«محمد صباح السالم» جاء من غير.. زمنه!
قد أكون - ربما - الشخص الوحيد فى الكويت والجزيرة العربية، الذى لم يتفاجأ باعتذار سمو الرئيس الشيخ محمد صباح السالم على عدم قدرته- أو رغبته - فى الاستمرار بمنصبه!!
لم تربطنى معرفة سابقة به بل كانت علاقتى القوية جدا مع شقيقه الراحل سالم وزير الدفاع والداخلية والشؤون الأسبق ولم التق به إلا مرات قليلة قد لاتتجاوز اصابع اليد الواحدة!
تحدثنا عبر الهاتف - مرة واحدة - حين كان سفيرا فى واشنطن، لكنى كنت أتابعه عن بعد بعيون الصحافى والمحلل لأكتشف أن مشكلته الوحيدة تتمثل فى نظافة اليد ونقاء المنهج والبراءة …الزائدة!
أخبرنى صديق يعمل أستاذً معه فى جامعة الكويت أنه وضع على باب مكتبه لافتة كتب عليها: «اذا لم تكن يابانيا فلاتدخل»! جملة طريفة يقصد منها أنه يريد لقاء الأذكياء والعباقرة والمتفوقين، وليس طالبا غبيا رسب فى مادته ويريد منه أن يحول درجة الـF الى A مثلا!!!
كأنه وصلنا من المستقبل بآلة الزمن ليقود فريقا جاؤوا من الماضى ومن غير طينته
باختصار شديد: محمد صباح السالم ولد فى غير زمنه! كأنه وصلنا من المستقبل بآلة الزمن ليقود فريقا جاؤوا من الماضى ومن غير طينته، فكان لزاما أن نصل لتلك النتيجة: الرجل لايستطيع السير فوق طين الفوضى ولا السباحة فى مستنقعات الفساد! عندما استقال من منصبه كوزير للخارجية احتجاجا على أمور حدثت دون علمه ومن وراء ظهره، حاول أن يتصدى لذلك السيل من العفونة لكنه اكتشف أن الفساد المتراكم على مدى سنين طوال، حتى صار بقساوة الكونكريت المسلح ويقف خلف صنعه «عماليق» لهم اجساد بشر ونفوس ثعالب ومخالب ذئاب ولعاب سعار، هو أقوى منه بكثير وأن المواجهة لن تكون شجاعة، بل انتحارا فآثر الانسحاب إذ مثلما لا يختلط الزيت بالماء كذلك لاتمتزج الطهارة… بالنجاسة!
خسارة محمد صباح السالم لمنصبه أصغر بكثير من مصيبة خسارتنا - كشعب - به! شعب اشتاق الى رائحة «صابون الإصلاح يدعك بليفة الذمة من ذراع مخلصة»، جسد وطن امتلأ بالدمامل والبثور وتتساقط منه ديدان تستقبلها قاعات المحاكم وزنازين السجون والذى كنا ننتظره منذ أكثر من.. عقد!!
مشكلة البلد ليست فى تغيير الوزراء أو رؤساء الوزارات أو حل البرلمان تلو الآخر، بل فى تغيير ذلك النهج الذى ينفرد فيه وطننا عن سائر بلاد خلق الله إذ حين تكون دولة علمانية تديرها أحزاب دينية وباقتصاد شمولى تسيطر عليه نخبة مخملية بأطروحات فئوية فى إئتلاف مع عقلية قبلية، لا تنافسها إلا معتقدات طائفية فإنك أمام دولة «قرقيعانية» لن يصلحها حتى رئيس وزراء بجناحى ملاك تحت …بشته!!
———————————
السفيرة فى واشنطن «زين الصباح» إحدى أيقونات وزارة الخارجية ونشاطها فى عاصمة الدولة العظمى، صار معلما ومدرسة يتعلم ويسترشد بها صغار الدبلوماسيين / نتمنى لها المزيد من النجاح.