الهجرةُ من الإحباط.. «خيارٌ وحيد» أمام شباب لبنان

الهجرةُ من الإحباط.. «خيارٌ وحيد» أمام شباب لبنان
بيروت: «خليجيون»

تُنهي اللبنانيّة فيفيان عربش هذا العام دراستها الجامعيّة في كليّة إدارة الأعمال بإحدى جامعات العاصمة بيروت، وتستعدّ للسفر في السنة المقبلة للبحث عن عمل وفرصة جديدة خارج لبنان.

ترى فيفيان أنّ خيارات الشباب اللبناني كانت في السابق مرتبطة بالتوظيف ضمن القطاعات الخدميّة مثل السياحة والمصارف "«كن هذه المجالات لم تعد مصدر اطمئنان.. .بعد انهيار البنوك منذ عام 2019 بسبب الأزمة الاقتصادية واهتزاز القطاع السياحي مع كلّ حدث سياسيّ وأمنيّ».

وقالت لوكالة أنباء العالم العربي «لم تعد الهجرة احتمالا، وإنما أصبحت خيارا وأولويّة لدى معظم الشباب الجامعي، فهناك تراجعٌ كبير في فرص العمل التي تؤمّن لنا دخلا شهريَا يكفينا للانطلاق بحياتنا المهنية».

أضافت «تراجعت الثقة في إمكانيّة الوصول إلى حلول من قبل الحكومة ومجلس النوّاب للأوضاع الأمنيّة غير المستقرة التي نشهدها كلّ عام، فعند كل خلاف سياسيّ، تبدأ التحذيرات من إمكانيّة انزلاق البلاد إلى حرب أهليّة».

ويرى مارك الزين، أستاذ علم الاجتماع في الجامعة اللبنانية، أن الدولة أصبحت منذ عقود طويلة تعتمد على تحويلات المواطنين المقيمين في الخارج لدعم دورتها الاقتصاديّة، وأنها لذلك من وجهة نظره لا تريد حلّ مشكلة هجرة الشباب.

تعمد تغييب الحلّ في لبنان

وقال الزين في حديث لوكالة أنباء العالم العربي «هناك سياسة واضحة لدى الأحزاب بعدم إيجاد حلّ لمشكلة هجرة الشباب، فهذه التحويلات تسمح لهم بمساندة عائلاتهم، التي تصرفها وتستثمرها في السوق اللبنانية. حينها، يسدّ الشباب عجز الدولة عن تأمين المساعدات والخدمات للعائلات».

وحذر أستاذ علم الاجتماع من ما وصفها بخطورة هجرة الشباب «كون معظم الفئات العمريّة التي ستبقى في لبنان ستكون متقدّمة بالعمر، بينما الأعمار الفتيّة بالخارج.. .ومع تراجع معدّلات الولادة لدى الأسر، فإنّ هذه العوامل ستجعل المجتمع اللبناني كهلا ومستهلِكا أكثر من أن يكون منتجا».

أضاف «سوق العمل ارتبطت بالمؤسسات الخاصة وقطاع الخدمات، فيما أُهمل تشجيع الشباب على الدخول في مشاريع صناعيّة وزراعيّة، وهذا ما يؤثّر على الحركة الاقتصادية.. .فلا يجب أن نلوم صاحب المصنع حين يلجأ إلى النازح السوريّ للعمل لديه عندما لا يجد شابا لبنانيّا يقبل هذه الفرصة».

وتشير الأرقام الصادرة عن المؤسسة الدولية للمعلومات، وهي شركة دراسات وأبحاث وإحصاءات علميّة مستقلّة تأسّست في بيروت عام 1995، إلى أنه في الفترة من عام 2017 إلى عام 2023 هاجر من لبنان نحو 425 ألف شاب بينهم 180 ألفا هاجروا العام الماضي. كما تشير المؤسسة البحثية إلى أنّ نحو 70% من المهاجرين تتراوح أعمارهم بين 20 و40 عاما.

السياسة تلعب دورا

في 17 أكتوبر من عام 2019، شارك مارون قسطا (23 عاما) في المظاهرات التي شهدتها عدّة مناطق لبنانيّة، كان الشاب حينها بين من احتشدوا في ساحة الشهداء وسط بيروت. وفي حديث لوكالة أنباء العالم العربي، وصف تلك المرحلة التي عاشها مع أصدقائه بأنها "لحظة تشبه الحلم".

وقال «كان عمري 19 عاما، وكنت في السنة الثانية من دراستي بكلية الحقوق بالجامعة اللبنانية.. .كنّا نجتمع يوميّا في إحدى الخيام التي نُصبت بوسط بيروت، والتي كان عددها بالعشرات، نناقش الأفكار السياسيّة والاقتصاديّة والخطوات التي يجب اتخاذها لتغير النظام وإحداث تغيير داخل مجلس النواب».

أضاف «اعتقدنا حينها أنّنا قد دخلنا مرحلة جديدة من الحياة السياسيّة اللبنانيّة ستسقط فيها الأحزاب التقليديّة التي حكمتنا لأكثر من أربعة عقود، لنتمكن في الانتخابات النيابية من دعم مرشّحين يمكنهم تمثيلنا والتعبير عن تطلعاتنا».

لكن حلم التغيير لم يتحقّق، يقول قسطا، مضيفا «عشنا مجموعة من الصدمات التي لم نتوقعها، فقد ظننّا أنّ ثورة 17 أكتوبر تجاوزنا فيها حسابتنا الشخصيّة والمناطقيّة، لكن اكتشفنا أنّه في لحظة تقاطع المصالح، هناك من ادعى أنه معارض للنظام، فتخلى عن شعاره وعاد ملتحقا بالأحزاب الطائفيّة».

ويرى الناشط السياسيّ اللبنانيّ أنّ هناك تجمعات سياسية ظهرت خلال فترة الحراك الشعبي «أرادت احتكار تمثيل المعارضين، وكأنّها تريد أن تكون صورة من النظام في حصر تحديد الأسماء وطريقة العمل».

وقال «هذا ما أدّى إلى وصول نوّاب ليسوا من أحزاب السلطة، لكن بعد سنتين من الانتخابات، معظمهم لم يقدّموا نموذجا للنائب الإصلاحي، الذي ناضلنا من أجله».

وتابع «هناك شعور بالإحباط واليأس من إمكانيّة إحداث تغيير في النظام السياسيّ، خاصة أنّ قسما كبيرا من الشعب اللبناني ما زال يصوّت ويتبع زعماء الأحزاب.. .فكيف يرضى شعب على نفسه أن يُحكم من مسؤولين سرقوه واستثمروا بدمه في حروبهم الشخصيّة؟».

ويعتبر قسطا أنّ هناك ضرورة لانخراط الشباب في العمل السياسيّ، حيث قال إنّ هناك «العديد من الخيارات، ويمكننا إعادة تنظيم أنفسنا، فهناك سياسة لدى أحزاب السلطة بإشاعة فكرة لدى الرأي العام بأنّ الشعب اللبناني لا يستطيع أن يعيش إلّا ضمن السلطات الطائفيّة والمناطقيّة».

من جانبه، يرى الناشط السابق في حزب (القوّات اللبنانيّة) جورج سعد أنّ الأحزاب «لم تعد وسيلة لتحقيق أهداف نبيلة للمجتمع وإنما أصبحت لمصلحة النوّاب والوزراء الذين يتزلّفون للزعيم من أجل الحصول على مكاسب سياسية».

وقال في حديث مع وكالة أنباء العالم العربي «كُنت مؤمنا بأهداف حزبنا، ومازلت على قناعة بها، ولكن بعد خمس سنوات من العمل الشبابي في الجامعة اليسوعية ببيروت.. .وصلت لنتيجة بأنّ شعارات حماية الوجود المسيحي ودوره في لبنان ليس لها تأثير على الأرض».

أضاف «كلّ التعبئة من قبل السياسيين هي من أجل إظهار قوّتهم في الشارع، ونكتشف مع الوقت أنّها لخدمة مصالحهم الخاصة وليس مجتمعنا.. .لا يوجد في لبنان نشاط سياسيّ وإنما مجرّد نكايات حزبيّة تتبدل بحسب المصالح».

شباب الأحياء المهمّشة

بعيدا عن صخب الحياة الجامعيّة التي تُعتبر العصب الأساسي للحراك الشبابي، هناك شباب آخرون يعيشون في الأحياء الفقيرة ولديهم أفكار وتحديات قد تلتقي مع غيرها من الطروحات أو تختلف معها.

في طرابلس شمال لبنان، يقع حي التنك الذي يعيش فيه خالد أحمد (20 عاما) مع أسرته داخل بيت جدرانه من حجارة غير مكسوّة وسقفه من صفائح حديدية ترفع درجة حرارة المنزل صيفا وتجعله أكثر برودة في الشتاء.

قال أحمد في حديث لوكالة أنباء العالم العربي «قد تختلف أحلامنا كشباب يعيش في الأحياء المهمشة عن غيرنا، فهم مشكلتهم قد تكون عدم توظيفهم في شركة خاصة، أمّا نحن، فمشكلتنا هي في من يُؤمّن لنا البنية التحتيّة من كهرباء وماء لنستطيع إكمال معيشتنا».

أضاف «نحن ضحيّة ثقافة المجتمع السائدة، والتي تتعامل معنا كأنّ مسار حياتنا واضح بالعمل في المهن والحرف البسيطة دون إمكانية لطموحات أعلى، إضافة للاستفادة من شبابنا للاقتتال الداخلي حين تتصارع الأحزاب مقابل إغرائهم بالمال».

وتساءل «إلى من نلجأ بحال حدوث مشكلة أو للبحث عن عمل، كون مجتمعاتنا فقيرة؟ الأساس هو العائلة والأقارب أو محاولة الوصول إلى الجمعيّات الأهليّة التي تُقدّم مساعدات، وإمّا التوجّه نحو أحد زعماء الأحزاب وبالتالي نصبح مرتبطين به حُكما».

حسن محمود (25 عاما)، الذي يعيش في حيّ الخندق الغميق المقابل لساحة الشهداء، حيث بعض الأبنية السكنية القديمة في مواجهة مكاتب ومحال ومؤسسات تتميّز بالفخامة، يرى بدوره أنه يعيش تناقضات ويحاول الخروج منها.

وقال محمود لوكالة أنباء العالم العربي «التصق اسم الحيّ بالمشاكل، كون هناك مجموعات شبابيّة تابعة لأحزاب معيّنة تستفيد منها لإحداث مناوشات كما جرى في أكتوبر (تشرين الأول) 2019، حين تعرض شباب من المتظاهرين للضرب من قبلهم. أصبحنا عند كل مشكلة يقول الناس إن هؤلاء شباب الخندق».

أضاف «في الأحياء الفقيرة، وبسبب عدم القدرة على التحرك للعيش في أماكن أخرى، نُصبح مرتبطين بالعائلة والأحزاب المسؤولة في المنطقة.. .أصبحنا محرومين من اللقاء مع الآخر، ولا نعرف إلّا من يعيش معنا، فاللقاء يكون في المقاهي، بينما الملاعب والحدائق العامة فهي مهمّشة ونادرة».

اقرأ المزيد

«الخطة القذرة».. تسجيل صادم عن ترحيل المهاجرين من بريطانيا إلى رواندا

ممثل هندي شهير يقتل أحد معجبيه بطريقة وحشية

فيديو «أطفال سودانيين» يثير الجدل على صفحات سوشيال ميديا في مصر

أهم الأخبار