طبول غزو رفح تستدعي تحذيرات مصرية لإسرائيل
بينما تشير الدلائل وتقارير متواترة إلى أنّ بدء إسرائيل عملية عسكرية في رفح بجنوب قطاع غزة مجرّد مسألة وقت، تعالت تحذيرات القاهرة من تداعيات ذلك، فيما لم يستبعد مصدر أمني مصري رفيع المستوى خيار «تعليق العمل باتفاقية السلام» بين البلدين ردا على عملية كهذه.
وتقول مصر إنّ شنّ إسرائيل عملية عسكرية برية في مدينة رفح جنوب قطاع غزة سيهدد حياة أكثر من 1.5 مليون فلسطيني نزحوا إلى المدينة بسبب الهجوم الإسرائيلي الواسع النطاق على قطاع غزة، والمستمر منذ السابع من أكتوبر تشرين الأول.
وتتركّز محددات الموقف المصري في تأكيدات الرئيس عبد الفتاح السيسي في أكثر من مناسبة حول عدم السماح بتهجير الفلسطينيين من غزة إلى سيناء والتحذير من العواقب الخطيرة لاجتياح إسرائيل رفح والمطالبة بضرورة الوقف الفوري لإطلاق النار في القطاع.
وأفادت صحيفة (تايمز أوف إسرائيل) أمس الخميس بأن رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو أكّد لعائلات جنود محتجزين في غزة أنّ إسرائيل «تستعدّ لدخول رفح» ولن تترك أحدا من جنودها هناك. ونقلت الصحيفة عن بيان لمكتب نتنياهو قوله إنّ الضغط العسكري وحده هو الذي سيضمن تحرير المحتجزين، مضيفا «استمرار الضغط العسكري، الذي نمارسه وسنظل نقوم به، هو ما يضمن عودة الجميع».
وفي السياق، ذكرت القناة 12 الإسرائيلية أن جيش الاحتلال الإسرائيلي يستعد لشن هجومه البري على مدينة رفح حال انهيار مفاوضات تبادل الأسرى والمحتجزين، مشيرة إلى أنّ نتنياهو أمر بشراء 40 ألف خيمة من الصين لنصبها في غزة تمهيدا للعملية البرية في رفح. ورغم الرفض الأميركي المعلن لعملية إسرائيلية في رفح، فقد ذكرت صحيفة (وول ستريت جورنال) الأميركية أن الاجتماعات التي عُقدت خلال اليومين الماضيين بين وزير الدفاع الإسرائيلي يوآف غالانت وكبار المسؤولين في البيت الأبيض ووزارة الدفاع ناقشت سُبُل حماية المدنيّين خلال عمليّة عسكريّة في رفح، وليس منع هذه العمليّة.
من جهتها، نقلت شبكة (سي.إن.إن) الإخبارية عن جنرال أميركي كبير يوم الجمعة القول إن إسرائيل لم تحصل على كل ما طلبته من أسلحة أميركية. ونسبت الشبكة الأميركية لرئيس مجلس هيئة رؤساء الأركان المشتركة تشارلز براون القول «ندعمهم بقدرات كبيرة، لكنهم لم يحصلوا على كل شيء طلبوه». وأضاف «أحد الأسباب هو مطالبتهم بأشياء لا يمكن توفيرها لهم في الوقت الحالي أو أشياء لا نرغب في حصولهم عليها الآن بشكل خاص».
ولم تنجح الوساطة التي تقودها مصر وقطر بدعم أميركي حتى الآن في الوصول إلى اتفاق لوقف إطلاق النار وتبادل الأسرى والمحتجزين بين حماس وإسرائيل، وتسود حالة من الترقّب لنتائج المباحثات الجارية في قطر. وكانت تلك الوساطة قد نجحت في 24 نوفمبر الماضي في إقرار أوّل هدنة بالقطاع، والتي دامت أسبوعا واحدا، وجرى خلالها إطلاق سراح 105 من المحتجزين في قطاع غزة مقابل 240 أسيرا فلسطينيا في سجون الاحتلال الإسرائيلي.
تعليق اتفاقية السلام بين مصر وإسرائيل
في السياق، أبلغ مصدر أمنيّ مصريّ رفيع المستوى وكالة أنباء العالم العربي بأنّ مصر ترفض رفضا قاطعا اجتياح إسرائيل لرفح، لما يشكله هذا الاجتياح من تهديد لمعاهدة السلام بين البلدين المبرمة في عام 1979. وقال المصدر «موقف مصر الرافض لعمليّة عسكرية في رفح يتّسق مع الرفض الدولي والعربي لهذه العملية، خاصة بعد موافقة مجلس الأمن على قرار يقضي بوقف فوري لإطلاق النار في غزة دون فيتو أميركي».
واستبعد المصدر قيام إسرائيل بعمليّة بريّة واسعة النطاق في رفح، قائلا «أقصى ما يمكن أن تقوم به إسرائيل هو عمليات نوعية دون القيام بعمليات اقتحام واجتياح بري للمدينة».
وحول خيارات مصر حال إصرار إسرائيل على اجتياح رفح، قال المصدر إنها «تملك العديد من الخيارات للرد، ومن بينها تعليق العمل باتفاقية السلام، لكن لكل حادث حديث». وأرجع المصدر رفض مصر اجتياح رفح إلى «الدعم الدائم للأشقاء الفلسطينيين»، وما قد يسببه ذلك من تهديد لحياة مئات الآلاف من النازحين في المدينة.
ومضى قائلا «اجتياح رفح، التّي تعد الملاذ الأخير لمئات الآلاف من سكان غزة، قد يتسبب في عملية نزوح باتجاه الحدود المصرية، وهذا يشكّل تهديدا للأمن القومي المصري، هذا بالإضافة إلى أنّ تواجد قوات إسرائيلية كبيرة في محور فيلادلفيا يعدّ انتهاكا لاتفاقية السلام». وأضاف «تهجير الفلسطينيين إلى مصر أو وجود عسكري إسرائيلي في محور فيلادلفيا خطّ أحمر لن تسمح مصر بتجاوزه».
ويمتدّ محور فيلادلفيا على طول الحدود المصرية مع القطاع بطول 14 كيلومترا كمنطقة عازلة بموجب معاهدة السلام الموقّعة بين مصر وإسرائيل عام 1979. وانسحبت إسرائيل من تلك المنطقة في عام 2005 بموجب خطة رئيس الوزراء الإسرائيلي آنذاك أرئيل شارون، التي غادرت بموجبها القوات الإسرائيلية كل قطاع غزة وتم تفكيك المستوطنات. ووقعت إسرائيل مع مصر في ذلك العام (اتفاق فيلادلفيا) ليكون ملحقاً لاتفاقية السلام.
مصر ترفض تهجير الفلسطينيين
من جانبه، يرى خالد عكاشة، مدير المركز المصري للفكر والدراسات الاستراتيجية، أنّ إسرائيل قد تلجأ لاجتياح رفح في إطار بحثها عن تحقيق أي انتصار في حربها على غزة. وقال عكاشة لوكالة أنباء العالم العربي إن «عملية إسرائيل في رفح قد تكون تكرارا لما حدث خلال اجتياح خان يونس وغزة، لكنها لن تحقق أي انتصار كما هو حال عملياتها السابقة».
وأضاف عكاشة «إسرائيل حريصة على عدم إغضاب مصر، وسوف تقوم بنقل النازحين في رفح إلى وسط وشمال قطاع غزة لتجنب أي عمليات تهجير إلى مصر». وقال "مصر أكدت في السابق رفضها لتهجير الفلسطينيين إلى سيناء، وأعتقد أنّ هذه القضية محسومة، ولا يمكن أن تفكر فيها إسرائيل مرة أخرى.. .اجتياح رفح ليس له أي علاقة بتهجير الفلسطينيين».
وكانت وزارة الخارجية المصرية قد حذّرت يوم الأحد من إقدام إسرائيل على تنفيذ عملية برية في رفح نظرا «لعواقبها الإنسانية الوخيمة التي ستلحق بالمدنيين الفلسطينيين الذين لجأوا إلى رفح باعتبارها الملاذ الآمن الأخير داخل القطاع"، قائلة إن ذلك سوف «يعكس عدم الاكتراث بأرواح المدنيين الأبرياء، ويُعد مخالفةً جسيمةً للقانون الدولي والقانون الدولي الإنساني».
وخاضت مصر وإسرائيل عدة حروب، كان آخرها حرب أكتوبر عام 1973، وانتهت حالة الحرب بين البلدين بتوقيع معاهدة السلام لعام 1979 بوساطة أميركية، والتي أذنت بتطبيع العلاقات الثنائية وحدّت من الانتشار العسكري على جانبي الشريط الحدودي.