شاهد: مجزرة المواصي تعري أكذوبة «المنطقة الآمنة»
يحاول المعلمون نقل تلاميذهم الفزعين إلى ذويهم في الطرف الآخر من الشارع، يضعون أيديهم على أعين الأطفال كي لا يروا هول ما حولهم من جثث وأشلاء ودماء متناثرة في كل مكان.
وبينما تنفض جنى (12 عاما) التراب عن نفسها وتتابع بعينيها نقل المصابين على الطريق المؤدي لخيمتها، أخذت تروي كيف روَّعتها أصوات الصواريخ بالقرب منها وتقول «عشت أشد لحظات الرعب في حياتي».
تمضي الفتاة الصغيرة في وصف الأحداث قائلة «كنت برفقة أصدقائي في مخيم لتعليم الصغار الدراما المسرحية بالقرب من شارع النص (في مواصي خان يونس) حين سمعنا جميعا صوت تساقط الصواريخ علينا. انبطحنا أرضا وتعالت أصوات الصراخ والاستغاثة»، وتضيف «لم نكن نفهم ما يجري، وما كدنا نرفع رؤوسنا حتى عادت الصواريخ تنهمر من جديد.حاول معلمونا أن يحمونا ويهدئونا»، وفق وكالة فرانس برس.
فقد شن جيش الاحتلال الإسرائيلي اليوم السبت هجوما مباغتا على منطقة مواصي خان يونس بجنوب قطاع غزة قالت وزارة الصحة بالقطاع إنه أفضى إلى مقتل أكثر من 71 فلسطينيا حتى الآن وإصابة 289 بعضهم في حالة خطيرة.
وزعم جيش الاحتلال في بيان أن العملية كانت تستهدف محمد الضيف، قائد كتائب القسام الجناح العسكري لحماس، وأعضاء آخرين بالحركة قال إنهم كانوا مختبئين بين المدنيين. غير أن حماس وصفت هذا بأنه «ادعاءات كاذبة للتغطية على المجزرة المروعة».
وبعد لحظات من الترقب، وصل بعض الأهالي للمخيم التعليمي للاطمئنان على أبنائهم واصطحابهم في طريق العودة، بينما تولى المعلمون مهمة إيصال الباقين. وقالت جنى لوكالة أنباء العالم العربي إنه رغم محاولة المعلمين تغطية أعينهم تفاديا لوقوعها على الجثث والأشلاء المنقولة على عربات الجر وغيرها «لم يفلح هذا في منعي وأصدقائي من رؤية فظائع ستبقى تحاصر ذاكرتنا طوال حياتنا».
كابوس مرعب في حان يونس
على الطرف الآخر من الشارع، يحكي بهاء الدين البنا (20 عاما) "كنت في طريقي إلى سوق النص لشراء بعض احتياجات أسرتي في اللحظة التي سقط فيها أمامي ثلاثة صواريخ هزت المنطقة. تسمَّرت في مكاني عاجزا عن الحركة".
ويتابع «بينما كنت أحاول استيعاب ما حدث، دفعتني جموع المهرولين إلى إسعاف المصابين نحو الأمام، فرأيت من جملة ما رأيت سيدة مصابة على جانب الطريق بُترت ساقها وتستغيث لانتشالها. انطلقت نحوها فأوقفني صوت صاروخ جديد سقط في وسط المتجمهرين حول مصابي الاستهداف الأول».
ويُكمل «كان المشهد ملحميا بكل ما تحمل الكلمة من معنى.. جثث متناثرة وأشلاء تتساقط مع الشظايا فوق رؤوسنا كالمطر، والشارع غارق في نهر من الدماء، وأنا منبطح أرضا لا أدري إن كنت أُصبت أم لا، وعلى ماذا سينتهي هذا الكابوس المرعب». وقبل أن يتقدم مجددا نحو السيدة المستغيثة في الضربة الأولى، تكرر استهداف جموع المسعفين مرة أخرى مخلّفا دفعة جديدة من القتلى ومزيدا من الأشلاء.
ويواصل حديثه «تحليت برباطة الجأش، ووصلت أخيرا إلى السيدة متجاوزا جثثا عديدة. كان كل همّي إنقاذ شخص لا يزال على قيد الحياة، لكن الصدمة كانت عندما رأيتها وقد فارقت الحياة، بُترت أجزاء أخرى من جسدها بعد الضربات المتتالية».
خوفا وقهرا
ويروي محمود أبو زبيدة، معلم الدراما في مخيم (ابتسامة طفل) على شاطئ منطقة النص، ما رأى. يقول «كنت أعمل مع الأطفال حين فزعنا على صوت ثلاثة انفجارات متتالية. أسرعت لاحتضان الأطفال رفقة زملائي المعلمين ومحاولة تأمينهم بأجسادنا بينما كنا من دواخلنا نرتعد خوفا عليهم وقهرا على أهلنا، فالمنطقة منطقة سوق شعبية مكتظة دوما بالمواطنين والأطفال».
وعن عمله بالمخيم قال «بينما نحن نعمل على تقديم الدعم النفسي للأطفال ومحاولة التخفيف من الآثار السلبية للحرب على نفوسهم وتمكينهم من التعبير عن مشاعرهم ورواية قصص معاناتهم من خلال العروض المسرحية، يكرر جيش الاحتلال جرائمه الفظيعة ضد الأبرياء».
ويضيف «حاولنا قدر المستطاع التهدئة من روع الأطفال ومنعهم من رؤية الجثث وأشلاء الشهداء والمصابين، إلا أن استمرار تدفقها على الطريق حتى بعد أكثر من نصف الساعة من الاستهداف كان أكبر من قدرتنا على السيطرة». ويواصل قائلا «بكل تأكيد سيحتاج هذا الموقف وحده إلى سنوات طويلة ومتواصلة من العمل مع الأطفال لمعالجة الانعكاسات التي خلَّفها على صحتهم النفسية، ولو نسبيا».
من ضمن شهود العيان على القصف الدامي عمر النجار الذي تحدث عن أسراب من طائرات الكواد كابتر المُسيَّرة في سماء مربع الاستهداف وقال إنها كانت تطلق النار نحو المواطنين بالتزامن مع إطلاق الزوارق البحرية الإسرائيلية النار على شاطئ البحر في ذات المنطقة.
استهدفت الضربة العدوانية الإسرائيلية منطقة صنقها جيش الاحتلال الإسرائيلي على أنها «منطقة آمنة» وطلب إجلاء المواطنين إليها، وهي منطقة تكتظ بأكثر من 80 ألف نازح بحسب ما ورد في بيان حركة حماس. أما النازحون فقد كانوا يعتبرونها «المنطقة الأكثر أمنا».
وقال أحدهم «هذه المواصي أكثر منطقة آمنة وأكثر منطقة مكتظة بالسكان. القتلى بالعشرات في كل مكان، تحت الركام، تحت الخيام».
اقرأ المزيد:
من سد النهضة إلى غزة.. ما المنتظر من حكومة مدبولي الثانية في مصر؟