جابر بن حيان الصوفي.. الحقيقة والأسطورة
يدعي عثمان الخميس أن العالم جابر بن حيان شخصية وهمية لا وجود لها، وهذا محض افتراء، فجابر بن حيان بن عبد الله الصوفي الأزدي الكوفي الملقب بأبي الكيمياء من مفاخر الإسلام، ومن أعظم علماء العصر الذهبي للإسلام، وأحد أهم العلماء العرب، كان حيا في أواخر القرن الثاني الهجري.
ولعل عثمان الخميس سار على خطى الشيخ ابن تيمية في تبني هذه الإدعاءات حيث يقول ابن تيمية: «وأما جابر بن حيان صاحب المصنفات المشهورة عند الكيماوية، فمجهول لا يعرف، وليس له ذكر بين أهل العلم، ولا بين أهل الدين».
والحقيقة أن أبو الفرج محمد بن إسحاق النديم (ت ٣٨٠ هـ) في كتابه الفهرست رد على هذه المزاعم التي كانت مثارة في عصره من قبل جماعة من الوراقين، حيث قال: «وأنا أقول ان رجلاً فاضلاً يجلس ويتعب فيصنف كتاباً يحتوي على ألفي ورقة يتعب قريحته وفكره بإخراجه ويتعب يده وجسمه بنسخه ثم ينحله لغيره إما موجوداً أو معدوماً ضرب من الجهل، وإن ذلك لا يستمر على أحد، ولا يدخل تحته من تحلى ساعة واحدة بالعلم، وأي فائدة في هذا وأي عائدة والرجل له حقيقة، وأمره أظهر وأشهر، وتصنيفاته أعظم وأكثر …».
ولم يكن ابن النديم هو أول من أشار لجابر بن حيان في مؤلفاته، وإنما نجد أبو بكر بن أحمد بن علي بن قيس الكسداني، المعروف بابن وحشية النبطي (ت بعد سنة ٢٩١هـ)، وهو عالم بالكيمياء أي نفس التخصص المعروف عن ابن حيان، وولد في قسين من نواحي الكوفة بالعراق، أي نفس مدينة ابن حيان فهو من أهل الكوفة، ولذا هو الأعلم بحاله، وقد ذكره في «شوق المستهام فى معرفة رموز الاقلام»، إذ قال: فمن أراد أن يطلع على حقائق علم الأقلام فليراجع كتاب (حل الرموز ومفاتيح الكنوز) لجابر بن حيان الصوفي فإنه استوفي ما يلزم هذه الصناعة من اللوازم تفصيلاً و إجمالاً».
ومرفق صورة النص من المخطوط.
كذلك نجد أبو بكر الرازي (ت311هـ) وهو كيميائي أيضاً، وكان ببغداد، يقول في كتبه المؤلفة في الصنعة: «قال أستاذنا أبو موسى جابر بن حيان». كما ذكر ابن النديم أسماء تلامذة ابن حيان، وهما الخرقي الذي ينسب إليه سكة الخرقي بالمدينة، وابن عياض المصري الإخميمي.
أما تتلمذ ابن حيان على يد الإمام جعفر الصادق رضي الله عنه فهذا ثابت في مؤلفاته كما أخبر عن نفسه في مقدمة كتاب «الحاصل» إذ يقول: «وقد سميته كتاب الحاصل، وذلك أن سيدي جعفر بن محمد صلوات الله عليه - قال لي: فما الحاصل الآن بعد هذه الكتب التي ألفها جابر، وما المنفعة منها؟ فعملت كتابي هذا وسماه سيدي بكتاب الحاصل.. .».
وأما إدعاء البعض أن المقصود هو جعفر بن يحيى البرمكي فلا يصح، فذاك جعفر بن يحيي، والمقصود جعفر بن محمد، كما أن هذا التوقير كله لا يكون موجهاً إلى برمكي. كما أشار لابن حيان: أبو الريحان محمد بن أحمد البيروني الخوارزمي (ت 440هـ) في كتابه «الجماهر في معرفة الجواهر » وسماه جابر بن حيان الصوفي.
وترجمه أبو القاسم صاعد بن أحمد الأندلسي القرطبي (٤٦٢ هـ) في كتابه «طبقات الأمم» إذ قال: «جابر بن حيان الصوفي الكوفي كَانَ متقدماً فِي العلوم الطبيعية بارعاً منها فِي صناعة الكيمياء وَلَهُ فِيهَا تآليف كثيرة ومصنفات مشهورة وَكَانَ مع هَذَا مشرفاً عَلَى كثير من علوم الفلسفة ومتقلداً للعلم المعروف بعلم الباطن وهو مذهب المتصوفين من أهل الإسلام كالحارث بن أسد المحاسبي، وسهل بن عبد الله التستري ونظرائهم.. وذكر محمد بن سعيد السرقسطي المعروف بابن المشاط الاسطرلابي الأندلسي أنه رأي لجابر بن حيان بمدينة مصر تآليفاً فِي عمل الاسطرلاب يتضمن ألف مسألة لا نظير لَه».
ونقله ترجمته تلك جمال الدين أبو الحسن علي بن يوسف بن إبراهيم الشيباني القفطي (ت 646 هـ) في كتابه "إخبار العلماء بأخبار الحكماء».=كما أشار له أحد أكابر فلاسفة الإسلام، موفق الدين عبد اللطيف بن يوسف بن محمد بن علي البغدادي، (ت ٦٢٩هـ)، قال: «وحصلت كثيراً من كتب جابر بن حيان الصوفي».
وأشار له ونقله عنه الشريف أبي جعفر محمد بن عبد العزيز الإدريسي الحسني (ت 649 هـ) في كتابه «أَنوارٍ عُلْوِي الْأَجْرَامِ في الكشف عن أسرار الأهرام».
كما ذكره المؤرخ ابن خلكان (ت681هـ) في ترجمة الإمام جعفر الصادق رضي الله عنه، قال: «وكان تلميذه أبو موسى جابر بن حيان الصوفي الطرسوسي قد ألف كتاباً يشتمل على ألف ورقة تتضمن رسائل جعفر الصادق وهي خمسمائة رسالة».
وفي كتاب عالم الكيمياء علي الجلدكي (ت743هـ) «البرهان في أسرار علم الميزان»: «الأستاذ الكبير جابر بن حيان ولد في الكوفة، وهو من قبيلة أسد فهو طوسي الأصل، صوفي المذهب، تتلمذ في صباه على حرابي حميرات أحد المعمرين».
ووصفه العلامة ابن خلدون (ت808هـ) في مقدمته وهو بصدد الحديث عن علم الكيمياء فقال: «إمام المدونين جابر بن حيّان حتى إنهم يخصونها به فيسمونها علم جابر وله فيها سبعون رسالة كلها شبيهة بالألغاز».
اقرأ المزيد:
المخابرات الإيرانية تنفذ اعتقالات قبل انطلاق الانتخابات الرئاسية