«خليجيون»| لماذا توقف مسار التكامل الخليجي عند مبادرة سلمان؟
توقف مسار التكامل الخليجي عند مبادرة العاهل السعودي الملك سلمان بن عبد العزيز، التي أطلقها في يونيو العام 2023، حيث اعتمدت القمة الخليجية التشاورية في جدة رؤيته، لتعزيز العمل الخليجي المشترك، إذ لم يعلن منذ ذلك اليوم اتخاذ خطوات لاستكمال ذلك المسار، بينما يرى مراقبون أن هناك عدة إشكاليات شغلت الخليج عن تلبية تلك المبادرة والتي منها انتشار المذهب الشيعي والتنافس الاقتصادي والسياسي بين الدول الخليجية وبعضها.
التنافس عطل مبادرات التكامل الاقتصادي
ويرجع رئيس مجلس جمعية الصحفيين العُمانية دكتور محمد العريمي عدم التجانس الاقتصادي في بلاد الخليج إلى «حالة التنافس بينهم وبين بعض في بيع وتصدير النفط، فضلا عن التسابق في عامل خدمات الموانئ سواء كانت في المنطقة الخليجية أو الاستحواز خارجها»
ويشير العريمي في تصريح إلى «خليجيون» إلى أن «حالة التنافس على امتلاك خطوط الطيران والمطارات وتكرار كل المجالات الاقتصادية والإنشائية في البلدان الخليجية عطلت مطالب التكامل الاقتصادي» - على حد قوله-.
الأسرة الحاكمة ورغبة السيطرة
وعزا رئيس جمعية الصحفيين العمانية، تأخر الاستجابة لمبادرات التكامل الاقتصادي إلى العصبية في الأسر الحاكمة قائلا:« من يحكم دول الخليج هي العائلات منذ فترة ليست بقصيرة ومنها الأسرة الحاكمة العمانية الحالية التي تقلدت حكم السلطنة منذ فترة بعيدة وغيرها من أسر حكمت البلاد منذ بداية فجر الإسلام في المنطقة العربية» موضحًا أن «هذه الأسر لا يمكنها التجانس نظرًا لتاريخ حالة التحارب بينهم».
وتابع:«حتى الأسرة التي ترتبطها صلة قرابة تتنافس على الوجود السياسي وبسط الهيمنة السياسية ما أسفر عن خلافات وعدم تفاهم».
وعن عمان وابتعادها عن فكرة الانسجام الاقتصادي الخليجي، يرى «أن بلاده انكفأت خلال الفترة الماضية على الداخل رافضة التجانس الخارجي»، مرجعًا تلك السياسة إلى «سوء حالة السلطنة وتخلفها في كثير من مناحي الحياة» منوهًا إلى أن «السلطان الراحل قابوس ابتعد عن الانخراط في التحالفات الخارجية للتفرغ لتحسين الشأن العماني الداخلي».
المذهب الشيعي أثر بالسلب على التكامل الاقتصادي
ويعتبر العريمي أن «المذهبية الدينية لعبت دور كبير في خلق الخلافات بين هذه البلدان في الجانب السياسي والاقتصادي»، مضيفًا: «لقد تعددت المذاهب في تلك البلاد الأمر الذي انعكس بالسلب على تجمعها متهما المد الشيعي بواسطة إيران في التسبب على عدم استقرار بعض الدول ما اسفر عن تشدد بعض الأسر على المنطلق الذهبي في تلك الدول».
أزمات الشرق الأوسط عطلت الخليج عن تنفيذ مبادرة التكامل الاقتصادي
ويرجع مساعد وزير الخارجية الأسبق السفير أحمد القويسني تأخر الاستجابة إلى مبادرة الملك سلمان بن عبد العزيز إلى عدة أسباب على رأسها انشغال البلدان الخليجية بالأزمة الحالية في قطاع غزة والتي أعقبها اتساع رقعة الحرب ما ضاعفت جهود مسؤولي البلدان الخليجية في الشهور الأخير من عقد لقاءات خارجية وداخلية استنزفت وقت تلك البلاد.
ولم يستبعد القويسني اتخاذ خطوات جادة على المدى القريب لاستكمال مسار مبادرة التكامل الاقتصادي الخيليجي قائلا في تصريح إلى «خليجيون»: «بلدان الخليج لديها القدرات السياسية والاقتصادية التي تسهل تحقيق التكامل الاقتصادي حيث تمتلك عدة مقومات اقتصادية وسياسية دفعها لأن تكون ذات تأثير على مستوى العالم وليس في منطقة الخليج».
ويضيف مساعد وزير الخارجية المصري الأسبق، أن «بلدان الخليج كافة باتت لها مقاعد أساسية في اتخاذ قرارات دولية اقتصادية»، مشيرا إلى أن «السلع الداخلة في التجارة بين بلدان دول مجلس التعاون متقاربة ما يساهم في ارتفاع فرص تدشين صناعة خليجية موحدة تنافس بها كل المنتجات والصناعات الأجنبية».
التكامل الاقتصادي يحتاج 3 أعوام
كما يرى القويسني أن استكمال مسار التكامل الاقتصادي الخليجي يحتاج من عام إلى 3 أعوام للبدء في تنفيذه بناء على وضع خطة اقتصادية من شأنها تحديد وجهة المسار الاقتصادي المفروض أن يتم اتباعه، منوهًا أن التكامل الاقتصادي يتطلب بناء مصانع مشتركة وشركات تصدير لمنتجات تلك المصانع
تحديات
وكان الأمين العام لمجلس التعاون الخليجي جاسم البديوي قد أقر بوجود «تحديات تواجه التكامل الاقتصادي الخليجي»، مشيرا إلى ضرورة «تجاوز هذه التحديات وتحويلها إلى فرص مهمة تحمل الخير لدول المنطقة».
وقال جاسم البديوي، في حديث لبرنامج «مخيال» بقناة السعودية إن التكامل الاقتصادي يحتاج إلى «مزيد من العمل والتنسيق، وتفعيل رؤية العاهل السعودي الملك سلمان بن عبد العزيز لتعزيز العمل الخليحي المشترك».
وفي يونيو العام 2023، اعتمدت القمة الخليجية التشاورية في جدة رؤية خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبد العزيز، لتعزيز العمل الخليجي المشترك.
يذكر أن الأمين العام السابق لمجلس التعاون الخليجي، عبد اللطيف الزياني، قد قال إن «قادة دول المجلس قرروا تشكيل هيئة خليجية مشتركة لتفعيل التعاون في الملفات الاقتصادية والتنموية لها صلاحيات كبيرة».
وتعتبر وزارة المالية الإماراتية على موقعها الرسمي أن «التكامل الاقتصادي أحد الأهداف الأساسية لمجلس التعاون لدول الخليج العربية وفقاً للنظام الأساسي».
دراسة تبرز أهمية التكامل الاقتصادي لدول الخليج
وكانت دراسة متخصصة صادرة عن مركز المعلومات بغرفة الشرقية التجارية السعودية، أكدت أن «التكامل الإقتصادي بين المملكة العربية السعودية ودول الخليج الأخرى يعد خياراً امثل لمواجهة التحديات التي تفرضها التغيرات الاقتصادية العالمية، نظراً للإيجابيات التي يتمتع بها هذا التكامل من حيث توسيع دائرة السوق أمام المنتجات ورؤوس الأموال، بجانب أنه يتيح فرصا جديدة للعمل بجانب استفادة المنتجين من المزايا النسبية التي يوفرها التكامل الاقتصادي بين الدول».
وكشفت الدراسة التي تحمل عنوان (تطور العلاقات التجارية بين المملكة العربية السعودية ودول مجلس التعاون الخليجي) بأن «دول المجلس قد رسمت طريقها نحو التكامل الاقتصادي بالاستناد إلى اتفاقية الوحدة الاقتصادية، التي حددت أشكال هذا التكامل من خلال إنشاء منطقة حرة للتجارة، الاتحاد الجمركي، السوق الخليجية المشتركة، والاتحاد النقدي الى جانب تنسيق السياسات الاقتصادية فيما بين دول المجلس».
ولفتت إلى أن «تطور التجارة البينية بين المملكة ودول المجلس خلال السنوات ما بين 2004 ـــ 2008م سواءً للمنتجات ذات المنشأ الوطني أو المنتجات الأجنبية التي يتم تبادلها بين المملكة ودول المجلس، مبينة مساهمة التجارة البينية ونموها بين المملكة ودول المجلس في ظل الاتحاد الجمركي في تعزيز جهود دول المجلس نحو تحقيق التكامل الاقتصادي».
ودعت إلى تنويع المنتجات والاستفادة من المزايا النسبية لبعض المنتجات المتوفرة لهذه الدول، التي تشكل العمود الفقري لمنتجات التقنية الحديثة مما يساعد على إيجاد منتجات جديدة تلبي احتياجات المستهلكين بأسواق هذه الدول ويعزز من التكامل الاقتصادي فيما بينها.