انتبهوا أيها السادة حتى لا نندم على ضياع الفرص
قبل أيام قليلة، صدر أمر أمير البلاد الشيخ مشعل الأحمد - حفظه الله - بتعيين الشيخ أحمد عبد الله الأحمد رئيساً للوزراء، ومن منبري هذا أتقدم له بخالص التهاني والتبريكات، متمنيا له التوفيق والسداد، فالأمانة ثقيلة لكنني على يقين وثقة بأنه على قدر المسؤولية وسيتمكن بحول الله من قيادة سفينة الحكومة إلى بر الأمان، من أجل صالح البلاد والعباد.. ولكن!!
بداية أقولها بكل صراحة، لقد مللنا بل و«تعبنا» من تغيير الحكومات والمجالس وتشكيل الوزارات، لأن عدم الاستقرار هو الباب الواسع لإغفال الكثير من الملفات المهمة، وتعطيل لمصالح المواطن، الذي من حقه أن يحلم بوطن يحيا فيه بالشكل اللائق، خصوصا وأننا أمة حباها الله بالكثير من النعم، التي يحسدنا عليها غيرنا.
إن الكويت تمر بفترات عصيبة ليست وليدة اليوم، فضلا عن الاضطرابات التي يشهدها العالم ككل، وخصوصا منطقتنا ومحيطنا وجوارنا المشتعل بالحروب والصراعات، إضافة إلى سيل من العقبات الاقتصادية الكبيرة التي تعصف بعالمنا اليوم.
وعلى المستوى الداخلي، أرى أن أكبر المشكلات التي نواجهها اليوم، هي «تعطيل» شبابنا مداد هذه الأمة ومستقبلها، فكثير من أبنائنا بلا وظائف، ومعظمهم يجلس في بيته بلا عمل، رغم ما أنفقته الدولة على تعليمهم وإعدادهم لحمل راية الكويت في مختلف المجالات.
أخي رئيس الوزراء، إن تعطيل هؤلاء الشباب إنما هو هدر لقدرات بشرية واقتصادية هائلة، تمثل بحق مستقبل الكويت، فبدلا من الاستفادة من هذه القوة البشرية، باتت تمثل عبئا على نفسها وعلى المجتمع، فالعمل هو السبيل الوحيد لاستيعاب هذه القدرات البشرية وتوظيفها في الاتجاه المناسب، لكن تركها بلا عمل يعني أننا نلقي بهم إلى طريق الهلاك، فالفراغ وعدم الشعور بالتقدير قد يدفع الإنسان إلى أتون الغضب والسير في اتجاه الخطأ.
وهناك ملف آخر لا يقل خطورة عن ملف تعطل شبابنا، وهو ملف الطائفية البغيضة، التي أراها باتت تضرب مجتمعنا في مقتل ولا أعرف كيف للدولة أن تترك هذا «الغول» ليكبر وينمو ويتوحش حتى يأتي اليوم الذي يلتهمنا جميعا ويشق صفنا.
لقد نشأت في منطقة الشرق، ومنذ كنت طفلا حتى أصبحت شابا في الثامنة عشر من عمري، لم أكن قد سمعت بأن هذا شيعي وذاك سني، ولم يكن من ثقافتنا أن نفرق بين هذا وذاك، فكلنا مواطنون وكلنا أخوة.. كلنا رفاق.. كلنا أهل وعائلة واحدة، فرحنا واحد وحزننا واحد.
أتذكر مثلا في عاشوراء، كان أبي - رحمة الله عليه - يقول لا تطبخوا اليوم، فالطعام سوف يأتينا من حسينية معرفي اليوم، وغدا من حسينية الشمالي.
كنا نأكل في الصحن نفسه، ونشرب من الكوب نفسه، لا طائفة ولا قبيلة، بل لم نكن حتى نعرف تلك المسميات والحركات التي خرجت علينا من رحم «السياسة» تحت مسميات عدة كالثمانين والحركة الوطنية وغيرها!
أنا هنا لا أهاجم الأفكار والحق في ممارسة السياسة، لكن العقل يقول إن لكل مجتمع خصوصيته، والعالم كله يعرف مثلا أن التجربة البرلمانية الكويتية هي الأنضج والأقوى في منطقتنا، لكن الأمر مؤخرا خرج عن السيطرة وزاد عن الحد، إذ تحول من الحق في ممارسة السياسة إلى مساحة من التحزب والفرقة لا لصالح الوطن والمواطن، بل لصالح شخصيات بعينها وجهات بعينها وكأننا نسعى لتكوين مراكز قوى وتحويل الوطن إلى فرق..
يا سادة، أقولها وبكل صراحة وكما يقال «رزقي على الله»، فإن بعض النواب في المجالس السابقة إنما تحولوا إلى نواب الوزير الفلاني والجهة الفلانية، يأتمرون بأمر فلان وينفذون أجندته ولو على حساب الوطن!!
إخواني، إن الكويت يحتاج منا أن نتحد تحت راية واحدة، وأن نلتف حول أميرنا حفظه الله وسدد خطاه، وعلينا ألا نستمع إلى الإشاعات والأكاذيب، بل يجب أن نتعامل بروية وهدوء وأن نعقل الأمور ونزنها بميزان العقل.
وهنا يجدر بي أن أشير إلى نقطة مهمة، فمؤخرا استمعت إلى الكثير من أبناء الكويت يهللون ويعلنون تأييدهم لضرب إيران. يا سادة أقولها ودون تجميل، إن ضرب إيران هو ضرب للخليج، وخصوصا الكويت، فالنار لا تحرق بيتا وتترك الآخر.
هل تعلم عزيزي المواطن الكويتي أن 30% على الأقل من غذائنا واحتياجاتنا نستوردها من إيران؟!
هل تعرف أن إيران تعاملت تجارياً مع 6 دول في المنطقة، هي العراق والكويت وقطر والإمارات والبحرين والسعودية، ببضائع قاربت 61 مليون طن بقيمة 32 مليار دولار في السنة المالية الفائتة.
ربما لا تعرف أو تتناسى مثل هذه الحقائق، لكن من فضلك ولصالحنا جميعا، حمل نفسك بعض العناء وفكر في تبعات الأمور، فلا تسير مع السائرين دون تفكير في الحقائق والعواقب، فالأمر يتعدى حدود التعاون الاقتصادي والأمن الغذائي.
يا سادة، اختصارا، إننا نحتاج إلى فترة من الهدوء يسود فيها العقل وتغليب مصلحة الجميع على المصالح الشخصية، وأن يتفرغ نواب الأمة وكذلك الحكومة لتنفيذ أجندة الإصلاح والتنمية، والعمل على تشريع القوانين التي تعيد الأمور إلى نصابها الصحيح وتتعاطى مع احتياجات المواطن الذي له كل الحق في أن يحيا بكرامة وبشكل يليق وتاريخ هذه الأمة.
دعونا نهدأ ونفكر بعقل من أجل هذا الوطن ومن أجلنا نحن، دعونا نستفيد مما وهبنا الله من نعم ونسخرها للصالح العام، وليكن ذلك الآن وليس غدا، حتى لا نندم على ضياع الوقت والفرص.
وهمسة أخيرة لأخي الشيخ أحمد عبد الله الأحمد رئيس الحكومة، وأنا أعرفه شخصيا وأعرف كم هو على خلق ببشاشة وجهه واستقامته.. لا ترهبك تلك الاستجوابات والأسئلة التي سيمطرك بها بعض النواب الذين لا يفكرون في صالح الوطن، إنما يرغبون في تعطيلك عن القيام بمهامك، فاعقلها وتوكل ونحن معك من أجل الكويت وأهلها.