هل تختفي حرفة التلّي الإماراتية؟
منذ القدم، تمارس النساء الإماراتيات حرفة نسيج يدوي لإنتاج أشرطة مجدّلة ملوّنة ولامعة، تحاك على ياقات الأثواب التقليدية وأطراف الأكمام والسراويل النسائية.
ومع مرور الزمن باتت التلّي تُطرّز على منتجات أخرى مثل الحقائب، لكن لا توجد معلومات دقيقة حول الفترة الزمنية التي نشأت خلالها الحرفة، ورغم الجهود المبذولة للحفاظ عليها، يتخوّف البعض من فقدانها.
حيث من النادر رؤية طابع تقليدي في شوارع الدولة الخليجية المعروفة بناطحات السحاب وغزو الرقمنة لكل مفاصل الحياة فيها، إذ يشكّل الأجانب حوالى 90% من سكان الإمارات البالغ عددهم 10 ملايين.
شابة ترغب في تعلّم حرفة «التلي» التقليدية
بأنامل مصبوغة بالحنّاء، تجدّل الإماراتية مريم الكلباني خيوطًا مختلفة لتصنع تصميمًا فريدًا تُزيَّن به الملابس، أمام عيون شابة ترغب في تعلّم حرفة «التلي» التقليدية المدرجة على قائمة اليونسكو للتراث الثقافي غير المادي للبشرية، وفق وكالة «فرانس برس».
وتقول مريم التي تدرّب تلميذات وطالبات منذ 15 سنة، لوكالة فرانس برس إن «الهدف من ذلك إحياء التراث للجيل المقبل»، معتبرةً «أنها حرفة أجدادنا وأهلنا، فإذا لم نبادر ونعرفهنّ (الشابات) عليها ستندثر».
التعليم يكون نظريًا في البداية وبعدها سمعيًا ثمّ لمسيًّا
في أحد أكشاك «مهرجان الحرف والصناعات التقليدية» في منطقة العين في إمارة أبوظبي، تراقب طالبة المحاسبة ريم الكتبي (23 عامًا) يدَي الحرفيّة السبعينية وهي تنسج على مخدّة مدوّرة تسمّى «موسدة» مثبّتة أمامها على حامل معدني، خيوطًا، أحدها فضيّ اللون. وتؤضح مريم التي ترتدي عباءةً سوداء وبرقعًا ذهبيًّا تقليديًا، أن التعليم «يكون نظريًا في البداية وبعدها سمعيًا ثمّ لمسيًّا».
وعلى الجانب الآخر، تحاول ريم أن تحفظ الخطوات التي تعدّدها المدرّبة لتعيدها بدورها وتؤكد أنها بدأت تتعلّم العام الماضي لتصنع تصاميم لنفسها، لكنها تتوقف في فترة الدراسة، وتقول: «كل مرة أرى فيها (التلي) أتذكر الهوية الإماراتية، هذا شيء نادر ومميز».
ويؤكد خبير التراث الثقافي في معهد الشارقة للتراث في الإمارات محمد حسن عبد الحافظ لفرانس برس أن «هناك في مجال التراث الثقافي غير المادي صعوبة كبيرة في تحديد تاريخ العنصر أو متى بدأ تاريخيًا بالضبط»، لكنّه أشار إلى أن ضمن شروط تسجيل الحرفة على لائحة اليونسكو أن تكون تناقلتها أجيال متعددة «أقلّه من الأجداد وصولًا إلى الأحفاد».
وتتقن الحرفيّة مريم فن التلي منذ كانت مراهقة، وتؤكد أن بناتها لم يتعلّمنَ الحرفة منها، بينما حفيدتها البالغة ثلاثة أعوام، تتربّع إلى جانب جدّتها أرضًا وهي تضفّر الخيوط، وتطرح أسئلة كثيرة عليها، وتقول إن إتقان التلي لا يحصل «بساعة أو ساعتين، فيمكن أن يستغرق سنة أو سنتين، لو يحصل التدريب في حصّة واحدة أسبوعيًا».
وربما يصل عدد الخيوط المستخدمة إلى خمسين، أما أبسط التصاميم فتُصنع من ستّة خيوط وقد يستغرق إنتاج متر واحد فقط منه، ثلاث ساعات.
لسنَ مهتمّات كثيرًا
فيما ترى ريم أن الشابات راهنًا «لسنَ مهتمّات كثيرًا» بالتعلّم، لكنّها تعتبر أن «الحفاظ على الحرف الإماراتية والتراث الإماراتي من حبي للبلاد وكي يبقى أثرها موجودًا».
في الساحة الرئيسية في موقع المهرجان، تشاهد الأميركية كايتي غايمر (35 عامًا) رجالًا يؤدون رقصة «العيالة» التراثية حاملين عصي الخيزران أو بنادق خالية من الذخيرة، على وقع أغانٍ شعبية حماسية.
وتقول كايتي وهي مدرّسة، إنها صنعت مع صديقاتها مؤخرًا في «معرض خاص لتعليم التلي» مجانيًا، أساور واصفةً التجربة بـ»الممتعة».
في أنحاء أخرى من المهرجان، تصنع نساء حرفًا مختلفة بينها «السدو» الذي يُستخدم في حياكة الخيام والسجاد ورِحال الإبل وهو أيضًا مدرج على قائمة اليونسكو للتراث الثقافي غير المادي منذ 2011.
تبيع أخريات منتجات تقليدية وبينهنّ طالبة علم النفس ليلى اليحيائي (22 عامًا) التي تساعد والدتها الطبيبة البيطرية، في تسويق عباءات ومنتجات أخرى زيّنتاها بالتلّي. وتقول إنهما تساهمان في المحافظة على الحرفة «من خلال الهواية».
بينما تستفيد ليلى ووالدتها من الأكشاك المجانية التي تقدّمها السلطات ضمن مبادرة «سجل أبوظبي للحرفيين» الرامية إلى حماية الحرف التقليدية، وفق «فرانس برس».
وتقول رئيسة قسم تطوير الحرف والصناعات التقليدية بالإنابة في دائرة الثقافة والسياحة في أبوظبي عايشة الظاهري إن السجل «عبارة عن مسح ميداني لإمارة أبوظبي.. .نسجل فيه كل الحرفيات». بعد التقييم، يُمنحن شهادات ورخصًا ويصبحن مؤهلات للمشاركة في فعاليات ولنقل الحرفة للجيل الشاب.
التلي من الحرف القابلة للاندثار
وتشير إلى أن حرفة التلي التي أُدرجت أواخر 2022 على قائمة اليونسكو، «تُعتبر من الحرف القابلة للاندثار لذا حاولنا أن نستعجل للمحافظة عليها عن طريق إقامة دورات تدريبية».
وأحد أهداف المبادرة تطوير استخدام التلي لمواءمته مع العصر. وتعرض كلثوم المنصوريّ حقائب ومباخر وأساور وقلائد وميداليات وحلقات مفاتيح مزيّنة بالتلي في متجرها.
عند مدخله، تجدّل الثمانينية الخيوط أمام المارّة وتعتبر أن الشابات لا يرغبنَ في التعرّف على التراث لأنهنّ لاهيات «بالألواح الإلكترونية والهواتف». وتضيف أن التراث «يجب أن يتجدد»، سائلةً «كم سنعيش نحن؟».
ويوضح عبد الحافظ أن الإمارات اهتمّت بالحفاظ على «أنماط الحياة الاجتماعية (التي كانت موجودة) قبل تأسيس الاتحاد عام 1971.. .حتى بعد هجوم الحداثة ومرحلة اكتشاف النفط ورغم كل المتغيرات الاجتماعية».
اقرأ أيضا:
قفزة غير مسبوقة في ناتج محلي أبو ظبي.. الرقم مفاجأة
شرطة الاحتلال تعتقل شقيقة إسماعيل هنية بتهمة «الإرهاب»
حسام موافي: كاتب علماني هاجمني بسبب صلاة الفجر والنجاة من الجلطات
وتؤكد الإماراتية سالمة الكعبي، الأربعينية التي لم تتعلم حياكة التلي، أن التجار نقلوا الحرفة إلى المشاغل «فأصبح شراؤها أسهل، الجميع يرتديها لكن ليس الجميع يصنعها»، وتضيف أن «المهرجانات والمدارس ربما ما زالت تذكّر فيها، لكن هناك خوف من أن نراها يومًا ما في متحف».