«لوبي الإنشاءات» يشعل الغضب في موريتانيّا
يُسابق الموريتانيّ عبد القادر الزمن لإتمام تشييد منزل الزوجيّة في إحدى مناطق العاصمة نواكشوط، فقد حدّد مع خطيبته وأسرتها موعدا في سبتمبر المُقبِل لعقد القران بعد أن تأجّل عدّة مرات بسبب تعليق أعمال البناء، الذي ارتفعت أسعار مواده.
كان عبد القادر قد بدأ تشييد بيته هذا على قطعة أرض اشتراها مقابل أربعة ملايين أوقيّة قديمة (حواليّ 10 ألف دولار أميركي) قبل عام ونصف العام، وبلغ حجم التكلفة التي دفعها حتى الآن سبعة ملايين أوقيّة قديمة، يقول إنّها مرشّحة للزيادة في ظلّ الارتفاع «الصارخ» في أسعار مواد البناء.
ويقول عبد القادر إن أسعار الإسمنت والحديد الصلب على وجه الخصوص قد سجّلت مستويات قياسيّة خلال العامين الأخيرين، إذ بلغ سعر الطن الواحد من الإسمنت نحو 65 ألف أوقية، أي ما يعادل نحو 165 دولارا، بينما بلغ سعر حديد التسليح 420 ألف أوقيّة للطن.
وبدأ ارتفاع أسعار مواد البناء في مطلع عام 2021، عندما وصل سعر طنّ الإسمنت إلى 54 ألف أوقيّة قديمة وطنّ الحديد إلى 350 ألفا. ووفقا لتقرير صادر عن الوكالة الوطنيّة للإحصاء والتحليل الديموغرافي والاقتصادي في موريتانيا، فإن أسعار مواد البناء سجّلت ارتفاعا بلغت نسبته 0.5% خلال الربع الأخير من العام الماضي.
ويرى عبد القادر، الذي يعمل في مجال التجارة، أنّ مستويات الأسعار هذه أصبحت «خارجة عن نطاق القدرة الشرائيّة للكثيرين» بما في ذلك هو نفسه، ما يجعله يبحث عن حلول تُمكّنه من استكمال بناء منزل الزوجيّة مع توفير الاحتياجات الأساسيّة الأخرى اللازمة لإتمام الزواج.
غضب على مواقع التواصل الموريتانية
وفجّر ارتفاع أسعار مواد البناء غضب موريتانيين على مواقع التواصل الاجتماعي نهاية الشهر الماضي، حيث أبدى بعضهم دهشة من ارتفاع تكلفة البناء في موريتانيا مقارنة مع دول الجوار.
وأشار مدوّنون عبر منصّة (فيسبوك) إلى أنّ سعر الإسمنت في الجارة الجزائر لا يتجاوز ما قيمته 18 ألف أوقيّة قديمة، وفي المغرب حوالي 21 ألفا، بحسب وصفهم، في الوقت الذي وصل فيه إلى نحو 65 ألف أوقيّة قديمة في موريتانيا. وحمّل بعضُ المدوّنين الحكومةَ مسؤوليّةَ ارتفاع الأسعار، متّهمين إيّاها بعدم فرض رقابة على الشركات المصنّعة.
دفع هذا وزير التجارة والصناعة التقليديّة والسياحة في موريتانيا لمرابط ولد بناهي إلى عقد اجتماع مع ممثّلي شركات الإسمنت، تطرّق إلى وضع السوق، خاصة ما يتعلّق بالأسعار والإنتاج.
وأبلغ مصدر في وزارة التجارة الموريتانيّة وكالة أنباء العالم العربيبأن الوزير أكّد لممثّلي شركات الإسمنت ضرورة خفض الأسعار، التي اعتبر أن ارتفاعها "لم يعُد مقبولا".
وأشار المصدر، الذي طلب عدم نشر اسمه، إلى أنّ الوزارة تدرس حاليا وضع سقف لسعر الإسمنت، سعيا لحماية المستهلكين ومنع الشركات المُنتِجة من التحكّم في الأسعار.
أضاف أنّ الوزارة تعتزم عقد اجتماع آخر مع ممثّلي شركات الإسمنت في موريتانيا، ستُناقش خلاله الآليّات المقترحة لتحديد السعر الجديد على نحو يضمن توفير المنتج بأسعار في متناول أيدي المستهلكين مع الحفاظ على استقرار السوق.
استغلال لقانون حماية؟
ويرى المقاول اسماعيل ولد التقي أنّ ارتفاع أسعار مواد البناء يعود في الأساس إلى ما وصفه بتحالف بين الشركات المصنّعة للإسمنت في موريتانيا «وإنشاء لوبي متحكم في هذه السوق».
وقال ولد التقي لوكالة أنباء العالم العربي «هذا اللوبي استفاد من قانون سبق أن صدّقت عليه الحكومة الموريتانيّة في ثمانينيّات القرن الماضي يحمي الشركات المحليّة المُصنّعة للإسمنت من الشركات الأجنبيّة، وذلك بزيادة الرسوم الجمركيّة على المستورد، ما جعل المستوردين له ينسحبون من السوق بعد أن أصبحوا غير قادرين على بيعه».
أضاف «هذا الدعم كان من المفترض أن يؤدّي إلى تخفيض سعر الإسمنت للمستهلكين بدلا من استغلاله والتحكّم بالسوق عبر رفع سعره بشكل دوريّ».
وتابع «نشهد اليوم تصرّفات غير مقبولة من بعض الشركات المحليّة المصنّعة للإسمنت، حيث استغلّت هذا القانون وزادت السعر بما يتناسب مع رغبتها ومزاجها، مما أدّى إلى ارتفاع ملحوظ في أسعاره دون مبرّر واضح».
لكنّ إسلم ولد بشير، المستشار الاقتصادي في المجلس الاقتصادي والاجتماعي والبيئي في موريتانيا، يرى في المقابل أنه لا يُمكن تحميل مسؤليّة ارتفاع أسعار مواد البناء للشركات المُصنّعة للإسمنت والحديد الصلب، مؤكّدا أنّ أسباب هذه الزيادة تعود إلى عدّة عوامل من بينها «زيادة تكاليف الإنتاج والنقل وارتفاع تكاليف العمالة».
وقال ولد بشير في حديث لوكالة أنباء العالم العربي إنّ «ارتفاع مؤشّر أسعار مواد البناء منذ عام 2021 يعود جزء منه إلى تأثير جائحة كوفيد-19 "حيث أدّى تعطّل سلاسل التوريد وتباطؤ الإنتاج إلى نقصٍ في المعروض من مواد البناء، هذا النقص في المعروض زاد من أسعار هذه المواد، ممّا أثّر على تكاليف البناء بشكل عام».
اقرأ المزيد:
صندوق النقد يتوقع «طفرة» في نمو اقتصاد العراق