الفوسفور الأبيض يحول حياة اللبنانيين إلى جحيم.. «تهجير جديد»

الفوسفور الأبيض يحول حياة اللبنانيين إلى جحيم.. «تهجير جديد»
الفوسفور الأبيض
القاهرة: «خليجيون»

في مطلع العام الحالي، كان السبعيني محمد حمود داخل منزله مع زوجته في قريته الحدودية في جنوب لبنان، عندما أغارت اسرائيل في مكان قريب، لكن هذا القصف كان مختلفاً عمّا اعتاد عليه الرجل خلال الأشهر الماضية.

و روى حمود ما حدث في ذلك اليوم قائلا «اشتعلت النيران أمام المنزل.. .كانت هناك رائحة غريبة ودخان قوي» وأضاف «لم نكن نعرف أنه فوسفور.. .اعتقدنا أنه قصف عادي لكن عندما جاء الإسعاف، قالوا إنه فوسفور ونقلونا إلى المستشفى»، حسب وكالة أنباء فرانس برس.

منذ اندلاع الحرب العدوان الإسرائيلي على غزة في أكتوبر في قطاع غزة، يتبادل حزب الله وإسرائيل القصف بشكل شبه يومي. ويتهم لبنان اسرائيل باستخدام مادة الفوسفور الأبيض المثيرة للجدل في هجمات على جنوب البلاد وتقول السلطات اللبنانية إنها تسبّبت بأضرار للبيئة والمدنيين.

وتستخدم ذخائر الفوسفور الأبيض وهي مادة قابلة للاشتعال عند التماس مع الأكسجين، بهدف تشكيل ستائر دخانية وإضاءة أرض المعركة. لكن هذه الذخيرة المتعددة الاستخدامات قد تستعمل كذلك كسلاح حارق قادر على أن يسبب حروقاً قاتلة للمدنيّين، وفشلاً في الجهاز التنفسي والأعضاء، وأحياناً الموت.

وبحسب تقرير صدر اليوم الأربعاء عن منظمة «هيومن رايتس ووتش»، فإن «استخدام الفسفور الأبيض من قبل إسرائيل على نطاق واسع في جنوب لبنان يعرض المدنيين لخطر جسيم ويساهم في تهجيرهم».

وقالت المنظمة إنها تحققت «من استخدام قوات الاحتلال الإسرائيليي ذخائر الفسفور الأبيض في 17 بلدة على الأقل في جنوب لبنان منذ أكتوبر 2023، خمس منها استُخدمت فيها الذخائر المتفجرة جوا بشكل غير قانوني فوق مناطق سكنية مأهولة».

وتُظهر صور لوكالة فرانس برس التُقطت في 10 مناسبات منفصلة على الأقل بين أكتوبر وأبريل أعمدة دخان غريبة ومتفرّعة، تشبه الأخطبوط، يتماشى مظهرها مع ما قد يصدر عن استخدام الفوسفور الأبيض. والتقطت تلك الصور في ما لا يقل عن ثمانية مواقع مختلفة على طول الحدود، وفي الكثير من المرات، في مواقع قريبة من المنازل أحياناً.

وفي أكتوبر، زعم جيش الاحتلال الاسرائيلي في بيان إن إجراءاته تملي بعدم استخدام قذائف الفوسفور الأبيض «في المناطق ذات الكثافة السكانية العالية، مع وجود استثناءات معينة». وأضاف أن «هذا يتوافق مع متطلبات القانون الدولي ويتجاوزها» وأن الجيش «لا يستخدم هذه القذائف لأغراض الاستهداف أو إشعال النار».

«اختناق»

وذكرت الوكالة الوطنية اللبنانية للإعلام الرسمية في 28 يناير أن «قذائف فوسفورية سقطت بين المنازل» في ساحة بلدة حولا، بعد استهداف من «مدفعية العدو». وتحدّثت الوكالة الوطنية مرّات عدة عن قصف بذخائر الفوسفور في جنوب لبنان، بما في ذلك في الأيام الأخيرة، مما تسبب في بعض الأحيان باندلاع حرائق.

وقال حمود إنه وزوجته نقلا إلى مستشفى في بلدة ميس الجبل القريبة عقب الهجوم في 28 يناير، حيث تلقيا العلاج وأعطيا الأكسجين.

وأفاد مصدر من مستشفى ميس الجبل وكالة فرانس برس بأنّ مؤسسته استقبلت يوم 28 يناير أربعة مدنيين، بينهم امرأتان، نقلوا إلى العناية الفائقة نتيجة لتعرضهم «للاختناق وضيق تنفس شديد من الفوسفور الأبيض».

ومن بين المصابين، رجل في السبعينات من عمره وامرأة في الستينات.

إصابة 173 شخصا

وسجّلت من جهتها وزارة الصحة اللبنانية في جداولها 173 شخصاً كمصابين بتعرض «كيميائي.. .ناتج عن الفوسفور الأبيض«، بدون أن تحدّد ما إن كانوا مدنيين أو مقاتلين. وقال أطباء من ثلاثة مستشفيات إضافية في جنوب لبنان لوكالة فرانس برس إن مؤسساتهم عالجت مصابين بأعراض تنفسية ناجمة عن التعرض للفوسفور الأبيض.

وأكّد محقق الأسلحة في فريق الأزمات التابع لمنظمة العفو الدولية براين كاستنر لوكالة فرانس برس أن «استخدام الفوسفور الأبيض في المناطق المأهولة يمكن أن يصنّف كهجمات عشوائية، وهو ما يعد انتهاكاً للقانون الإنساني الدولي». وأضاف «إذا أصيب أو قُتل مدنيون، قد يشكّل ذلك جريمة حرب».

ورصد عناصر من قوة الأمم المتحدة الموقتة في لبنان (يونيفيل) أيضًا الفوسفور الأبيض داخل مقراتهم، وفق ما قال مسؤول في الأمم المتحدة لوكالة فرانس برس، طالباً عدم الكشف عن هويته لأنه غير مخول التحدث إلى وسائل الإعلام.

كانت منظمة العفو الدولية قالت في وقت سابق في 2023 إن «الجيش الإسرائيلي أطلق قذائف مدفعية تحتوي على الفوسفور الأبيض» خلال قصف على «طول حدود لبنان الجنوبية» بين 10 و16 أكتوبر.

وطالبت المنظمة «بالتحقيق في هجوم على بلدة الضهيرة في 16 أكتوبر باعتباره جريمة حرب، لأنه لم يميّز بين المدنيين والعسكريين، وأدى إلى إصابة ما لا يقل عن تسعة مدنيين».

وأعرب البيت الأبيض في ديسمبر عن قلقه إزاء تقارير تفيد باستخدام اسرائيل لفوسفور أبيض زوّدتها به الولايات المتحدة، بهجماتٍ في لبنان. في أكتوبر، قدّم لبنان شكوى بحقّ اسرائيل أمام مجلس الأمن الدولي على خلفية استخدامها للفوسفور الأبيض «أثناء عملياتها العسكرية داخل الحدود اللبنانية» بما «يعرض للخطر حياة عدد كبير من المدنيين الأبرياء، ويؤدي إلى تدهور بيئي واسع النطاق خاصة مع الممارسات الاسرائيلية القائمة على حرق الأحراج والغابات اللبنانية».

وأثار استخدام الفوسفور الأبيض القلق بين المزارعين في جنوب لبنان الذين شاهدوا أراضيهم تحترق، فيما يخشى آخرون من تلوث في التربة والمحاصيل. وتلفت الأمينة العامة للمجلس الوطني للبحوث العلمية في لبنان تمارا الزين إلى أن هناك القليل من المعلومات حول كيفية تأثير الفوسفور الأبيض على التربة.

ويعتزم المجلس أخذ عينات واسعة لتقييم أي تلوّث محتمل للتربة، لكن، وفق الزين، فهم «بانتظار وقف إطلاق النار لإرسال الفريق، لنقوم بهذا التقييم».

وقال المدير المعاون لمركز حماية الطبيعة في الجامعة الأميركية في بيروت أنطوان كلاب في بيروت إن «النقص في البيانات« يتسبب بحالة ذعر، وأن بعض المزارعين كانوا «يهرعون لإجراء فحص للعينات». وأضاف أنه «من المهم أن نقوم بأخذ العينات في أسرع وقت ممكن« لفهم ما إذا كان قصف الفوسفور الأبيض يشكل «خطراً عاماً على الصحة العامة، والأمن الغذائي، والنظام البيئي نفسه».

اقرأ المزيد

قطر تدرس توقيع اتفاقية تجارية مع الصين

توقعات بارتفاع معدل التضخم في مصرتفاصيل إطلاق النار على السفارة الأميركية في لبنان (فيديو)

أهم الأخبار