تضييق أم انضباط؟.. تعديلات «الخدمة المدنيّة» تربك موظفي الأردن

تضييق أم انضباط؟.. تعديلات «الخدمة المدنيّة» تربك موظفي الأردن
موظف أردني في مكتب الخدمات الحكومية. (أرشيفية)
عمان: «خليجيون»

بعد أن دخلت التعديلات الجديدة على نظام الموارد البشرية والخدمة المدنية في الأردن حيّز التنفيذ، استدعي الثلاثيني الأردني محمود مشهد الموظف الذي سحب ورقة بيضاء وقدّم استقالته لمديره في المسلسل السوري (يوميات مدير عام) عندما خيّره بين الاستقالة من وظيفته الحكومية أو ترك العمل كسائق أجرة.

محمود، الذي فضّل استخدام هذا الاسم المستعار، يعمل أيضا موظّفا في إحدى الجهات الحكوميّة ويستخدم سيّارته لتقديم خدمات النقل التشاركي عبر التطبيقات المخصّصة لذلك بعد انتهاء دوامه، من أجل تحسين دخله وتلبية احتياجات أسرته في ظلّ الارتفاع المستمر في تكاليف المعيشة، وفق وكالة أنباء العالم العربي.

لكن تلك التعديلات الجديدة، تمنع موظّفي القطاع الحكومي في الأردن من العمل خارج ساعات الدوام الرسمي، لذلك، فإنه يفكّر في أيّ وسيلة بديلة يُمكن أن تحفظ له وظيفته الحكوميّة بينما يستمرّ في الوقت ذاته في عمله الإضافي.

وقال الثلاثيني الأردني في حديث لوكالة أنباء العالم العربي «لا أعلم كيف يضع شخص أردني مثل هذا الشرط، وهو على يقين من أنّ راتب الموظف الذي لا يتجاوز 500 دينار (حوالي 705 دولارات) غير كاف لسدّ الاحتياجات المعيشيّة الأساسيّة لأيّ مواطن في ظلّ ارتفاع الأسعار وغلاء المعيشة».

الأمان الوظيفي

من أبرز تعديلات نظام الخدمة المدنية التي أُقرّت في الآونة الأخيرة حظر العمل خارج أوقات الدوام الرسميّ، وإلغاء الإجازات المفتوحة بدون أجر، ومنح الموظّفين خارج المملكة مدّة لا تزيد على سنتين لتسوية أوضاعهم إما بالاستقالة أو العودة إلى العمل في وظائفهم السابقة.

هذه التعديلات جعلت المعلّم الأربعيني علي طشطوش أيضا أمام خيارين «أحلاهما مر» كما يصف، فإمّا أن يتخلّى عن وظيفته كمعلّم في وزارة التربية والتعليم، أو أن يُنهي تعاقده مع المدرسة التي يعمل بها في إحدى دول الخليج.

وقال لوكالة أنباء العالم العربي إن اتخاذ القرار بهذا الخصوص صعب للغاية بالنسبة له، فبينما يوفّر العمل في الأردن أمانا وظيفيّا، يجد الرجل أنّ هناك فرقا كبيرا بين راتبه في وزارة التربية والتعليم والدخل الذي يحقّقه من عمله خارج البلاد، والذي يصل إلى أضعاف الراتب في المملكة.

ويرى طشطوش أنّ نظام الموارد البشرية والخدمة المدنيّة «مجحف بحق الموظفين» الباحثين عن الاستقرار الوظيفي من جهة والمالي من جهة أخرى عندما يقررون أخذ إجازة غير مدفوعة الأجر للعمل خارج البلاد وتأمين احتياجاتهم أسرهم.

ووفقا للبيانات الحكوميّة، فقد تجاوز عدد الموظّفين الحاصلين على إجازات بدون أجر 13 ألف موظف، غالبيّتهم من العاملين في وزارتي الصحّة والتربية والتعليم، من أصل نحو 220 ألف موظف في مختلف الوزارات ومؤسسات القطاع الحكومي.

خطوة لتحسين الأداء

وبينما أثار تعديل النظام الجديد غضبا واسعا بين موظّفي القطاع الحكوميّ المتأثرين، ذهب الكثير من الأردنيين إلى تأييد التعديلات واعتبارها خطوة جيدة لرفع جودة الخدمات الحكومية وتحسين أداء الموظفين مع وضع النظام الجديد معايير لتقييم أداء الموظفين بشكل دوري.

ويرى جمعة الفواعير، المدير المالي في إحدى الشركات الخاصة، أن غياب تطبيق معايير الثواب والعقاب في مؤسسات الدولة المختلفة «خلق حالة من الترهّل الوظيفيّ والإداريّ» انعكست سلبا على مصالح المواطنين الذين يواجهون صعوبات كثيرة في إنجاز معاملاتهم الرسميّة.

وقال في حوار أجرته معه وكالة أنباء العالم العربي إن التعديلات الجديدة «ستحسّن اهتمام الموظّفين الحكوميّين بالانضباط في عملهم وتعاملهم من المراجعين وأصحاب المعاملات».

ولا يختلف رأي جمعة كثيرا عن مبرّرات الحكومة لتعديل نظام الموارد البشريّة والخدمة المدنيّة، حيث يرى المدير التنفيذي في هيئة الخدمة المدنية ياسر النسور أن تلك التعديلات "ستعالج الانزعاج الشعبي من تردّي مستوى الخدمات والبيروقراطية أو تردي كفاءة وأداء القطاع العام" عبر منظومة متكاملة للترقّي على السلم الوظيفي أو العقاب الذي يصل إلى حدّ إنهاء الخدمة.

وقال النسور في حديث لوكالة أنباء العالم العربي إنّ نظام الموارد البشرية الجديد «عصريّ ويواكب الأنظمة المعمول بها في القطاع الخاص، وجاء منسجما مع خطّة الإصلاح الإداري من حيث تمكين الموظّفين وجذب الكفاءات ورفع تنافسيّة الرواتب بما يليق بأهميّة الوظيفة وتقديم الخدمات الفضلى للمواطنين».

أضاف أنّ «من شأن النظام الجديد تعزيز كفاءة الموظّف وتطوير إمكانيّاته وإنتاجيّته، كما أنّه لا ينتقص من حقوق الموظّفين، بل على العكس يحافظ على جميع حقوقهم الماليّة المكتسبة وعلى سلّم الدرجات الوظيفيةّ، لكن في الوقت ذاته تم ربط ذلك بالأداء والكفاءة».

واعتبر أنّ هذا النظام يهدف إلى «ترسيخ التخطيط الاستباقيّ للموارد البشريّة في الدوائر الحكوميّة وبناء احتياجاتها وتنمية قدرات الموظّفين بما يتوافق مع الخطط الوطنيّة والقطاعيّة».

آثار اقتصاديّة «سلبيّة»

وبينما يرى أستاذ الاقتصاد إبراهيم أن بعض التعديلات الجديدة «ستزيد كفاءة القطاع الحكومي، وتحسن من أداء الموظفين الذين يعاني الكثير منهم من الترهّل وعدم الاكتراث بجودة عملهم، وتخفف من وقت إنجاز المعاملات على المواطنين" فإنه يخشى من تداعيات اقتصاديّة يصفها بالسلبية».

وقال في حديث لوكالة أنباء العالم العربي إن هناك تعديلات أخرى «لها انعكاسات اقتصادية سلبية على عشرات الآلاف من الموظّفين الذين يعتمدون على أعمال إضافيّة لتأمين احتياجاتهم المعيشية».

أضاف «من جهة أخرى، فإنّ هذا (النظام الجديد) سيؤثّر على الاقتصاد الوطنيّ، بعد إجبار الآلاف أيضا على العودة من الخارج، وهذا يعني تراجع تحويلات الأردنيّين العاملين في خارج المملكة».

واعتبر أن التعديلات الجديدة «رغم أنّها عالجت الكثير من الاختلالات، فقد أغفلت معالجة تدنّي رواتب الموظّفين في القطاع الحكومي وعدم زيادتها منذ سنوات.. .ولم يتم التطرّق كذلك إلى إعادة هيكلة القطاع العام، وتدريب الموظّفين لتطوير مهاراتهم كل حسب تخصصه».

ومع مطلع عام 2021، قرّرت الحكومة الأردنية رفع الحد الأدنى للأجور الشهرية إلى 260 دينارا بدلا من 220 دينارا.

اقرأ المزيد:

الأمم المتحدة تدعو للإفراج عن صحفي ليبي محتجز

مهرجانات تونس الصيفيّة.. تخمة عروض وجدل حول الذوق العام

عبد العاطي: أمن الخليج.. «مصلحة مصرية مباشرة» (صور)

أهم الأخبار