أزمات في لبنان جراء غياب الإحصاءات الدقيقة
يرى مراقبون للوضع في لبنان أنّه يُعاني من غياب للإحصاءات والبيانات الدقيقة على نحو يخلق عدّة مشكلات ذات أبعاد مختلفة ويشكّل مادّة للاستثمار السياسيّ من قبل الأحزاب.
من وجهة نظر هؤلاء، فإنّ هذا يظهر جليّا في تضارب الأرقام التي يكشف عنها مسؤولون وسياسيون في تصريحاتهم، وهو ما يضعه باحثون ضمن مسار تراجع دور مؤسسات الدولة على حساب تمرير مصالح طائفية وحزبية، حسب وكالة أنباء العالم العربي.
ومن الأمثلة الأبرز على هذا التضارب، غياب رقم دقيق لأعداد النازحين السوريين في لبنان، فبينما يقدّر اللواء إلياس البيسري، مدير عام الأمن العام بالوكالة، عدد النازحين بحوالي 2.1 مليون شخص، لا يزيد عدد المسجلين لدى المفوضية السامية لشؤون اللاجئين على 880 ألفا، في حين تشير تقديرات حكومية إلى أن العدد يقدّر بنحو 1.8 مليون نازح سوري.
صادق علوية، عضو المجلس الاقتصادي والاجتماعي، يرى بدوره أنّ «الأمر يتعلّق بسوء إدارة الدولة، فالدولة لا تخطّط لتحسين الخدمات للمواطنين، وإن أرادت في منطقة معينة دراسة مدى حاجاتها، فإنّ دراسة هذه المشاريع لا تتم على أساس عدد السكان، وإنّما على أساس المصلحة الحزبيّة والطائفيّة».
وقال «علينا أن نعتمد القوانين التي نصّت على ضرورة ميكنة الإدارة العامة. هذه الأرقام هدفها المساهمة في التخطيط، وإذا أردنا إنشاء معمل للكهرباء أو تمديدات صحيّة في منطقة ما، فهذا يقتضي أن تكون لدينا أعداد صحيحة، فالبداية من الأرقام للوصول إلى دولة وليس استعمالها طائفيّا ومذهبيّا».
ممكن ولكن
وبينما يرى علوية أنّ غياب الأرقام الدقيقة في ملفّ اللاجئين السوريّين «سببه الفلتان الحاصل إبان الحرب السوريّة عام 2011، حين تم إدخال النازحين دون قيود» فإنّه يعتبر أنّ الوصول إلى أرقام وبيانات دقيقة في ملفّات أخرى أمر ممكن.
وقال «بالنسبة لعدد المهاجرين، فإنه في كلّ دول العالم لا توجد أرقام دقيقة، ويتم تقديرها بناء على عدّة معطيات، فالأعداد يُمكن إحصاؤها برقم تقريبيّ ولا تقوم الدولة به بشكل رسميّ».
أضاف «من المؤكّد أنّ الرقم المتداول من قبل الأجهزة الأمنيّة أو المنظمات الدوليّة هو قريب إلى الواقع، إلا أنّ عدم وجود الأعداد الأكيدة سببه أيضا عدم وجود ميكنة لعمليّات الدولة».
في المقابل، يرى عضو المجلس الاقتصادي والاجتماعي أن هناك وضوحا في الأرقام عندما يتعلق الأمر بقوائم الناخبين «مع كل طائفة ومذهب على حدة».
اقتصاد ومعيشة
يؤثّر غياب الإحصاءات الدقيقة أيضا على الملفّات الاقتصاديّة والمعيشيّة، وهو الأمر الذي ينعكس بدوره على قدرة المواطنين على تأمين حياة كريمة والحصول على الأجر والراتب المناسب.
وبينما رفع لبنان الحدّ الأدنى لأجور القطاع الخاص إلى 18 مليون ليرة لبنانيّة (حوالي 200 دولار أميركي) من تسعة ملايين، ترى (المؤسسة الدوليّة للمعلومات) في بيروت أنّ الحد الأدنى يجب ألا يقل عن 52 مليون ليرة، في حين تُشير إدارة الإحصاء المركزي إلى أنّ الحد الأدنى يجب ألا يقل عن 37 مليون ليرة.
اقرأ المزيد
«خليجيون»| لماذا تراجعت الأضواء عن صفقة بايدن ومحمد بن سلمان؟