عودة هدير آلاف المصانع العراقية: تفاؤل بطعم الحذر
بدا مشهد افتتاح ثلاثة مصانع كانت معطلة في محافظة البصرة الغنية بالنفط في جنوب العراق مثار تفاؤل بعودة الحياة إلى المصانع المعطلة منذ أكثر من عقدين.
وخلال افتتاحه مصنع الدرفلة، أحد مصانع الشركة العامة للحديد والصلب في البصرة وكان متوقفا منذ 2003، في منتصف الشهر الماضي، أراد رئيس الوزراء العراقي محمد شياع السوداني «لصوت الماكينات أن يكون الأعلى»، كما قال بثقة عالية أمام مكبر صوت ومنصة وضعت للاحتفال هناك. لكن خلف هذا المشهد، يضع خبراء اقتصاد ورجال صناعة مجموعة من الصعوبات التي تخرس أصوات الماكينات وتوقف العجلات.
فمنذ الغزو الأميركي للعراق في عام 2003، كتبت الحكومات المتعاقبة الموت لآلاف المصانع التي كانت تنتج سلعا صار العراق يستوردها الآن. وعلى الرغم من عدم نفي خبراء تحدثوا إلى وكالة أنباء العالم العربي التوجه الحكومي لتفعيل الصناعة مجددا، فإنهم أكدوا أن إرادات دولية وإقليمية تقف أمام هذا التوجه لإبقاء دوران عجلة الاستيراد.
الصناعة العراقية والغزو الأميركي
وقال الاستشاري في التنمية الصناعية عامر الجواهري «العراق قبل 2003 كان يمتلك معامل (مصانع) مختلفة كانت تحقق الاكتفاء الذاتي، لكن بعد الغزو الأميركي توقفت تلك المعامل وأصبحت شركات خاسرة تدفع رواتب للموظفين بلا أي عمل حقيقي».
وأضاف الجواهري «توقف المعامل والمصانع أضر بالاقتصاد العراقي كثيرا وأضعفه فالاعتماد أصبح على الاستيراد كليا، وهذا الاستيراد أثر في الوضع المعيشي للمواطنين، كون المواد التي تستورد تباع بأسعار عالية وبفرق كبير عما إذا كان يتم تصنيعها محليا».
وأكد استشاري التنمية الصناعية أن تفعيل المصانع «يحتاج بالأساس إلى وجود إرادة حكومية وسياسية ومنع أي تدخلات بهذا الملف»، معربا عن اعتقاده أن «هناك توجها حكوميا حقيقيا لتفعيل وتشغيل المعامل والمصانع المتوقفة منذ سنين، وهذه الخطوة ستكون لها فوائد اقتصادية ومالية كبيرة لدعم خزينة الدولة».
وأعلن السوداني الشهر الماضي عن حزمة إجراءات أعطت زخما للقطاع الصناعي، وشجعت على تقديم 40 طلبا لإنشاء مصانع أدوية.
وعزا الخبير الاقتصادي ناصر الكناني توقف أغلب المصانع بعد عام 2003 إلى «أجندة سياسية إقليمية ودولية». وقال «هناك إرادة طيلة السنوات الماضية لقتل الصناعة الوطنية والاعتماد على الاستيراد.إيقاف المصانع العراقية بمختلف منتجاتها حقق مكاسب اقتصادية ومالية كبيرة لأغلب دول المنطقة من خلال سد النقص المحلي من خلال الاستيراد».
وأضاف «لذلك كانت هناك ضغوط مختلفة لإبقاء المصانع العراقية مغلقة والاستمرار بالاستيراد وهذا ما أضعف الاقتصاد العراقي بشكل كبير جدا». ولم يتسن الاتصال بالحكومة العراقية للتعقيب.
خطوة اقتصادية مهمة
وأوضح الكناني أن التوجه الحكومي الحالي لإعادة فتح المصانع المتوقفة «خطوة اقتصادية مهمة لكن لا يمكن تقييم هذه الخطوات في الوقت الحاضر والقول إنها دعائية أو حقيقية، فالجميع سيراقب عمل تلك المصانع وما ستقدمه لسد حاجة السوق المحلية، ثم يكون هناك تقييم لهذه الخطوة».
ولا توجد أرقام دقيقة عن أعداد المصانع في العراق، وتشير تقديرات غير رسمية إلى وجود أكثر من 25 ألف مصنع، إلا أن المتوقف منها أكثر من 20 ألفا. وتشكل المصانع الصغيرة قرابة 90 بالمئة من عدد المصانع المتوقفة، وهو ما يعكس ضعف الصناعة العراقية وهيمنة الصناعات التحويلية بدلا عن الاستراتيجية والثقيلة.
أما ما تمتلكه وزارة الصناعة العراقية قبل عام 2003 وبعد انضمام التصنيع العسكري إليها فبلغ تسعة آلاف مصنع، دمر أغلبها وأغلق كثير منها بعد الغزو الأميركي، ويقول خبراء إن ما تم معالجته خلال 19 عاما يبلغ خمسة بالمئة فقط.
وكانت المتحدثة باسم الوزارة ضحى محمد صالح قد قالت في مارس آذار إن عدد المصانع التابعة لوزارة الصناعة يبلغ 295 مصنعا، المتوقف منها 101 مصنع، لافتة إلى أن أغلب المصانع قديمة وانتهى عمرها الافتراضي.
اقتصاد هش بلا صناعة
يرى الخبير المالي أحمد التميمي أن عدم وجود صناعة حقيقية في العراق منذ سنوات خدم دول المنطقة، وخاصة إيران وتركيا. وقال التميمي «إيران وتركيا تسدان الجزء الأكبر من الاحتياجات المحلية التي كان العراق يصنعها ولديه اكتفاء ذاتي منها قبل 2003».
ويشير التميمي إلى أن «الناتج المحلي الإجمالي يفوق 260 مليار دولار سنويا، لكن القطاع الصناعي لا يسهم سوى بثلاثة في المئة فقط من إجمالي الناتج المحلي، ولهذا بقي الاقتصاد العراقي هشا، ويمكن أن يتعرض للانهيار في أي لحظة، لأنه بلا صناعة محلية».
ويضيف «السوق المحلية حتى الآن لم تلمس أي شئ بعد إعلان الحكومة الحالية افتتاح بعض المعامل والمصانع، فالاستيراد ما زال المسيطر على السوق المحلية، ومن غير المستبعد أن تكون خطوات الحكومة إعلامية أكثر مما هي حقيقية»، ويتابع «الفترة المقبلة سوف تثبت ذلك من خلال ما ستوفر تلك المعامل وما ستسد من نقص لاحتياجات المواطنين المختلفة».
ويستورد العراق معظم احتياجاته من دول الجوار، إضافة إلى استيراده من الصين أكبر المصدرين في العالم. ويعد العراق ثاني أكبر مستورد للبضائع الإيرانية بقيمة إجمالية بلغت 4.5 مليار دولار خلال النصف الأول من العام الماضي، في حين احتل المرتبة الخامسة لأكبر المستوردين من تركيا.
لكن عضو لجنة الاقتصاد والصناعة البرلمانية رقية النوري تحدثت عن جدية التوجه الحكومي لتفعيل وتشغيل المصانع المتوقفة منذ سنوات، قائلة إن هناك خطة حكومية بهذا الشأن وإن هذا الملف ضمن أولويات حكومة السوداني.
وأضافت «تفعيل المصانع يحتاج إلى وقت بسبب الإجراءات المالية وكذلك بعض الإجراءات الفنية، خاصة أن تلك المصانع والمعامل متوقفة منذ سنين فهي تحتاج إلى تطوير وتأهيل، والمرحلة المقبلة ستشهد افتتاح مزيد من المصانع والمعامل المختلفة والتي سيكون لها دور كبير في سد الاحتياج المحلي».
وتابعت قائلة «استمرار الحكومة في فتح المعامل والمصانع المتوقفة منذ عقود سيحقق للعراق الاكتفاء الذاتي في كثير من الاحتياجات المحلية، وهذا الأمر بالتأكيد سيقوي الاقتصاد الوطني، وسيجلب وفرة مالية لخزينة الدولة».
اقرأ المزيد:
الإمارات تلغي المخالفات المرورية لمواطني عمان خلال 5 سنوات
جريمة سرقة أعضاء بشرية تهز مصر
لغز رومي القحطاني.. هل تسعى السعودية لعرش ملكة جمال الكون 2024؟ (فيديو)