هربا من الرصاص ولهيب الخيام.. نازحو غزة إلى شواطئ القطاع
تزدحم الشواطئ في وسط وجنوب قطاع غزة بالنازحين الفلسطينيين الباحثين عن مصدر مياه للاستحمام أو الاستخدامات الأخرى المرتبطة بغسل الملابس وتنظيف الأواني وغيرها، فضلا عن اللجوء إليه كمتنفس فرارا من ارتفاع درجات الحرارة التي تحول الخيام إلى ما يشبه الأفران، فضلا عن الهروب من غارات الغدر المفاجئة.
يمكن مشاهدة أعداد كبيرة من الفلسطينيين وهم يجلسون على الشاطئ أو يسبحون في مياه البحر المتوسط، إضافة إلى نقل البعض المياه بجالونات إلى داخل الخيام، سواء المجاورة للشاطئ أو تلك البعيدة بمئات الأمتار نظرا للشح الكبير في المياه وارتفاع أسعار شرائها ونقلها.
وبينما يأتي البعض من خيامهم إلى شاطئ البحر من مسافات تزيد على كيلومتر واحد، يحرص كثيرون على نصب خيامهم أمامه مباشرة، خصوصا أولئك الذين في رحلة نزوح مستمرة من رفح خلال الأيام الخمس الماضية، ليس لعدم وجود مساحات كافية فحسب، بل لرغبتهم في توفير مصدر مياه دائم كذلك.
ولحرص النازحين على الإقامة بجانب الشاطئ، أصبح مكتظا بالخيام والعرش المتلاصقة والمتراصة على مدى نظر العين لدرجة اقتراب بعضها من منطقة التقاء الأمواج بالشاطئ.
وحطت عائلة مؤيد السباح (55 عاما) وعائلات أشقائه وأقاربه رحالها قبالة شاطئ دير البلح في وسط القطاع، بعد نزوحها للمرة السابعة من رفح بعدما غادرت منزلها في شمال قطاع غزة قسرا لأول مرة قبل ستة أشهر وتنقلت بين عدد من المناطق في وسط وجنوب القطاع.
شواطيء #غزة اليوم ..#العين_الهلال #فلسطين_قضيتنا #غزه_تقاوم #السعودية_العظمى pic.twitter.com/ObjzXGZtry
— SULTAN (@Sultan62361) April 17, 2024
يوميات على البحر
ينصب الشبان خيامهم على منطقة مرتفعة قليلا قبالة الشاطئ ويحاولون تثبيتها بصورة أقوى خشية اقتلاعها بسبب قوة الرياح، بينما ينطلق الأطفال نحو البحر للاستحمام بعدما حرموا من المياه لعدة أيام خلال الآونة الأخيرة التي كانوا يضطرون لشرائها بكميات محدودة وبأسعار مرتفعة.
تنشغل النساء في ترتيب الأمتعة والبطانيات والملابس واحتياجات الطعام والشراب وبعض الأواني وتنظيف محيط الخيام بعد فرشها ببعض قطع القماش المهترئة، من أجل بدء حياة جديدة مع مكان نزوح مختلف هذه المرة أمام مياه البحر.
يوضح السباح أن الحصول على المياه أكبر مشكلة تواجه النازحين سواء أولئك الذين كانوا ينزحون في المدارس التي تحولت لمراكز إيواء أو من يقيمون في الخيام في مناطق متناثرة أو داخل مخيمات النزوح، معتبرا أنه من المحظوظين لنجاحه في العثور على مكان لخيام عائلاته أمام الشاطئ مباشرة بعدما حجزه له صديق سبقه إلى المنطقة.
وقال لوكالة أنباء العالم العربي (AWP) «الآن بإمكاننا الاستحمام بشكل يومي وغسل الملابس والأواني بعدما كان يمر الشهر علينا دون أن تلمس المياه أجسادنا إلا للوضوء، وكنا نضطر للسير لمسافات بعيدة للحصول على المياه».
وأضاف «تركنا بيوتنا الجميلة التي دمرها الجيش الإسرائيلي في بمدينة غزة والآن نعيش في خيام تفتقر لأبسط مقومات الحياة، لكن واقع الحرب فرض علينا هذا، والحمد لله أننا أفضل من غيرنا».
وإذا كان هناك متسع على الشاطئ في دير البلح والزوايدة والنصيرات بوسط قطاع غزة، فإن شاطئ خان يونس أصبح مغلقا تماما أمام النازحين الجدد لاكتظاظه بخيام الفلسطينيين الذين كانوا يتدفقون من رفح خلال الأسابيع القليلة الماضية، وتعثرت جهود الغالبية العظمي من الراغبين في النزوح قبالة الشاطئ في العثور على موطئ قدم بالمنطقة.
اوشري بوتسحاق، قائد فريق في دورية الناحال، يضحك ضحكته الأخيرة على شواطىء غزة قبل أن ترسله المقاومة إلى الجحيم pic.twitter.com/xyztyIuXGC
— Eng Abdallah Imjali Baniss م عبدالله مجلي بني عيسى (@EImjali) December 24, 2023
كيف تصل للبحر؟
دفع هذا الواقع عائلات فلسطينية كثيرة إلى النزوح بمنطقة المواصي المواجهة للشاطئ، فالأهم بالنسبة لها القدرة على الوصول لمياه البحر والاستفادة منها.
عائلة عبد العال الهمص وعائلات أقاربه التي وصلت إلى منطقة المواصي قبل ثلاثة أيام قادمة من مكان سكانها الأصلي في رفح حطت رحالها على بعد مئتي متر من الشاطئ، إدراكا منها بأن الحصول على المياه في منطقة قاحلة هي أكبر معضلة ستواجههم بعدما كانوا يحصلون على المياه بسهولة من بئر قريب من أماكن سكنهم.
يقضي الهمص (35 عاما) مع بعض من أقاربه جزءا من نهارهم على الشاطئ، ليس للاستجمام أو التنزه، بل للاستحمام بعدما عجزوا عن توفير المياه خلال أيامهم الثلاثة التي قضوها في المواصي.
قال الهمص، الأب لأربعة أطفال، إنهم ينزحون لأول مرة وليس لديهم خبرة في حياة النزوح ومتطلباته لأنهم من سكان رفح أصلا.
وأضاف «كان الشاطئ يعني لنا الراحة والاستمتاع بالتخييم والاصطياف، لكنه يرمز الآن للمعاناة وإجبارنا على المكوث قبالته أو على مقربة منه حتى نوفر المياه».
وتابع قائلا «مياه بحر مالحة للغاية لم نكن نستخدمها سوى للسباحة، أما الآن فهي مصدرنا الأساسي لمعظم الاستخدامات اليومية للمياه باستثناء الشرب».
وارتفعت درجات الحرارة خلال اليومين الماضيين في قطاع غزة التي عاش فيها النازحون أجواء خماسينية لاهبة، حولت خيامهم المصنوعة من البلاستيك في الأساس إلى ما يشبه الأفران.
وعلى بعد حوالي كيلومتر واحد من الشاطئ جاء جعفر السميري مع بعض أبنائه وأحفاده إلى الشاطئ فرارا من لهيب خيمته المقامة على الكثبان الرملية في المواصي، رغبة في قضاء عدة ساعات في وقت الظهيرة في أجواء أقل سخونة من الخيمة.
يجلس السميري (62 عاما) على مقربة من عريشة صغيرة لإحدى العائلات النازحة للاستفادة من ظلها، ويتوزع الأبناء والأحفاد بين السباحة واللعب بالحصى، بينما يكتظ الشاطئ بالنازحين الذين يحاولون الفكاك من سخونة الخيام والاستمتاع بهواء البحر.
تحدث السميري، الذي دمر الجيش الإسرائيلي منزله في بلدة القرارة بخان يونس، عن عاداته اليومية في الانتقال من الخيمة إلى الشاطئ، حاله حال غالبية النازحين، معتبرا أنه لولا شاطئ البحر لعاشوا أياما عصيبة للغاية خلال النزوح.
وقال السميري «بالكاد نستطيع تحمل الحرارة ونحن لم ندخل في فصل الصيف بعد، فكيف حالنا في الأشهر الثلاث المقبلة؟».
وأضاف بنبرة غضب «سبحان الله، كنا نأتي ليوم أو اثنين طيلة للصيف للتنزه ونشعر بارتياح وسعادة، الآن نجبر على المكوث أمام الشاطئ للهروب من الأجواء شديدة الحرارة، وبين أن تكون مختارا أو مجبرا فارق كبير».
اقرأ أيضا: مصرف «الراجحي» يجمع مليار دولار من طرح صكوك رأس مال إضافي
بعد «اللاتيه بالبصل الأخضر».. «قهوة بالباميا» أحدث ترندات السوشيال ميديا في السعودية