الأردن على مؤشّر حريّة الصحافة: طفرة.. تراوح مكانها
كان الأردن يحتلّ المرتبة 120 بين 180 دولة على المؤشر السنوي لحريّة الصحافة في عام 2022، الذي تصدره منظمة (مراسلون بلا حدود)، لكنّه تراجع في العام الماضي من أعلى مرتبة بلغها على هذا المؤشر إلى المركز 146، قبل أن يعوّض بعض خسائره ويصعد إلى المرتبة 132 على المؤشر.
وعلى الرغم من تقدّمه 14 درجة دفعة واحدة، بحسب التصنيف الذي صدر في اليوم العالمي لحريّة الصحافة في الثالث من مايو الجاري، يرى متخصصون أنّ الأردن ما زال يراوح مكانه في ملف حريّة الصحافة، بينما يعتبر آخرون أن التقدم الذي تحقق على المؤشّر العالمي كان نتاج مساحة كبيرة من الحريّة مُنحت للصحفيين في ممارسة عملهم.
ويرى خالد القضاة، نقيب الصحفيّين الأردنيّين، أنّ الأردن ما زال «يتذيّل الثلث الأخير.. .بينما لديه مقوّمات حقيقيّة للقفز إلى الثُلُث الأوّل من القائمة، حيث إنّ نظام الحكم مستقر، ونسبة التعليم مرتفعة، وخطاب الكراهية في أدنى مستوياته، وما يحتاجه هو الإرادة السياسيّة».
وقال القضاة في حديث لوكالة أنباء العالم العربي «علينا الأخذ بعين الاعتبار كلّ ما يُعيق تقدّم الأردن على سلّم الحريات، وإعادة النظر في قانون المطبوعات والنشر على أساس تعظيم الحريّات والحقوق، وليس معاقبة الناس على آرائهم».
في المقابل، يرى منذر جرادات، مسؤول الاتصال والعلاقات العامّة في هيئة الإعلام، أنّ حريّة الصحافة من الحقوق الأساسيّة المكفولة في الدستور الأردني، ويعتبر الأردن من الدول الرائدة في المنطقة العربية فيما يتعلّق بحريّة الصحافة وتشجيع التعبير الحُرّ عن الرأي.
وقال جرادات في حديث لوكالة أنباء العالم العربي إن «العديد من الصُحف ووسائل الإعلام تعمل على تغطية مختلف القضايا بحريّة وشفافيّة.. .نتيجة هذه الحريّة هي تقدّم الأردن 14 درجة في عام 2024 من بين 180 دولة يشملها المؤشّر».
حريّة نسبيّة في الأردن
وبينما يرى جرادات أنّ الصحفيّين في الأردن "يتمتّعون بحريّة كبيرة في التعبير عن آرائهم وآراء الآخرين.. .من خلال كتابة المقالات وإجراء المقابلات وتقديم التحليلات" فإنّ الحقوقيّ محمد قطيشات، المدير العام السابق لهيئة الإعلام، يعتبر أنّ حالة الحريّات الصحفيّة في الأردن خلال السنة الماضية "لم تختلف كثيرا عن حالتها في العقد الأخير".
وقال قطيشات في حديث لوكالة أنباء العالم العربي إنه «بغضّ النظر عن التقارير الدوليّة والدرجة التي حصل عليها الأردن، فإنّ هناك حريّة نسبيّة للصحافة، فالأردن قَطع خطوات إيجابية في السنوات الأخيرة، ومن المعيب أن نعود للخلف.. .ما بين تراجع وتقدّم بسيط، لا تزال الحريّة نسبية». أضاف «هناك العديد من القيود المفروضة على حريّة الإعلام، جزء منها تشريعيّ بالأساس.. .تحتاج هذه التشريعات تطويرا يضمن حقّ الوصول للمعلومات ونشرها».
ومن بين ما يصفها قطيشات بالقيود المفروضة على وسائل الإعلام «القوانين العقابيّة المتعددة، فالمادة الإعلاميّة الواحدة يُمكن أن تخضع لأكثر من قانون وتتعدد العقوبات فيها. ومن جهة أخرى، فإنّ هناك العديد من القيود التي تفرضها البيئة السياسيّة». وقال قطيشات «إذا أردنا حريّة إعلام حقيقيّة، فإننا نحتاج سياسة حكوميّة ثابتة تجاه الإعلام، هذه السياسة تتبدل.. يرتفع سقفها أحيانا وينخفض أحيانا أخرى، فضلا عن الحاجة لإعادة هيكلة كاملة لمنظور الدولة لحريّة الإعلام، وهيكلة الإعلام الرسمي والخاص، وإعادة إنتاج الجسم الصحفي للخروج من هذه المراوحة».
ووفقا للتقرير الذي أصدرته منظمة (مراسلون بلا حدود)، فإنّ الصحافة في الأردن ما زالت بعيدة عن تحقيق الاستقلاليّة، حيث يشير التقرير إلى أنّ «الجهات المعنيّة لا تزال تتحكّم في وسائل الإعلام من خلال تعيين رؤساء تحريرها، إضافة إلى السيطرة عليها ماليّا».
قوانين أردنية تحت المجهر
ويرى نقيب الصحفيين خالد القضاة أنّ هناك «فوضى تشريعيّة، فيما يتعلّق بالعمل الصحفي، حيث هناك العديد من القوانين على مساس مباشر مع العمل الصحفي، مثل قانون المطبوعات والنشر والمرئي والمسموع وقانون نقابة الصحفيّين والجرائم الإلكترونيّة وغيرها». وأشار القضاة إلى وجود 12 قانونا تتعلّق مباشرة بالعمل الصحفيّ، قائلا إن «الصحفي لا يستطيع أن يجزم تماما ما هي القوانين التي تحكم عمله". كما يعتبر نقيب الصحفيين الأردنيين أنّ النصوص في تلك القوانين "فضفاضة قابلة للتأويل والتفسير».
ومن أبرز القوانين المنظّمة للعمل الصحفي في الأردن قانون المطبوعات والنشر، الذي جرى تعديله عام 2012 ليسمح بحجب المواقع الإلكترونية غير الأردنية أو غير الحاصلة على ترخيص بموجب القانون في حال مخالفتها للقوانين الأردنيّة. أيضا، هناك قوانين أخرى مثل قانون نقابة الصحفيين لعام 2014، الذي يفرض شروطا للعضويّة لا تنطبق على العاملين في القنوات والوكالات الإخباريّة غير المحليّة، وقانون الجرائم الإلكترونية لعام 2023، الذي يفرض رقابة على المواقع الصحفيّة الإلكترونيّة.
ولا ينفي النقيب أيضا وجود أوجه قصور في قانون النقابة، الذي أُقرّ عام 2014، لكنّه يؤكّد وجود توجّه جديّ إلى تعديله ليشمل كافّة العاملين في المجال الإعلامي والصحفي، لا سيّما العاملين في الوكالات والقنوات العربيّة والدوليّة. وبينما استبعد قطيشات أن يكون قانون الجرائم الإلكترونيّة قد قيّد بالفعل حريّة الصحافة في الأردن حتى الآن، فإنه يرى فيه «فزّاعة قانونيّة أثّرت على الجسم الإعلامي وأصبحت الرقابة الذاتيّة مفرطة وفي غير مكانها أحيانا». في المقابل، يرى جرادات أنّ القوانين المنظّمة للعمل الصحفي في الأردن جاءت لتنظيم المشهد الإعلامي «دون المساس بالحريّات الصحفية».
ملاحقات بسبب النشر
ويرى الصحفيّ الأردني أنس ضمرة أن حريّة الصحافة تراجعت خلال السنوات الخمس الماضية في الأردن، مستندا إلى ما وصفه بأنه «ملاحقة بعض الصحفيّين بسبب نشرهم موادّ حساسّة». وقال ضمرة في حوار أجرته معه وكالة أنباء العالم العربي إنه نفسه ظلّ ينتظر لأربع سنوات صدور حكم قضائي بعدم مسؤوليّته والوسيلة الإعلامية التي كان يعمل لصالحها عن تحقيق كان قد نشره حول خدمات الصحّة النفسيّة المقدّمة من قبل الجهات الحكوميّة. وأوضح ضمرة أنّه وثّق في تقريره حالات إساءة وتعذيب لمريضة، ما تسبب بملاحقته قانونيّا وتشكيل لجنة تحقيق خلصت في النهاية إلى صحّة ما ورد في التقرير الذي أعدّه، بحسب قوله. لكنه أردف قائلا إنّ المحكمة لم تقض ببراءته ومنحته فقط قرارا بعد المسؤولية «رغم إثبات صحّة ما ورد من إساءة وتعذيب داخل إحدى المستشفيات».
ويشكو ضمرة أيضا من أنّه لم يستطع الحصول على عضويّة نقابة الصحفيّين الأردنيّين رغم ممارسته المهنة لأكثر من عشر سنوات، مشيرا إلى أنّ النقابة تضع عدّة شروط للانضمام لها، أبرزها العمل في مؤسّسات صحفيّة رسميّة أو شبه رسميّة. ولا ينفي ضمرة وجود "حريّة نسبيّة" ممنوحة للصحفيّين في الأردن، لكنّه يقول إنّ منسوب تلك الحريّة «متفاوت حسب الموضوعات التي يتناولها الصحفي في كتاباته».
اقرأ المزيد:
قرى الأطراف اللبنانية السورية.. من تجارة وازدهار إلى نزوح وتهريب وتسلل مسلحين
الرعب يستولي على الفاشر السودانية مع اشتداد القتال
إيران تهدد بتغيير عقيدتها النووية.. هل يدخل الخليج في سباق نووي؟