«النمل» يحاكي مأساة طفلة فلسطينية فقدت كل عائلتها
توسّطت النملة جوري خشبة المسرح وهي تتفرس في ملامح الحضور بعينين مغرورقتين بالدموع، في مشهد درامي مؤثّر، وقد بدأ الحزن كأنما قد أكل وجهها الشاحب. وفق وكالة أنباء العالم العربي
قالت جوري «غرسوني براسي، طلعوني من تحت رِجله، كان ضايل (متبقّي) فيّ شويّة نفس.. .كلّ أهلى راحو وبيتي راح، أنا تايهة ومش عارفة وين بدي أصفى وشو بدي أعمل؟ بس كل اللي بعرفه إني لازم أعيش».
تراجعت النملة خطوتين للخلف، أطلقت معهما العنان لصوتها المختلط بالأسى لتتغنّى بأغنية أعطونا الطفولة، فقابلها الجمهور بموجات من التصفيق الحار تشجيعا لها وتأثرا بها.
عن هذا المشهد، قالت ألمى أبو عودة (13 عاما) «شعرت حين سمعت صوت تصفيق الجمهور وكأن أكفّهم ترفعني إلى الأعلى فأحلّق عالياً مثل يمامة في ساحة الحرم، كانت مشاعري متضاربة، بين حزن وتأثّر حقيقيّ بقصّة جوري التي لعبتُ دورها في المسرحيّة وتعاطف عميق مع مأساتها، وفرحة النجاح في نيل إعجاب الجمهور».
ناجية من الحرب
منذ أن عرضت الممثلة ومعلّمة الدراما في فريق (مبادرة ابتسامة طفل) ديانا الأيوبي فكرة العرض، ظلّت ألمى تركّز على شيء واحد فقط، وهو نيل فرصة تجسيد شخصيّة جوري.
وقالت «لقد تملّكت قصة هذه الفتاة، التي تشاطرني ذات العمر تقريبا، كلّ جوارحي ورأيت فيها أعظم قصة أنطلق منها في عالم التمثيل، ولذلك، فقد سخّرت جُل وقتي واهتمامي لأجل أن أتقن المهارات المطلوبة للظفر بهذا الدور العظيم، وفعلت»
وأوضحت المُعلّمة ديانا «أن فكرة العرض مستوحاة من قصة مؤثرة لفتاة نجت وجدّتها من قصف شنّه الجيش الإسرائيلي خلال الحرب الدائرة في قطاع غزة بعد أن قُتل جميع أفراد أسرتها الآخرون».
وكانت الجدة في ذلك الوقت تعّد قطع البسكويت بالسكر التي تفضّلها جوري وتشتهيها، إلا أنّ شُح السكر حينها أخّر تلبية طلب الفتاة، وكانت العائلة المسالمة تنتظر خروج صينيّة البسكويت المخبوز من الفرن، قبل أن تباغتهم القوّات الإسرائيلية باستهداف مربّعهم السكنيّ بحزام ناريّ.
النمل رمزا
وبخصوص اللجوء لاستخدام الرمز في مسرحيّتها، قالت الأيوبي «فضّلتُ أن يعتمد العرض على الرمز، فقصة جوري ليست استثناء فرديّا، وإنّما حالة جماعيّة يعيشها أطفال غزّة في ظلّ حرب الإبادة الإسرائيليّة المستمرّة ضدّ البشر والشجر وحتّى الحيوان».
أضافت «وقع اختياري على النمل تحديدا لما يتميّز به هذا المخلوق من نظام وتعاون وقدرة كبيرة على التكيّف مع الظروف وإدارة الكوارث والأزمات وتخزين الطعام وتقنين الاستهلاك، تماما كما يفعل الغزيّون هذه الأيام من أجل التعايش مع ظروف الحرب وحصار الجوع»
وحول كواليس التحضير للعرض النهائي، قالت الطفلة ألمى «كنّا فريقا من 12 عضوا، لكل منا شخصيّته وكلامه، وكانت كابتن ديانا حريصة جدا على بناء المواقف والأحاديث تباعا وترابط الأحداث مع بعضها والتركيز على تفاصيل الحركات والإيماءات، سيّما التي تعبّر عن الوضع الجسدي للنمل خلال الحركة والجلوس».
تحدي كبير
انسحاب بعض أعضاء الفريق نتيجة لعودتهم إلى مناطق سكنهم الأصليّة داخل مدينة خان يونس جنوب قطاع غزة شكّل صدمة لمن تبقّوا وشكّل تحدّيا حقيقيّا أمامهم بحسب وصف ألمى.
تدور فكرة عرض (دعسة فيل) حول أسرة من النمل كانت تعيش حياة مستقرّة وتمارس طقوس حياتها اليومية بأمان وسلام، لكنها أصبحت فجأة أمام خطر هجوم فيل ضخم على المكان، فاضطرت إلى النزوح والبحث عن آخر مستقر يُعتقد توفر الأمان فيه بعد أن خسرت أحد أفرادها مدهوسا تحت قدم الفيل.
وفي كلّ مكان تذهب إليه الأسرة لتبحث عن استعادة استقرارها، يتجدّد هجوم الفيل الضخم فيُزهق أرواح مجموعة جديدة منهم، فييستمر مسلسل الهروب مع البحث عن غذاء يسدّ جوعهم حتّى تُلقي عليهم مجموعة من الدبابير طعاما فاسدا يضطرون إلى تناوله تحت ضغط الجوع الشديد ونفاد مخزون الغذاء.
واخيرا، تحصل الأم على ربع كأس من السكّر من إحدى جمعيّات رعاية النمل، وتقترح الجدّة إعداد البسكويت بالسكّر الذي تشتهيه جوري. وبينما تنتظر العائلة نضوج البسكويت، يقدم عليهم الفيل في هجومه الأخير، ويحطّم تحت أقدامه كلّ من بقي على قيد الحياة، لكنّ النملة جوري تنجو وحدها بأعجوبة.
أقرأ المزيد
بوساطة إماراتية.. روسيا واكرانيا إلى صفقة تبادل أسرى جديدة