دير البلح.. ملاذ «هش» يئن بآلاف النازحين من رفح
مع اندلاع عدوان إسرائيلي قبل أيام على مدينة رفح الواقعة جنوب قطاع غزّة، والتي كانت تُوصف من قبل بالملاذ الأخير الآمن لنحو مليون ونصف المليون نازح من أنحاء القطاع، لم يجد هؤلاء بدّا من معاودة النزوح إلى منطقة أخرى.
الوجهة هذه المرة كانت مدينة دير البلح الواقعة وسط قطاع غزة، والتي استقبلت آلاف النازحين من مناطق مختلفة بعد بدء العمليات في رفح، على الرغم من ضعف الإمكانيات الإغاثيّة والإنسانيّة وتدنّي مستوى الخدمات البيئيّة.
المدينة البالغة مساحتها نحو 15 كيلومترا مربّعا، والتي تُعدّ العاصمة الإداريّة للمنطقة الوسطى، تمتد من شرق القطاع حتّى أقصى غربه على شاطئ البحر المتوسط، وكان تعداد سكّانها قبل الحرب يبغ نحو 100 ألف نسمة فقط.
لكن بسبب عمليّات التهجير المتكررة، احتضنت المدينة أضعافا مضاعفة من أعداد السكان، الأمر الذي خلق مشهدا يوصف بالانفجار السكاني في مدينة صغيرة ضمن قطاع ضيق، كان يوصف كلّه أصلا بالأكثر اكتظاظا بالسكان قبل الحرب التي فرضت تركّز النازحين في مناطق محدودة.
ودير البلح هي المدينة الوحيدة التي لم يستهدفها الجيش الإسرائيلي بعمليّات بريّة واسعة النطاق، لكن هناك مخاوف من إمكانيّة أن يُقدم جيش الاحتلال الإسرائيليّ على اجتياحها بعد عمليّة رفح.
بنية تحتيّة هشّة
وتفتقر المدينة لأدنى مستويات البنية التحتيّة التي يمكن أن تصمد أمام هذا العدد الهائل من النازحين، ما يُنذر بانهيار كافّة الخدمات البيئيّة والصحيّة والإنسانيّة. ويعمل في الوقت الحالي عددٌ من المؤسّسات الإغاثيّة في المدينة، من أجل تقديم الخدمات لآلاف النازحين، أبرز تلك المؤسّسات منظمة (وورلد سنترال كيتشن) التي قُتل سبعة من أفراد فريقها في ضربة للجيش الإسرائيليّ بدير البلح مطلع الشهر الماضي.
كما تعمل في المدينة وكالة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيّين (الأونروا) والصليب الأحمر الدولي. وقال دياب الجرو، رئيس بلديّة دير البلح لوكالة أنباء العالم العربي إنّ «الطواقم الفنيّة والإغاثيّة تبذل جهدا من أجل استيعاب هذه الأعداد الهائلة من النازحين وتسكينهم بالمدينة وتقديم الخدمات الصحيّة والبيئيّة الملائِمة لهم، إلا أنّ ذلك صعبٌ للغاية في ظلّ نقص الإمكانيات والمعدّات».
وأكّد أنّ المدينة «لا يُمكن لها استيعاب الأعداد الهائلة من النازحين إليها منذ بدء الاجتياح الإسرائيلي البرّي لشرق مدينة رفح» محذّرا من «كارثة غير مسبوقة» بالمدينة بسبب موجة النزوح الجديدة. وذكر أنّ التقديرات الأوليّة تشير إلى وجود 800 ألف نازح بالمدينة «وهو العدد الذي يُساوي ثمانية أضعاف القدرات الاستيعابيّة للخدمات المُقدّمة من قبَل المؤسّسات والجهات الإغاثيّة».
وأوضح أن البلديّة أوقفت تقديم العديد من الخدمات للنازحين والسكّان على حد سواء بسبب الحرب، قائلا إنّه على الرغم من عدم اجتياح المدينة بريّا «فإنها تتعرّض لاستهدافات متكرّرة من قِبل الجيش الإسرائيلي، وهو ما أدّى لدمار كبير في بنيتها التحتيّة".
وتابع «الخدمات الإنسانيّة تُقدّم بالحدّ الأدنى ولا ضمانات لاستمرارها.. .ليس لدينا الوقود الكافي، والمعدّات والآليّات دُمّر معظمها بفعل القصف الإسرائيليّ، وهذا الأمر سينعكس سلبا على النازحين وسيؤدي إلى عدم حصولهم على الخدمات التي تُذلّل صعوبات الحياة التي يتعرضون لها".
أضاف "الحرب الإسرائيليّة المتواصلة منذ سبعة أشهر دمّرت البنية التحتيّة بالمدينة والمنطقة الوسطى، وأدت لتهالك الخدمات البيئيّة والمراكز الخدماتيّة وسط القطاع، مهدّدة بالتوقّف بشكل كامل بسبب موجة النزوح الجديدة».
تحذير طبيّ
بدوره، حذّر إياد الجبري، المدير الطبي لمستشفى شهداء الأقصى، من خطورة تكدّس آلاف النازحين في المنطقة الجغرافيّة الأصغر في قطاع غزة، قائلا إن المدينة قد تشهد انتشارا للكثير من الأمراض المعديّة والأوبئة.
أضاف في حديث لوكالة أنباء العالم العربي «المدينة تفتقر لأدنى مقوّمات الرعاية الصحيّة للسكّان.. .تكدّس الأعداد الكبيرة للنازحين تسبب بتقديم المراكز الصحيّة والمستشفى للخدمات بالحدّ الأدنى وبجودة أقلّ بكثير من السابق». وتابع «المستشفى، وهو الوحيد الذي يتولّى تغطية الأوضاع الصحيّة بالمدينة والمنطقة الوسطى، ليس لديه القدرة على تقديم الخدمات الصحيّة للأعداد الهائلة من النازحين، وهو ما يؤثّر سلبا على الوضع الصحيّ للمدينة».
وذكر أنّ المدينة أصبحت لا تملك الإمكانيّات الطبيّة للعمل بالطريقة التي كانت تعمل بها قبل الحرب، قائلا «منذ بداية النزوح لوسط وجنوب القطاع، ونحن نعاني من نقص الإمكانيّات والإمدادات الطبيّة». وأردف قائلا «ناشدنا الجهات الصحيّة الدوليّة من أجل تقديم المساعدة الطبيّة العاجلة للمدينة والحيلولة دون انهيار النظام الصحيّ، والعمل أيضا على إنشاء مستشفيات ميدانيّة، إلا أننا لم نتلق أيّ ردّ حتى اللحظة، وهو الأمر الذي يصعّب مهامنا الإغاثية».
اقرأ المزيد:
بالصور.. مصر تكشف عن خطوة نووية جديدة