أمريكا وإشكاليات «الإرهاب الحوثى»
تحرص «خليجيون» على نشر أبرز المقالات في شتى المجالات الاقتصادية والسياسية والفنية والرياضية، المقال التالي بقلم/ حسن أبو طالب خبير مصري بمركز الدراسات السياسية والاستراتيجية التابع لصحيفة (الأهرام)
ارتفعت وتيرة هجمات الحوثيين بالصواريخ والطائرات المسيرة على أهداف مدنية فى كل من السعودية والإمارات، وصفها المتحدث العسكرى للحوثيين بأنها أهداف حسّاسة وذات رمزية. ومعها ارتفعت الأصوات فى الأمم المتحدة وفى كثير من الدول، لاسيما فى الداخل الأمريكى، خاصة الكونجرس وفى الإعلام، والتى تطالب بوسم الحركة بالإرهاب، ووضعها فى قامة الكيانات الإرهابية.
الرد الذى أعلنه البيت الأبيض كان موجزاً بأن الأمر قيد الدراسة. خبراء فى «الخارجية الأمريكية» لديهم مبرّرات لوضع الحركة فى قائمة الإرهاب، منها أنها لا تستجيب للمبادرات الأممية للحل السلمى ووقف الحرب، وأيضاً المبادرات التى قدّمتها الولايات المتحدة ذاتها بالتنسيق مع عمان، وتتمادى -أى الحركة الحوثية- فى العلاقة مع إيران وجهودها التى تزعزع أمن واستقرار المنطقة ككل، وتُصعّد الهجمات ضد أهداف مدنية كالمطارات وحقول إنتاج النفط ومخازن الوقود والأماكن المأهولة، وهى كلها عناصر فى العرف الأمريكى تُبرّر وصم فاعلها بالإرهاب، وبالتالى الخضوع لكثير من العقوبات، وتقييد التواصل معه، ومحاربته فى المجال الدولى، ومنع الموارد عنه بجميع أشكالها.
الداعمون لتلك الخطوة يرون وجوبها فوراً، باعتبارها تصحيحاً واجباً للقرار الذى اتخذه الرئيس بايدن بعد أيام قليلة من بدء رئاسته قبل عام برفع الحركة من قوائم الإرهاب بهدف تيسير التواصل الأمريكى معها وتشجيعها على الانخراط فى الجهود السلمية، لكن الأمر جاء بعكس مبتغاه، ولذا وجب التصحيح.
اتجاه ثانٍ ينظر إلى الأمور نظرة مختلفة، يدعم فيها متغيرات عملية من وجهة نظره لا تتجاهل التصرفات الحوثية ومخاطرها، ولكنه يرى أن وضع الحركة فى قوائم الإرهاب وداعميه سيُحد من أى تواصل أمريكى مع الحركة لاحقاً، كما سيضع قيوداً على الدور الأمريكى فى حال كانت هناك احتمالات لعملية تسوية سياسية، وسيوفر لداعمى الحركة مزيداً من النفوذ، وربما يحفّزها أكثر فى التمادى لزعزعة الاستقرار الإقليمى. وكنقطة وسط يفضّل هؤلاء تقديم مزيد من الدعم للحلفاء المتضرّرين، وممارسة مزيد من الضغوط السياسية والمعنوية على الحركة لوقف تلك الممارسات الخطيرة، والقيام بجهد أكبر فى محاصرة الطرق والمنافذ البرية والبحرية التى يتم عبرها وصول مكونات الطائرات المسيرة والصواريخ الإيرانية إلى مناطق نفوذ الحركة الحوثية، بغرض التأثير قدر الإمكان على قدراتها فى الإضرار بالحلفاء.
بعض مروجى الاتجاه الثانى يفضّلون التهديد بوضع الحركة فى قوائم الإرهاب إلى أن تنتهى المفاوضات مع إيران بشأن برنامجها النووى. والمسألة بالنسبة لهؤلاء تتعلق بالتوقيت الأنسب لاتخاذ القرار النهائى، مع الحفاظ على خيارات مختلفة ومتدرّجة من حيث الحدة والقوة.
والواضح أن ما أعلنته إدارة الرئيس بايدن بأن وضع الحركة الحوثية فى قوائم الدول والكيانات الراعية للإرهاب هو قيد الدراسة يعنى تحديداً المفاضلة بين هذه الاتجاهات الرئيسية السائدة لدى دوائر الخارجية والاستخبارات والأمن القومى، وبالتالى فالأمر سوف يتطلب بعض الوقت لحسم الأمر. معروف أن مجرد وضع طرف ما، كشخص أو مؤسسة أو دولة أو منظمة، فى قائمة الإرهاب الأمريكية يكون له تأثير مباشر على مواقف الكثير من الدول والمؤسسات الدولية، والتى تميل مباشرة إلى التماهى مع الموقف الأمريكى، وتلتزم بعقوباته تحسّباً من التعرّض لعقوبات أمريكية مباشرة. ومعروف أيضاً أن وضع الطرف المقصود فى قائمة رُعاة الإرهاب يتم بقانون أو بقرار رئاسى، والأول يكون له وقع أقوى، لأنه يضع شروطاً على مؤسسات تنفيذ القانون بألا تتراخى فى تطبيق العقوبات المحدّدة، وألا يتم رفع الجهة المعنية من قائمة داعمى الإرهاب إلا بشروط، كما يكون على كل من الخارجية ووزارة الخزانة تقديم تقارير دورية للكونجرس لضمان تطبيق حاسم للقانون. وإذا ما تغيّرت الظروف وأصبح هناك ما يبرر رفع الجهة الموصومة بالإرهاب من تلك القائمة اللعينة، تقوم الخارجية الأمريكية بتقديم المبررات المقنعة للمشرعين لاتخاذ قرار الرفع، والأسانيد التى يقوم عليها القرار الرئاسى. وفى حالة السودان، لم يتم رفع اسمه من قائمة الدول الداعمة للإرهاب إلا بعد مرور أكثر من 25 عاماً، وبعد سقوط نظام البشير، وجاءت الخطوة الأمريكية فى مارس الماضى لدعم التحولات السياسية فى السودان نحو نظام جديد يمارس علاقات دولية وإقليمية بأسلوب ومنهج مختلف عما كان قبل سقوط البشير ونظامه. وجاء الرفع أيضاً مصحوباً بتسوية ألزمت الحكومة السودانية بدفع مبلغ 335 مليون دولار لتعويض من تضرروا حسب حكم قضائى أمريكى من عمل إرهابى منسوب إلى تنظيم القاعدة، تمثل فى هجوم على سفارتى الولايات المتحدة فى كينيا وتنزانيا عام 1998، وقت أن كان قائده أسامة بن لادن يجد ملاذه الآمن فى كنف نظام البشير.
الحالة السودانية على هذا النحو توضح أن الرفع من القائمة الأمريكية لرعاة الإرهاب، لا سيما الدول والكيانات الكبيرة، يتطلب تغييرات جذرية فى سلوك الطرف المعنى برفع اسمه من تلك القائمة اللعينة. كما يتطلب دفع أموال طائلة حسب الحالة.
ومن وحى الحالة السودانية، وحالات أخرى يظل السؤال المركزى يتعلق فى حالة وضع الحركة الحوثية فى قائمة رعاة الإرهاب، فما الشروط التى يجب أن تتوافر إذا تطلب الأمر لاحقاً رفع الحركة من تلك القائمة اللعينة، وقبل ذلك هل ستهتم الحركة أصلاً بمسألة رفع اسمها من قائمة رعاة الإرهاب وتحرص على قدر من التواصل مع واشنطن، ثم إلى أى مدى هناك استقلالية فى قرار الحركة الحوثية عن التأثيرات الإيرانية؟ سوابق مواقف الحركة الحوثية وقناعاتها الفكرية والأيديولوجية تجعل الإجابة الحاسمة على أىٍّ من هذه التساؤلات المنطقية، أو بالأحرى الإشكاليات السياسية العملية فى آن واحد، مسألة فى غاية الصعوبة، مع ميل إلى الاستنتاج بأن الحركة الحوثية لا تهتم كثيراً بالمواقف الدولية تجاهها، ولا يعنيها من يصفونها بالإرهاب أو يتريثون بعض الوقت، أو ربما يتجاهلون الأمر برمته. كل ما يهم الحركة الحوثية هو السلطة المطلقة والسيطرة على اليمن وشعبه، لا سيما فى ما كان يُعرف باليمن الشمالى، والذى تعتبره إرثاً خالصاً للحكم الإمامى الهاشمى، وهم الأولى به.
* نقلا عن "الوطن"