انقلابات وفاغنر وحدود مالي.. الناتو يبسط نفوذه إلى موريتانيا
كان وزير الدفاع الموريتاني حننه ولد سيدي يجري مباحثات مع نائب الأمين العام لحلف شمال الأطلسي (الناتو) ميرتشيا جيوانا في بروكسل يوم الثلاثاء الماضي عندما ذكرت وسائل إعلام موريتانية أنّ عناصر من مجموعة فاغنر اقتحموا منطقة على الحدود مع مالي ونفّذوا هجوما أصيب فيه مواطن موريتاني.
وكررت الحكومة الموريتانيّة تحذيراتها بالابتعاد عن حدودها، إذ تتّهم قوات من الجيش المالي بمواصلة تنفيذ عمليات داخل أراضيها بدعم من مجموعة فاغنر على نحو يزيد التوترات الحدوديّة ويعزز الحاجة إلى دعم الحلف لتعزيز قدرات نواكشوط الدفاعية وفقا لمراقبين.
وباتت موريتانيا حليفا وشريكا رئيسا للناتو في منطقة الساحل الأفريقي، بعد أن اتجهت دول في هذه المنطقة إلى فكّ الشراكة مع الغرب والتحول إلى التحالف مع روسيا، اللاعب الجديد في المنطقة.
وكان الرئيس الموريتاني محمد ولد الشيخ الغزواني قد دخل مقر حلف شمال الأطلسي (الناتو) في يناير من عام 2021 كأول رئيس لبلاده يزور المقر منذ استقلالها عام 1960، وأجرى وقتها مباحثات مع الأمين العام للناتو ينس ستولتنبرغ، ليدشن الجانبان مرحلة جديدة من الشراكة والتعاون.
في ذلك الوقت، كان احتفاء الحلف، الذي يضم 31 دولة بينها قوى عظمى، بالرئيس الموريتاني يشير إلى بدء مرحلة جديدة تُعدّ فيها بلاده «شريكا استراتيجيّا» بحسب وصف أمين عام الناتو. ومنذ ذلك التاريخ، تزايد اهتمام الحلف بموريتانيا، فقد أصبحت نواكشوط محطة ثابتة لزيارة قادة عسكريين وحكوميين من الناتو، يتسابقون لتوقيع اتفاقيّات عسكريّة واقتصاديّة مع الحليف الوحيد لهم في منطقة الساحل الأفريقي.
حراك غير مسبوق لتعزيز علاقات موريتانيا والناتو
وشهدت الفترة الأخيرة حراكا غير مسبوق وخطى حثيثة لتعزيز العلاقات بين موريتانيا والناتو، وكان أحدث اللقاءات بين الجانبين ذلك الذي عُقد قبل أيام في بروكسل بين حننه ولد سيدي وجيوانا، وأصدر الحلف بيانا وصف فيه موريتانيا بأنّها «شريك ذو قيمة عالية».
وقال الناتو إن الحلف عازم على تعزيز شراكته مع موريتانيا، التي اعتبرها شريكا قديما له لانضمامها إلى منتدى شراكة حوار البحر المتوسط عام 1995، بما في ذلك تعزيز قوّاتها في مجال مكافحة الإرهاب.
ويثير انتشار عناصر فاغنر على الحدود المالية استياء موريتانيا، التي تنظر إلى وجودهم في هذه المنطقة بريبة، زادت مع الاقتحامات التي نفذتها المجموعة على قرى داخل الأراضي الموريتانية. ويرى مراقبون أن زيارة ولد سيدي لبروكسل ولقائه مع نائب الأمين العام للناتو، الذي تعهّد بتعزيز القوات الموريتانية في مجال مكافحة الإرهاب، جاءت في وقت حرج وسط تصاعد التوتّرات الحدودية. ويتوقع المراقبون أن يكون للحلف له دور محوري في تعزيز قدرات موريتانيا الدفاعية والمساهمة في تحقيق الاستقرار بمنطقة الساحل في ظل هذه التوترات.
ويقول الصحفي الموريتانيّ سيدي محمد في حديث لوكالة أنباء العالم العرب إنّ الهدف من الزيارة هو الحصول على الدعم الفنيّ والعسكريّ من الناتو، بما في ذلك التدريب والمعدّات العسكريّة، والمساعدة في جمع المعلومات الاستخباراتيّة، لتعزيز قدرات الجيش الموريتانيّ في مواجهة التهديدات الأمنيّة والاقتحامات الحدوديّة. ووصف سيدي محمد تعزيز الشراكة مع الناتو بأنه «خطوة استراتيجيّة لموريتانيا، تهدف إلى حماية سيادتها وضمان أمن مواطنيها في مواجهة التهديدات المتزايدة من الجماعات المسلّحة وعناصر فاغنر».
شريك «استراتيجي»
ويرى سيدي محمد أن مستوى التعاون بين الجانبين بدأ يتطور منذ عام 2010، عندما وقّعا على برنامج التعاون الفردي، الذي عُرف بالصندوق الائتماني الخاص، بتمويل قدره مليوني يورو. ويوضح أن البرنامج تمحور حول تدمير الذخائر المندثرة، وبناء مستودعات للذخائر، إضافة إلى إعادة دمج قدامى العسكريين. ويعتبر الصحفي الموريتاني أنّ ما سمّاها «حمى الانقلابات العسكرية التي اجتاحت أفريقيا انعكست سلبا على العلاقات بين الغرب وقادة الانقلابات وجعلت الناتو بالتالي يعزز التعاون مع نواكشوط».
وأدت التحوّلات التي شهدتها هذه المنطقة في السنوات الأخيرة إلى تغيّر المشهد الجيوستراتيجي فيها، خاصة مع ظهور روسيا كلاعب جديد في المنطقة عبر بوابة مالي بدعم الانقلاب العسكري هناك، وهو ما جعل الناتو يتّجه إلى موريتانيا ليبني شراكة اقتصادية وعسكريّة معها.
وحسمت روسيا في ظرف وجيز الصراع على النفوذ مع الغرب في منطقة الساحل الأفريقي، فقد باتت وبوركينا فاسو والنيجر خارج خارطة النفوذ الغربيّ، خاصة فرنسا التي كانت حليفا تقليديا لهذه الدول. وتعاني تلك الدول الأفريقية توترات أمنية، حيث تحارب جماعات مسلحة زادت وتيرة هجماتها بعد انسحاب القوات الفرنسية تحت ضغوط مارسها قادة عسكريون في تلك الدول على باريس.
اقرأ المزيد:
«صفقة بايدن» تعيد طرح اسم البرغوثي.. صاحب «الشرعيّات الثلاث»