرب في عدم توفير الدولة السلع التموينية للعاملين في القطاع العام بأسعار مخفضة وبالتقسيط، أو ما يعرف بسلة رمضان، مثلما كانت تفعل في سنوات سابقة. ومضى يقول «في مثل هذه الظروف قد لا تكون متاحة (سلة رمضان)، لكن أعتقد أن أعمال الخير ما زالت موجودة، سواء من داخل السودان أو خارجه».
وأشار الناير إلى أن المجتمع الدولي «لم يقف بجانب السودان بالشكل المطلوب وكعادته لا يفي بأي التزامات يطلقها».