الهجوم الإيراني ينعش «دبلوماسية الهاتف» الخليجية
تسارعت الجهود الدبلوماسية من جانب دول خليجية لمنع اندلاع حرب إقليمية شاملة، في أعقاب الضربات التي شنتها إيران على إسرائيل لأول مرة منذ تأسيسها، وعبر ما يعرف بـ«دبلوماسية الهاتف» سعت دول المنطقة إلى الدعوة لضبط النفس ونقل رسائل بين أميركا وإيران، خشية أن يؤدي التصعيد الجديد إلى وضعها في مرمى النيران أو أن تكون عرضة لخطط الخراب الرامية لإعادة تشكيل المنطقة.
وقد تكون السعودية والإمارات على وجه الخصوص في وضع جيد لأداء دور بين إيران وإسرائيل والولايات المتحدة بعد التقدم الدبلوماسي الذي تحقق في السنوات القليلة الماضية واستفادت منه جميع تلك البلدان، وفق تقديرات وكالة رويترز. وتسعى دول الخليج الحليفة لواشنطن إلى تحقيق الاستقرار في العلاقات مع إيران وإسرائيل لوضع حد للمخاوف الأمنية القائمة منذ فترة طويلة كي يتسنى لها التركيز على مشروعاتها الداخلية.
ووقعت الإمارات والبحرين اتفاقين لتطبيع العلاقات مع إسرائيل في عام 2020، وكانت السعودية تدرس اتفاقا مماثلا يتضمن كذلك اتفاقا دفاعيا مع الولايات المتحدة إلى أن أطاح العدوان على غزة بالجهود الدبلوماسية في هذا الصدد.وأنهت الرياض خلافاتها مع إيران العام الماضي بعد أن ظلت قائمة لسنوات.
سمو وزير الخارجية الأمير #فيصل_بن_فرحان @FaisalbinFarhan يتلقى اتصالاً هاتفياً من وزير الخارجية الأمريكي pic.twitter.com/kltvV7zwD4
— وزارة الخارجية 🇸🇦 (@KSAMOFA) April 14, 2024
غير أن سياسة الوفاق تلك تواجه الآن أكبر تهديد لها على الإطلاق بعد أن بلغ الخطر ذروته على السلام في المنطقة الأوسع عقب اندلاع العدوان الإسرائيلي على غزة في أكتوبر الماضي. وقد يتسع نطاق الحرب المباشرة بين إسرائيل وإيران بسرعة ليشمل دول الخليج التي يقع مجالها الجوي بين البلدين، والتي تستضيف عدة قواعد عسكرية للولايات المتحدة التي تعهدت بالدفاع عن حليفتها إسرائيل.
وقال مصدر خليجي مقرب من الدوائر الحكومية لوكالة رويترز «لا أحد يريد التصعيد.الجميع يريد احتواء الوضع»، مضيفا أنه من المحتمل أن جهودا دبلوماسية واسعة النطاق جارية عبر اتصالات هاتفية. وأضاف المصدر «لا يقع الضغط على إيران وحدها. الضغط الآن على إسرائيل حتى لا ترد»، مضيفا أن تداعيات أي هجوم إسرائيلي على مواقع إيرانية مهمة «ستؤثر على المنطقة برمتها».
وقال مصدر خليجي آخر مطلع على وجهات النظر الرسمية إن دول الخليج والعراق والأردن تحث كلا من إيران والولايات المتحدة، الداعم الرئيسي لإسرائيل، على عدم التصعيد.وقال المصدران إن واشنطن تضغط بالفعل على إسرائيل لممارسة ضبط النفس. وأضاف المصدر المطلع أن الولايات المتحدة تستخدم في الوقت نفسه دول الخليج لإيصال رسائل إلى إيران بعدم مواصلة التصعيد.وقال المصدر «الواضح أن الخليجيين مستخدمين كحملة رسائل من قبل الأميركيين والإيرانيين. وفيه اتصال مباشر بين السعودية وإيران لضبط الأمور».
سمو وزير الخارجية الأمير #فيصل_بن_فرحان @FaisalbinFarhan يتلقى اتصالاً هاتفياً من وزير الخارجية الإيراني pic.twitter.com/J4Pta8HIIV
— وزارة الخارجية 🇸🇦 (@KSAMOFA) April 14, 2024
وطلبت رويترز تعليقا من السعودية والإمارات بشأن كيفية تعاملهما مع الأزمة. غير أن المصادر والمحللين في الخليج يعتقدون أن اللحظة الأكثر خطورة ربما تكون قد مرت.
دبلوماسية الهاتف الخليجية
وخلال الأربع والعشرين ساعة الماضية تسارعت ما تعرف بـ«دبلوماسية الهاتف» بين دول خليجية وأطراف الصراع، إذ تلقي وزير الخارجية الأمير فيصل بن فرحان بن عبد الله تلقى اتصالا هاتفيا من نظيره الإيراني حسين أمير عبد اللهيان وقالت وزارة الخارجية السعودية في بيان «جرى خلال الاتصال بحث تطورات الأوضاع في المنطقة، والتصعيد المتزايد على خلفية الأزمة في قطاع غزة وتداعياتها». وذكرت وسائل إعلام رسمية قطرية أن وزير الخارجية محمد بن عبد الرحمن بن جاسم آل ثاني أجرى اتصالا هاتفيا أيضا مع أمير عبد اللهيان عبر فيه عن «قلق دولة قطر البالغ إزاء تطورات الأوضاع في المنطقة، داعيا جميع الأطراف إلى التهدئة وممارسة أقصى درجات ضبط النفس».
في المقابل، وقالت وزارة الخارجية الأميركية إن الوزير أنتوني بلينكن ناقش الهجوم الإيراني على إسرائيل في اتصالات منفصلة مع نظرائه الأردني والسعودي والمصري والتركي يوم الأحد.وأكد بلينكن مجددا أن الولايات المتحدة لا تريد التصعيد وستواصل دعم الدفاع عن إسرائيل. كماذكرت وسائل إعلام رسمية عراقية أن ولي عهد السعودية الأمير محمد بن سلمان ورئيس الوزراء العراقي محمد شياع السوداني بحثا في اتصال هاتفي اليوم الأحد سبل تجنيب المنطقة اتساع رقعة الصراع وجهود التخفيف من مخاطر التصعيد.
ويقول عبد العزيز بن صقر رئيس مركز الخليج للأبحاث المقرب من الدوائر الحكومية، إن «الإيرانيين نفذوا هجومهم»، مشيرا إلى أن مرحلة التصعيد قد انتهت بالنسبة لطهران. وأضاف أن «واشنطن لا تريد تصعيدا من إسرائيل».
سمو #ولي_العهد يتلقى اتصالاً هاتفياً من رئيس الوزراء العراقي، بحثا خلاله أعمال التصعيد العسكري الأخير في المنطقة وخطورة انعكاساته على الأمن والاستقرار، والتأكيد على أهمية بذل ما يلزم من جهود لمنع تفاقم الأوضاع وتجنيب المنطقة مخاطر التصعيد. pic.twitter.com/yJDo9TpN1h
— وزارة الخارجية 🇸🇦 (@KSAMOFA) April 14, 2024
حدثت الكثير من الوقائع في الآونة الأخيرة التي تعيد التذكير بالمخاطر التي تحيق بدول الخليج. وأعلنت إيران أول من أمس السبت احتجاز سفينة شحن في مضيق هرمز، وهو ممر مائي ضيق يمر عبره معظم صادرات الطاقة من دول الخليج، وهددت بإغلاق جميع ممرات الشحن هناك. وفي الوقت نفسه، تشن جماعة الحوثي اليمنية المتحالفة مع إيران هجمات متكررة على حركة الملاحة وأطلقت في الأشهر الماضية طائرات مسيرة باتجاه إسرائيل بعيدا عن المجال الجوي السعودي.
وخاضت السعودية قتالا ضد جماعة الحوثي استمر لسنوات إلى أن اتخذت خطوات نحو اتفاق سلام في ديسمبر. وهاجم الحوثيون منشآت الطاقة الرئيسية في السعودية عدة مرات خلال السنوات المنصرمة قبل دفع محادثات السلام قدما العام الماضي، لكن لا يزال بمقدورهم القيام بذلك مجددا.
وقصف الحوثيون في 2019 منشآت رئيسية سعودية تتعامل مع غالبية إنتاج النفط الخام في المملكة، وفي عام 2022 هاجموا ثلاث شاحنات تنقل النفط في الإمارات. وقال المصدر «سعر النفط هيرتفع بيأثر على حركة النفط بمضيق هرمز. بيرتفع السعر بدرجة كبيرة جدا بسبب انخفاض الكميات المعروضة»، موضحا النتائج المحتملة في حال شن حرب أوسع نطاقا في المنطقة.
طموحات محمد بن سلمان
ويحاول ولي عهد السعودية الأمير محمد بن سلمان، الحاكم الفعلي للملكة، منذ سنوات التركيز على رؤيته الطموحة المتمثلة في تطوير مشاريع ضخمة في السعودية بعيدا عن الوضع الجيوسياسي.
وقال المحلل السعودي عزيز الغشيان إن الطموحات الاقتصادية للملكة تأتي في صميم مساعيها الرامية إلى تحقيق انفراجة في العلاقات مع إيران، لكنه أوضح أن المملكة لا تزال قلقة للغاية أيضا بشأن الوضع الأمني. وأضاف «الأمر لا يتعلق فقط بالمشاريع في منطقتنا المزدهرة… فهي (السعودية) لا تريد أن تصبح عالقة في مرمى النيران المتبادلة بين إسرائيل وإيران والولايات المتحدة».
رئيس مجلس الوزراء وزير الخارجية @MBA_AlThani_ يجري اتصالا هاتفيا مع وزير الخارجية الإيراني#الخارجية_القطرية pic.twitter.com/BreCnPmADz
— الخارجية القطرية (@MofaQatar_AR) April 14, 2024
وتعرضت سياسات الوفاق لضغوط بالفعل بسبب الحرب في غزة. ووقعت الإمارات والبحرين اتفاقي سلام مع إسرائيل في 2020 ضمن ما يعرف باسم “اتفاقيات إبراهيم”، وكانت السعودية تدرس أن تحذو حذوهما مقابل التزامات أمنية أمريكية.
وأنهت السعودية وإيران العام الماضي خلافا استمر عقودا وأجج التوتر في أنحاء المنطقة بعد أن وقعتا اتفاقا لاستعادة العلاقات الدبلوماسية وتجنب الإضرار بمصالح كل منهما. لكن الدمار في غزة عرقل اتخاذ تحركات جديدة نحو السلام مع إسرائيل وسط مخاوف في الخليج بسبب دعم إيران لحلفائها في المنطقة الذين استهدفوا قواعد أمريكية في العراق وأماكن أخرى.
ويقول الغشيان إن الرياض وأبوظبي ستتأكدان من نجاح سياستهما في حال نجحت حالة الوفاق في السماح لدول الخليج بتهدئة التوترات في المنطقة. وأضاف «لو لم يكن هناك تطبيع وتقارب سعودي إيراني، كانت السعودية ستصبح أكثر قلقا الآن».
اقرأ المزيد:
«خليجيون»| هل يتحول «الصبر الاستراتيجي» الإيراني إلى «حرب شاملة»؟
علاء مبارك: الهجوم الإيراني فيلم هابط والمكاسب لإسرائيل
اتصالات سياسية وعسكرية رفيعة المستوى بين الرياض وواشنطن.. ما الهدف منها؟