جمارك وانقسام.. الحرب تحرم يمنيين من لحم العيد

جمارك وانقسام.. الحرب تحرم يمنيين من لحم العيد
أضاحي في اليمن. (أرشيفية)
صنعاء: «خليجيون»

في إحدى زوايا سوق الأغنام على أطراف مدينة مأرب وسط اليمن، يجلس الأربعيني علي الزبيدي ليتفحّص الخراف المعروضة بعينٍ خبيرة لم تتصور أبدا قبل سنوات الحرب أن يكون الرجل في هذا المكان.

في الماضي، كان الزبيدي مُزارعا ناجحا في محافظة الحديدة يعتني بقطيع من الأغنام والأبقار يدرّ عليه دخلا يكفيه وأسرته. يجتر الرجل الأربعيني ذلك الماضي قائلا «كنّا نعيش بسلام في قريتنا، كنت أملك أكثر من 100 رأس من الأغنام والأبقار التي كانت تكفينا وتزيد، حتى اندلعت الحرب وبدأت الأمور تتغيّر.. .. انعدام الأمن والغلاء المعيشيّ جعلا من الصعب الحفاظ على الماشية، فمات الكثير منها».

اضطر الزبيدي تحت ضغط الحرب إلى بيع ما تبقّى مما كان يحقق له رغد العيش في ماض ليس ببعيد حتّى يوفّر لقمة العيش، ومع تفاقم الأوضاع عاما تلو الآخر، لم يجد خيارا سوى النزوح مع أسرته إلى مأرب، حيث يعيش الآن في أحد المخيمات.

الزبيدي، الذي تحوّل إلى وسيط في السوق المحلية، قال بحسرة في حوار أجرته معه وكالة أنباء العالم العربي (AWP) «أعمل الآن دلّالا لبيع الأغنام والصلح بين المشتري والبائع وتحديد الأسعار المُناسبة لأتمكّن من إطعام أطفالي. الحياة صعبة في المخيم، لكنّا نحاول التكيّف مع ظروفها».

التحديّات كثيرة في اليمن

يعيش الزبيدي مع زوجته وأطفاله الأربعة في خيمة بسيطة، ويحاول توفير احتياجاتهم الأساسيّة من عمله في السوق، لكنّه يرى أنّ تحديات مهنته كثيرة في ظلّ ارتفاع أسعار الأغنام حيث “أصبح من الصعب حتّى التفكير في شراء واحدة (من هذه الأغنام) للعيد”.

وأشار إلى أنّ الكثيرين من مربّي الماشية مثله مرّوا بمنعطفات متعدّدة أفقدتهم ثروتهم بسبب طول أمد الحرب والانقسام الاقتصادي وغلاء المعيشة وقطع الطرق الذي أفقد المربين القدرة على التنقّل للرعي في مناطق مختلفة.

أمّا رجل الأعمال عبد الله حمامة، الذي يملك عدّة محال قصابة في المحافظات الخاضعة لسيطرة الحكومة المعترف بها دوليا، فتحدّث لوكالة أنباء العالم العربي عن أن قلّة عدد الأبقار والأغنام المعروضة للبيع في الحُديدة هذا العام أدّى إلى ارتفاع أسعار الرأس الواحدة من الأغنام من 250 ألف ريال في العام الماضي إلى 400 ألف (حوالي 235 دولارا أميركيا) وأكثر هذا العام.

وقال حمامة إنّ «الحرب أجبرت العديد من المزارعين على ترك أراضيهم والانتقال إلى مناطق أكثر أمانا، ممّا أثّر بشكل كبير على إنتاج الماشية.. .انخفض عدد الماشية بشكل ملحوظ، حيث إن الكثير من المزارعين اضطروا لبيع مواشيهم وتركوا مهنتهم أو نزحوا إلى مناطق أخرى مثل مأرب وعدن وحضرموت».

ويرى رجل الأعمال اليمنيّ أنّ الانقسام الاقتصاديّ والضرائب المزدوجة التي نتجت عن الحرب، بالإضافة إلى تراجع الإنتاج الحيوانيّ كلّ عام عن سابقه من الأسباب الرئيسة التّي أدّت إلى ارتفاع الأسعار، معتبرا أنّ تراجع الإنتاج “بات أمرا مخيفا يضع تساؤلا حول كيف سيكون الوضع خلال السنوات القادمة إذا استمرّت الحرب».

وأوضح حمامة أنّه يجلب الماشية بشكل رئيس من الحديدة، كونها الأكثر إنتاجا للأغنام والأبقار، بالإضافة إلى مأرب وإب، قائلا إنّ “هذه المناطق تشتهر بتربية الماشية نظرا لطبيعتها الريفيّة والمراعي الواسعة المتوفّرة فيها».

انقسام وجمارك مزدوجة

ووفقا لحمامة، فإنه يدفع «جمارك مزدوجة» على نقل الماشية تتراوح بين 200-300 ألف ريال في مناطق سيطرة طرفيّ الحرب عن كلّ شحنة، تضاف إلى تكاليف النقل نفسه، والتي تصل أكثر من 500 ألف ريال يمني لكلّ شحنة. وقال إنّ «هذه الجمارك وتكاليف النقل ترفع التكلفة بشكل كبير، مما يضطرّنا لرفع أسعار البيع.. .وهذا يؤثّر مباشرة على المستهلكين».

وأوضح أنه بفعل الانقسام النقديّ والاقتصاديّ والجغرافي بين مناطق سيطرة الحكومة المعترف بها دوليّا والمناطق الخاضعة لسيطرة جماعة الحوثي المسلّحة تختلف أسعار اللحوم والأضاحي من منطقة إلى أخرى. وتابع «في مناطق سيطرة الحكومة، تتراوح أسعار اللحم البقري بين 12-15 ألف ريال للكيلوغرام الواحد، أمّا في مناطق سيطرة الحوثيين، فقد تصل إلى خمسة أو سبعة آلاف ريال للكيلوغرام، بسبب الجمارك الإضافيّة والنقل وفارق الصرف بين المنطقتين».

ووفقا لحمامة، فإنّ نسبة الارتفاع في أسعار الأضاحي واللحوم هذا العام تصل إلى 30-40 في المئة مقارنة مع العام الماضي. وقال «خلال السنوات الماضية، كان المواطنون يحجزون أضاحيهم قبل العيد بأسابيع، لكن هذا العام الإقبال شحيح جدا على حجز الأضاحي الكاملة، وذلك بالتأكيد بسبب الغلاء وانعدام الدخل».

أضاف «البعض يلجأون إلى شراء اللحم بالكيلوغرام، أو يتقاسمون الأضحية الواحدة بين عدد من الجيران أو الأهل والأقارب بدلا من شراء أضحية لكلّ عائلة من أجل تخفيف التكاليف. البعض الآخر يلجأون إلى تربية المواشي بأنفسهم إذا كانت لديهم الإمكانية، وهناك من لا يملك ثمن كيلوغرام من اللحم ويكتفي بشراء دجاجة».

معوّقات ومشكلات

ويرى مدير الصحة الحيوانيّة في وزارة الزراعة والريّ والثروة السمكيّة التابعة للحكومة المعترف بها دوليا عبد الرحمن الخطيب أنّ قطاع الثروة الحيوانيّة في اليمن يواجه مشاكل ومعوّقات متعدّدة. وقال في حديث لوكالة أنباء العالم العربي إنّ من بين هذه المعوقات «مشكلة النقص الشديد في التغذية نتيجة نقص الأعلاف التقليديّة، وانحسار المراعي نتيجة لوقوع مساحات شاسعة منها في مناطق الحرب، والألغام التي تعمل أيضا على قطع الطريق أمام تنقّل الحيوانات للرعي، بالإضافة إلى زيادة رقعة التصحّر نتيجة لقلّة الأمطار».

أضاف إلى تلك الأسباب «ارتفاع نسبة الفاقد من الأعلاف التقليديّة وغياب استخدام الأعلاف المركّزة.. .وانتشار الأمراض الحيوانيّة الوبائية المعدية والسريعة الانتقال، والتي يترتّب على ظهورها تأثيرات اقتصاديّة كبيرة على البلد، كالطاعون وجدري الأغنام والحمى القلاعية وحمى الوادي المتصدع وذبابة الدودة الحلزونيّة ومرض الدواجن». وبينما يرى المسؤول أنّ هناك واجبات على السلطات القيام بها، فإنه يعتبر أنّ الحرب تحدّ من قدرة السلطات على ذلك.

وقال إن «الحلّ الأسلم والأهم هو إيقاف الحرب لتستعيد الثروة الحيوانيّة قوّتها من جديد في مختلف المحافظات اليمنيّة.. .لا يُمكن معالجة مشكلة دون أخرى بسبب ترابط وتشابك المشكلات”.

اقرأ المزيد:

السودان بين «نارين»: حرب الجنرالين والتغير المناخي

بالصور.. فرحة صلاة عيد الأضحى في الكويت

حجاج بيت الله الحرام يؤدون شعيرة رمي الجمرات (مباشر)

أهم الأخبار