دراسة حديثة تكشف نمو أعداد المسلمين في الولايات المتحدة
دائما ما يدور في اذهان العديد من المسلمين في الدول العربية، كيف تتعامل الولايات المتحدة الامريكية مع المسلمين والإسلام في الداخل الأمريكي، حيث ارتبط وصول الإسلام إلى الولايات المتحدة الأمريكية بشكل أساسي بحركة تجارة الرقيق عبر الأطلسي التي ازدهرت منذ القرن الـ16، واستمرت حتى أواخر القرن الـ19.
وأشارت تقديرات معهد بيو للدراسات، ان عدد المسلمين في الولايات المتحدة الامريكية يبلغ اليوم قرابة الـ (3.5) مليون مسلم، يمثلون حوالي (1.1%) من إجمالي مجموع السكان، وأنّ نحو 25% منهم هم من الأمريكيين الأفارقة، ولكن، بحسب إحصاءات المعهد، فإنّ السود يشكّلون ما نسبته 49% ممّن يعتنقون الإسلام.
وكشفت الدراسة، الي انه في فترة إدارة الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب وصلت إلى عضوية الكونغرس الأمريكي نائبتان مسلمتان، وبرزت تحديداً المحجّبة إلهان عمر، الأمريكية من أصل صومالي، وذلك بعدما هاجمها الرئيس ترامب بعبارات عنصرية، وما تبع ذلك من تلقيها رسائل تهديدات، وقد تمّ وضعها تحت الحماية الأمنية، هذه الحالة أفصحت عن وجود انقسام حادّ حول الإسلام وظهوره في الفضاء العام بالولايات المتحدة، فهل كانت الحالة هكذا دائماً؟
وذكرت الدراسة، في المناطق الزراعية، وخاصّة في الجنوب الأمريكي، كانت سطوة التبشير والكنائس أضعف، فاستطاعت نسبة جيدة من الرقيق المسلمين الحفاظ على إسلامهم وصولاً حتى القرن الـ20.
وطوال تلك القرون كانت الحركات بين المسلمين الأفارقة تقتصر على طابع الجمعيات الصغيرة التي تنشأ وتتجمع حول شيخ ومعلم، إلّا أنّها في القرن الـ20 دخلت طوراً جديداً مع ظهور منظمات ممتدة منتشرة في الولايات، وينتسب إليها أعضاء بالآلاف.
وكان أهمّها وأبرزها حركة "أمّة الإسلام" التي تأسست عام 1930م، وظهرت بدايةً في مدينة ديترويت (بولاية ميتشيغان) وتزعمها إلايجا محمد، وقد اتخذت لها تأويلات خاصّة للإسلام، امتزجت بأفكار قومية مرتبطة بالعرق الأسود، وركّزت معتقداتها على الإعلاء من شأن الجنس الأسود، واعتبار الجنس الأبيض مرادفاً للشيطان.
قامت الحركة على الجمع بين أركان الإسلام والأفكار القومية السوداء، وتبنّت الحركة الإسلام بمفاهيم خاصة غلبت عليها الروح العنصرية.
ونظرت إلى الإسلام على أنّه إرث روحي ينقذ السود من سيطرة البيض عليهم. وتعرّضت الحركة للقمع خلال أعوام الحرب العالمية الثانية بسبب دعوتها لرفض الخدمة العسكرية، لكنّها ازدهرت في عقد الخمسينيات من القرن الـ20، وذلك مع بروز "مالكولم ليتل"، المعروف باسم "مالكولم إكس"، الذي بات بمثابة الواجهة الإعلامية للحركة، وزار الجامعات والحدائق وأماكن تجمع الناس، وتمكّن من جذب الكثيرين إلى الحركة، ومنهم الملاكم محمد علي كلاي.
بعد اغتيال الرئيس الأمريكي جون كينيدي في (نوفمبر) 1963، واختلاف مالكوم إكس مع إليجا محمد، بخصوص تصريحات مالكوم التي فُهم منها أنّه يستحسن اغتياله - بسبب سياساته التي كان يرى مالكوم أنّها تحاول الالتفاف على نضال السود - تصاعد الخلاف بين إليجا ومالكوم، ومن ثمّ ازداد الخلاف بعد رحلة مالكوم إلى الحج عام 1964، وتأثره بما رآه في الحج من صور المساواة بين الأعراق في الإسلام، وهو ما غيّر مفاهيمه، وجعله مقتنعاً بتبنّي الإسلام بصورته المعروفة لدى عموم المسلمين، وذلك باعتباره ديناً يدعو إلى المساواة بين جميع الأعراق، ولا يدعو إلى تفوّق أمّة على أخرى، كما هو الحال في اعتقاد "أمّة الإسلام" بتفوّق السود على البيض. ومن ثمّ أعلن براءته من مبادئ حركة أمّة الإسلام، وشكّل جماعة جديدة سمّاها "منظمة المسجد الإسلامي"، وكان اغتيال مالكوم إكس عام 1965 نقطة تحوّل فاصلة في سير حركة "أمّة الإسلام"، فقد تركها الكثيرون، وبدؤوا بتبنّي دعوة وأفكار مالكوم الإصلاحية والاتجاه للاعتدال أكثر فأكثر، وهو ما تزامن وتوافق في حينه مع "ثورة الحقوق المدنية".
ومع اكتمال مكتسبات حركة الحقوق المدنية خلال عقد الستينيات، وصولاً إلى قيام الرئيس جونسون في آب (أغسطس) 1965 (بعد 6 أشهر من اغتيال مالكوم إكس) بإصدار مرسوم نصّ على حقوق التصويت للسود، ومن ثمّ حظر التمييز في بيع أو استئجار المساكن عام 1968.
بدأ الأمريكيون الأفارقة شيئاً فشيئاً بالاندماج في الحياة العامّة، وهو ما انعكس على المسلمين السود وجعلهم يتجهون إلى الاعتدال بشكل أكبر، وهو ما ظهر في التحوّلات التي عرفتها حركة "أمّة الإسلام"، وخاصّة بعد رحيل إليجا محمد عام 1975 وتولّي ابنه "والاس محمد" الذي بدأ بتغيير مبادئ الجماعة، فغيّر اسم جماعته إلى "البلاليون" (نسبة إلى بلال بن رباح وهو أحد الصحابة ذو اللون الأسود)، ومن ثمّ أصدر قراراً بضرورة صوم رمضان والاحتفال بعيد الفطر، وأصدر أمراً بأن تكون الصلاة على الهيئة الصحيحة المعروفة لدى المسلمين.
واليوم، ومع عودة التوجهات المسيحية اليمينية للصعود في الولايات المتحدة، خلال العقدين الأخيرين، تبرز النسبة المرتفعة للسود من بين المسلمين الجدد (حوالي النصف)، وهو ما يُفسّر أنّ الكثير منهم يعتنق الإسلام، إلى جانب الأسباب الإيمانية والاعتقادية، كشكل من أشكال مقاومة العنصرية المسيحية البيضاء.
وقد مثل الإسلام باستمرار بالنسبة إلى جانب من الأفارقة الأمريكيين هوية روحية وقوّة رمزية في مجتمع ظلّ يخضع طويلاً لهيمنة الرجل الأبيض.
بالتوازي مع تطورات الحالة الإسلامية لدى المسلمين من أصحاب الأصول الأفريقية، كان المهاجرون المسلمون إلى الولايات المتحدة يشهدون مساراً مختلفاً، وكان أوائل المسلمين - من غير الأفارقة - قد جاؤوا مع وصول المهاجرين القادمين من مناطق الدولة العثمانية، وخاصّة من بلاد الشام، في أواخر القرن الـ19، وكان معظمهم من المسيحيين، إلّا أنّه قد صاحبهم أعداد ضئيلة من المسلمين.
وفي عام 1906 قام المسلمون البوسنيون في شيكاغو بإنشاء "جماعة الهجرة"، وهي أقدم مجتمع تعاوني للمسلمين في الولايات المتحدة الأمريكية، وفي عام 1907 قام المهاجرون التتار من روسيا وبولندا وليتوانيا بتأسيس أوّل منظمة إسلامية في نيويورك.
ومن ثمّ تزايدت أعداد المهاجرين المسلمين إثر انهيار الإمبراطورية العثمانية عقب الحرب العالمية الأولى وقيام وتشكّل الاتحاد السوفيتي في مطلع العشرينيات من القرن الماضي، وهي التحولات التي تسببت بمغادرة عدد كبير من سكان البلدان المسلمة سعياً وراء الحرية الدينية، وكذلك بدافع البحث عن فرص أفضل للحياة.