سماسرة الحج في مرمى غضب المصريين
بعد رحلة شاقة والبقاء في مدينة جدّة السعودية مدة أسبوع، استطاع المصريّ عبد المنعم أخيرا الدخول إلى مكّة المكرّمة في يوم عرفة والصعود إلى جبل عرفات ليستكمل مناسك الحجّ، بعد أن كان قد فقد الأمل في تحقيق ذلك.
قال عبد المنعم في مكالمة هاتفية مع وكالة أنباء العالم العربي «حصلت على تأشيرة زيارة من شركة سياحة في محافظة المنوفية (شمال غربيّ القاهرة) بغرض أداء الحج، لكن فوجئنا بعد الوصول إلى جدّة بعدم قدرتنا على الدخول إلى مكّة، واستمرّ هذا الوضع لمدة أسبوع».
وأوضح أنّه كان ضمن فوج من نحو 100 شخص جرى تسفيرهم عبر شركة السياحة تلك لأداء الحج بتأشيرات زيارة، مشيرا إلى أنّ نحو 26 منهم لم يستطيعوا الوصول إلى مكة في يوم عرفة بسبب عدم وجود حافلات لنقلهم، وبالتالي لم يؤدّوا مناسك الحج. وتابع «تواصلنا مع الشركة أكثر من مرّة، وأخبرتنا بأنّ مسؤوليتها تقف عند توصيلنا إلى المملكة».
يصف الرجل الرحلة بأنها «كانت قاسية وصعبة نفسيّا وماديّا على كافة الحجاج (غير النظاميين) حيث لا جهة مسؤولة عنهم ولا أماكن يُمكنهم الذهاب إليها حال مرضهم، بالإضافة إلى الارتفاع الكبير في درجات الحرارة، ما تسبّب في وفاة امرأة مسنّة كانت معنا».
وكان رئيس الوزراء المصري مصطفى مدبولي قد وجّه باتخاذ قرارات فورية ضد الشركات أو الكيانات التي ساهمت في تسفير حجّاج بآليات وطرق غير رسميّة دون تأشيرات حجّ، ووضع الأطر والقواعد التي تُسهم في عدم تكرار هذا الأمر مرة أخرى، وفقا لبيان حكومي صدر أمس السبت.
أيضا، كلّف مدبولي بسرعة سحب تراخيص 16 شركة سياحة رُصد قيامها بتسفير الحجاج بصورة غير نظاميّة مع عدم تقديم أيّ خدمات لهم، وإحالة مسئولي تلك الشركات إلى النيابة العامة، مع تغريم الشركات لصالح أسر الحجاج الذين توفّوا بسبب الرحلات التي نظمتها خارج الإطار الرسمي.
الوعي مطلوب
وفقا لبيانات رسميّة، فإنّ عدد المتوفين ضمن البعثة الرسمية يقدّر بنحو 31 فقط، توفّوا بسبب أمراض مُزمنة. وبلغ إجمالي عدد الحجاج المصريين ضمن تلك البعثة، التي تشمل حجاج السياحة والقرعة ووزارة التضامن، نحو 50 ألف حاج هذا العام.
في المقابل، لا يُوجد حصر شامل لأعداد المتوفين من الحجاج غير النظاميين، وفقا لما قاله مصدر في وزارة السياحة المصرية لوكالة أنباء العالم العربي في وقت سابق، غير أنه قدّر الوفيات بالعشرات بين هؤلاء الحجاج غير النظاميين.
وصرّح وزير الصحة السعودي فهد الجلاجل يوم الأحد بأن عدد وفيات الحج هذا العام بلغ 1301 حاج، وأن 83% منهم من الحجاج غير النظاميين «الذين ساروا مسافات طويلة تحت أشعة الشمس بلا مأوى ولا راحة وبينهم عدد من كبار السن ومصابي الأمراض المزمنة».
وكان الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي قد وجّه يوم الخميس الماضي بتشكيل خليّة برئاسة مدبولي لمتابعة الوضع الخاص بوفاة حجاج مصريين غير نظاميين والتنسيق الفوري مع السلطات السعوديّة لتسهيل استلام جثامينهم وتقديم التسهيلات اللازمة في هذا الشأن، وفقا لما ذكره المتحدّث الرسميّ باسم الرئاسة المصرية في بيان.
النائبة نورا علي، رئيسة لجنة السياحة بمجلس النواب، ترى بدورها أنّ ما حدث من وفاة حجاج غير نظاميين كان سببه انسياق بعض الراغبين في أداء فريضة الحجّ وراء ما سمّتها «كيانات وهميّة وسماسرة» وأن من الضروري توعية المواطنين حتى لا يقعوا فريسة لاستغلال هذه الشركات.
لكنّ محمد سمير، وهو صاحب إحدى شركات السياحة، يرى أنّه لا مسؤولية تقع على عاتق شركات السياحة «خاصة أنّ كلّ من تقدّم إليهم جاء للحصول على تأشيرة زيارة وليس حج وقام بالتوقيع على إقرار بأنّ التأشيرة لا تمنحه حقّ الحج».
وقال سمير في حديث لوكالة أنباء العالم العربي «شركات السياحة ليست مسؤولة عن سلوكيات الأشخاص بعد التوجّه إلى المملكة، نحن قُمنا بدورنا بمساعدتهم في الحصول على تأشيرة زيارة وحجز تذاكر الطيران، وليس لنا علاقة برحلتهم داخل المملكة».
أضاف «العديد من الأشخاص يلجأون إلى استخدام تأشيرات الزيارة للحج بعد ارتفاع تكلفة الحج ووصلوها إلى نحو 250 ألف جنيه (حوالي 5200 دولار أميركي) وأكثر بينما تتراوح تكلفة الزيارة خلال الموسم ما بين 50 و60 ألف جنيه فقط».
في المقابل، أوضحت رئيس لجنة السياحة بمجلس النواب أنّ «هناك فرقا بين القوانين التي تحكم عمل شركات السياحة والقوانين الخاصة ببوّابة الحج والعمرة، بوّابة الحج والعمرة، هي المنظمة للرحلات، بمعنى أنّ الحجاج أو المعتمرين لديهم جهات تنظيمية معتمدة من الدولة توفر لهم مشرفين لرعايتهم ووسائل انتقال ومقرات للإقامة».
وقالت «هذا لم يحصل عليه أصحاب تأشيرات الزيارة، لأنهم غير مسجلين على بوابة الحج والعمرة» مؤكدة أن موسم الحج الرسمي هذا العام نجح بدون أزمات «ولم نتلق سوى شكوى واحدة فقط من انقطاع التيار الكهربائي عن إحدى الخيام وتأخّر الوجبات».
وطالبت النائبة البرلمانية بتفعيل قوانين لردع الشركات مثلما حدث مع الشركات التي أُغلقت، مشيرة إلى أنّ هناك «حملات مكثّفة على شركات السياحة للتأكّد من ضوابط العمل بها، وسيتم غلق أي شركة يثبت مخالفتها لقوانين العمل».
سماسرة وعمولات
أحد الوسطاء قال إنه استطاع جمع بيانات نحو 100 شخص من راغبي أداء مناسك الحجّ وإرسالها إلى إحدى شركات السياحة للحصول على تأشيرات زيارة بغرض الحج.
ويحصل الرجل مقابل ذلك على عمولة من الشركة، لكنّه يواجه حاليا مشكلة بسبب عدم أداء عدد من الأشخاص المناسك ومطالبتهم له باسترداد أموالهم التي دفعوها.
وقال لوكالة أنباء العالم العربي «الجميع كانوا يعلمون أنّهم ذاهبون إلى المملكة بتأشيرة زيارة لا تمنحهم حقّ الحجّ، لكنّهم أصرّوا على الذهاب.. .عليهم تحمّل مسؤوليّة قرارهم».
وأشار إلى أنّ عددا ممن لم يستطيعوا أداء المناسك اتصلوا به ووبخوه، وأيضا هدّدوه بتقديم بلاغات ضده بتهمة النصب والاحتيال.
لكنّه يرى أنّه «مجرد وسيط» دوره إيصالهم بشركة السياحة، وقال إنّ "ما دفعوه (الراغبون في الحج غير النظامي) من أموال هو تكلفة تذاكر الطيران والحصول على التأشيرة وعمولة شركة السياحة".
الحاجة هالة، كانت قد توجهت هي الأخرى إلى المملكة لأداء فريضة الحج بتأشيرة زيارة رفقة زوجها، الذي نصحه بهذا صديقٌ له أدّى الحج العام الماضي بالطريقة ذاتها «وهو ما يوفّر أموالا كبيرة بعد ارتفاع تكلفة الحجّ هذا العام» بحسب وصفها.
لكنها قالت في مكالمة هاتفية أجرتها معها وكالة أنباء العالم العربي «لم نستطع الوصول إلى مكّة حتّى عصر يوم عرفة.. .لا أعرف إذا كانت مناسك الحج صحيحة أم لا» وأكدت أنها لنّ تكرر تجربة الحجّ غير النظاميّ مرّة أخرى ولن تنصح أيّا من أصدقائها بها.
اقرأ المزيد
وباء خطير يضرب محافظة تعز اليمنية