كيف تفاعلت مصر مع أزمات ومخاطر الإقليم؟

كيف تفاعلت مصر مع أزمات ومخاطر الإقليم؟
اللواء تامر الشهاوى

لا تنقطع مساعي الدول نحو تحسين مكانتها الدولية، وتعظيم نفوذها، لتعزيز مصالحها وحمايتها.. ومن موارد التميز والتفوق لدولة على أخرى ما يتوفر لها من إمكانات سياسية واقتصادية، وعسكرية، و تكنولوجية، وغيرها، والقدرة على توظيف هذه الإمكانات بالشكل الأمثل، لا سيما من جهة تحديد الأهداف ومراحل الانجاز، والأولويات وأهميتها وبما يلائم إمكاناتها وقدراتها.

وتعد قدرة الدولة على توظيف موارد القوة لديها في المناطق بشكل عام والمهمة منها على وجه الخصوص لتوسيع نفوذها وتعزيز مصالحها واحدة من نقاط التفوق التي تمكنها من تحقيق المكاسب على المستوى الدولي و تتشكل السياسة الخارجية للدول بخصائصها القومية، وبقيم بإدراكات صانعي السياسة فيها، وبالبيئة العالمية والإقليمية المحيطة، وهو ما يطرح بدوره مسألة القدرات والفعالية الخاصة بدورها الخارجي، والفجوة بين تلك الموارد والقدرات وبين الفعالية.

بهذا المعنى، تتجلى بوضوح أهمية الوقوف على محددات وركائز وفلسفة السياسة الخارجية المصرية في ظل إقليم يشهد الكثير من الاضطراب والتشابك بين قضاياه، وتدخل الكثير من القوى الإقليمية والدولية المتنافسة.

مصر لم تنخرط عسكرياً في أى من الصراعات الإقليمية، على الرغم من أنها تمتلك واحدة من أكبر القوى العسكرية في الإقليم

وبنظره سريعة على الاقليم يتضح أن خارطة الصراعات والتوترات والنزاعات غالبة، رغم ما تشهده بعض الملفات من تسكين وتحسين في آليات التوافق تجاه بعضها، فمعظم البلدان تعاني من تداعيات ومخاطر تلك الخريطة، وهو ما يُلقي بظلاله وبحسابات شديدة التعقيد على الرؤية، والإدراك المصري لمستقبل المنطقة، وما فرضته المتغيرات من تراجع لآليات العمل الجماعي وفعاليتها، وترهل النظام الإقليمي، وتوسع النطاق الجغرافي والاستراتيجي الذي يشمل العالم العربي، الأمر الذي يطرح المقاربة التقليدية التي تثير الكثير من الجدل والنقاش حول منظور المصلحة الوطنية، وعلاقتها بحدود الالتماس بين ما تتطلبه المكانة الإقليمية والدولية من مقتضيات وتكلفتها، وبين ما تحتمه تلك المصلحة والأهداف الاستراتيجية من ترتيب للأولويات والمسئوليات في ضوء الموارد والقدرات تلك المفارقة وتعقيدات الحسابات وسيولة الانتقال من أنماط ومستويات التعاون إلى الصراع والتنافس بين ملفات العلاقات الثنائية والمتعددة، تضعنا أمام شبكة من التفاعلات التي تزيد من تكلفة المحافظة على المصالح الاستراتيجية المصرية، في ظل تصورات بعض القوى الدولية والإقليمية لوجود فراغ استراتيجي في المنطقة تسعى لملئه من خلال التنافس، وعدم مراعاة مصالح الآخرين.

وتجدر الإشارة هنا أن هذه الحالة لا تقتصر على مصر، ولكن على معظم القوى الرئيسية الكبرى في المنطقة العربية، وهو ما يخلف شعورا بالضبابية وارتفاع مستوى المخاطر.

لذا تكون الإشكالية الرئيسية في ماهية الرؤية المستقبلية للأمن الإقليمي المصري في ضوء نظريات التوازن الاستراتيجي وهو ما يتحقق من خلال محورين، المحور الأول هو المعرفه الدقيقة للتحليل البنيوي للتوازن الاستراتيجي المصري، والمحور الثاني الآفاق المستقبلية للأمن الإقليمي في ضوء نظريات التوازن الاستراتيجي.

واتساقاً مع كل ما سبق تمحورت السياسات المصرية حول بناء القوة الذاتية، واستقلالية القرار، هذا بالاضافة إلى تدعيم مرتكزات المكانة، وإعادة مصر لدورها العربي، ومكانتها التقليدية في المنطقة، يضاف إلى ذلك محاولة إحتواء مصادر التهديد.

وبالتالي يتضح هيمنة التوجهات المحافظة المتزنة الساعية للحفاظ على الوضع الراهن على رؤية القيادة السياسية للدور المصرى بحكم موقع مصر الجيوسياسي ومواردها الطبيعية والبشرية ورصيدها الحضاري والثقافي بل امتلاكهالكل مقومات القوى الشامله للدولة.

لكن قوة الدور تتعلق بالقدرة على توظيف الدولة لمصادر وموارد القوة الشاملة بفاعلية، واستثمارها في مجال السياسة الخارجية، باعتبارها أحد المعايير النظرية للقوة الشاملة، وهى انعكاس لكفاءة الدولة على توظيف وإدارة مكتسباتها مثل الموقع الجغرافي، والتراكم الحضاري بتجلياته الثقافية، وتنمية الموارد الاقتصادية والكتلة البشرية وما تتميز به من قدرات نوعية ومدى تماسك الجبهة الداخلية، بالإضافة إلى دور السلطة في الإدارة ومدى قدرتها على تحقيق الإرادة القومية في تلبية الاحتياجات وتوفير الأمن وحماية المصالح الحيوية للدولة.

خبرة العقد التالي لما وصفت بـ«الثورات العربية» عكست إدراكًا مصريًا مبكرًا لمآلات أزمات الإقليم وسيل تسويتها

وتستدعي الحالة المصرية فكرة أدوات القوة الصلبة والناعمة، وبالنظر للقوة العسكرية التي تمثل النواة أو القوة الصلبة للدولة المصرية، فالملاحظ أن مصر لم تنخرط عسكرياً في أى من الصراعات الإقليمية، على الرغم من أنها تمتلك واحدة من أكبر القوى العسكرية في الإقليم بمعايير التصنيف الدولي. وفي المقابل، هناك قوى إقليمية تعمدت مبدأ «عسكرة» السياسة الخارجية، وحولت الإقليم إلى حلبة صراع.

عادت مصر إلى الواجهة كلاعبٍ إقليمي رئيسي، واستغلت موقعها الإستراتيجي ومواردها الطبيعية والبشرية، ولا تزال مثلما كانت في الماضي، عاملا مهما ومؤثرا في استقرار الوطن العربي عموما ومنطقة الشرق الأوسط على وجه الخصوص، فهي الدولة العربية الأكثر اكتظاظًا بالسكان، ولديها أقوى جيش عربي، كما أن استقرار نظام حكمها يكتسي أهمية لدى الدوائر السياسية الغربية في منطقة تموج بالفوضى والتوترات، وهو ما تؤكد عليه دومًا الإدارة الأمريكية.

وعلى سبيل المثال وليس الحصر فمصر لا زالت محطة دائمة لمؤتمرات واتفاقيات تتعلق بالقضية الفلسطينية، أكثر من أي دولة عربية أخرى، بحكم حجمها وحدودها مع فلسطين.

وقد ارتكزت الرؤية المصرية فى تفاعلها مع أزمات الإقليم التي جاءت نتاجًا لما أطلق عليه «ثورات الربيع العربي» على أسس من المبادئ الراسخة أهمها: الحفاظ على وحدة الدولة العربية الوطنية، ودعم تماسك الجيوش العربية باعتبارها ركائز الحفاظ على وحدة الدولة وسلامتها الإقليمية، ومكافحة الإرهاب واعتباره ظاهرة تحتاج لتكاتف كافة الدول، لكونه ظاهرة عابرة للحدود تحول دون استقرار وتنمية المجتمعات وتؤدى إلى تقسيمها وتفككها وإشاعة الفوضى داخلها، والاتجاه نحو التهدئة مع دول الإقليم غير العربية، والسعي لتسوية أزماتها مع دول المنطقة عبر الحوار البناء فى إطار الحفاظ على المصالح الوطنية للدول العربية.

لذا نستطيع ان نقول إن تفاعل مصر مع أزمات الإقليم ارتبطت ببعدين:

الأول: رؤية وتوجهات خارجية ارتكزت على محورية الحفاظ على وحدة وتماسك الدولة العربية وسيادتها وسلامتها الإقليمية.

والثاني: وربما هو الأهم، امتلاك القدرة على ترجمة تلك التوجهات إلى سلوك مؤثر على أرض الواقع. وهو الأمر الذي كشفته خبرة العقد التالي لما وصفت بـ«الثورات العربية»، والتي عكست إدراكًا مصريًا مبكرًا لمآلات أزمات الإقليم، وكيفية تسويتها لصالح مشروع الوحدة والاستقرار ضد مشروع التفتيت والتقسيم والفوضى.

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

* باحث عسكري مصري - عضو مجلس النواب ولجنه الدفاع والامن القومى المصرى السابق

أهم الأخبار