مواصي خان يونس: الآمنة اسما.. ونزيف دمائها لا يتوقف
ودموعها تنهمر كسيل لا يتوقّف، تجلس السبعينيّة الفلسطينية سعاد النجار على أطراف موقع القصف الذي تسبب قبل أربعة أيّام في مقتل حفيديها سعاد (18 عاما) ومحمد الذي لم يكمل عامه الثامن وإصابة ابنها الأوسط وزوجته وعدد من أحفادها الآخرين بجراح بين الخطيرة والمتوسّطة، وفق تقرير لوكالة أنباء العالم العربي.
تقلّب الجدّة الرمل بيديها تارة، وتحمل بعضا من بقايا ملابس عائلات أبنائها المحترقة تارة أخرى، بينما تتحدّث بحسرة عن نزوحها من وسط خان يونس جنوب قطاع غزّة قبل ثمانية أشهر على أمل النجاة من القصف الإسرائيليّ، الذي لاحق عائلتها في منطقة نزوح كانت تعتقد أنّها الأكثر أمنا والأقلّ خطرا.
كان الواقع في خان يونس مختلفا عمّا ظّنت في يوم من الأيّام، أو بالأحرى هكذا أصبح، فالجدّة لم تستطع وأبناؤها حماية أحفادَها والحفاظ على أرواحهم من القصف الإسرائيلي، رغم حرصهم الشديد على إبعادهم عن أيّ مكان يُحتمل قصفه وتقليص تنقلاتهم إلى أقلّ قدر ممكن لتفادي أيّ حدث قد يطرأ.
تكرار قصف جيش الاحتلال الإسرائيلي للمنطقة الأكثر اكتظاظا بالنازحين، والتي يصنّفها هو نفسه بالآمنة، عمّق صدمة الفلسطينيين، فقد قُتل أكثر من 100 فلسطيني وأصيب نحو 300 آخرين في عمليتيّ قصف خلال هذا الأسبوع طالتا منطقتين قريبتين من بعضهما البعض بفاصل زمنيّ لم يتجاوز اليومين.
كان غالبية النازحين قد توجّهوا راغمين إلى منطقة المواصي تلك التماسا للأمان، خصوصا قبيل اجتياح جيش الاحتلال الإسرائيلي مدينة رفح الفلسطينية مطلع مايو أيار الماضي، والتي تدفقت منها الأعداد الأكبر نحو المواصي كونها الأقرب جغرافيّا من جهة ولقلّة الأماكن التي تصنّفها إسرائيل بالآمنة من جهة أخرى.
خيامٌ مزّقها القصف
في موقعيّ القصف بمواصي خان يونس، تتوزّع خيام النازحين الممزّقة في كلّ اتجاه مثلما كانت تتناثر أشلاء القتلى التي جُمعت في أكياس صغيرة قبل دفنها مع جثامين ضحايا جلس أقاربهم على الكثبان الرمليّة التي اسود لونها من أثر البارود يستذكرون اللحظات الأخيرة قبل القصف والقتل.
تتحدث الجدة سعاد النجار عن تحوّل منطقة المواصي إلى ما تصفها بأنّها «مقتلة مستمرّة للأبرياء بدلا من كونها منطقة آمنة للحفاظ على أرواحهم» حيث ترى أنه بينما ظل الجميع يتوافدون إلى المواصي لكونها الأكثر أمنا بحسب الجيش الإسرائيلي «فإنها واقعيّا الأكثر خطورة جراء القصف».
وقالت الجدّة المكلومة في حديث لوكالة أنباء العالم العربي إنّها كانت تزور أبناءها وأحفادها كلّ صباح في جولة على خيامهم لتتأكد بنفسها من سلامتهم «قبل أن يباغتهم القصف الإسرائيلي ويحوّل مكان نزوحهم إلى مقبرة كبيرة فيها عشرات الجثامين الممزّقة، بينما احترقت خيامهم وعرُشُهم وتناثرت أمتعتهم على بعد مئات الأمتار«.
لم يكن هذا المصاب الأول للجدة السبعينية، ففي مطلع فبراير شباط الماضي، قُتل لها أيضا حفيد لم يكن قد تجاوز العشرة أعوام من عمره برصاص جيش الاحتلال خلال توغّله في الأطراف الغربية لخان يونس وقت أن كان الطفل يلعب في شارع مقابل لمكان نزوح عائلته.
لذلك، ترى النجار أنّ كلّ مصائب الحرب التي تعيشها قد حلّت عليها وهي نازحة في المواصي، التي تمثّل بالنسبة لها مكانا للأوجاع والأحزان، معتبرة أنّ عذاب النزوح ومن قبله تدمير منزل أبنائها رغم قساوتهما «أقلّ وجعا من فقد الأحبة».
وقالت «كلّ شيء دُمّر في حياتنا، من منازل ومزارع ومصالح تجاريّة، لكنّنا لُوحقنا في فلذات أكبادنا لأفقد ثلاثة من أحفادي دون أيّ ذنب سوى أنّهم ينزحون في المواصي.. .هل سنواجه الموت يوميّا بهذه الطريقة؟ وأين يمكننا الفرار؟ وهل هناك مكان آمن؟ نحن في مناطق موت، وليست مناطق إنسانيّة آمنة كما تدّعي إسرائيل».
محاولة مستمرّة للنجاة
وإلى جانب إعلان جيش الاحتلال الإسرائيلي استهداف قياديّين في فصائل المقاومة الفلسطينيّة المسلّحة في القصفين الأخيرين للمواصي، فإنّ المنطقة ذاتها تعرّضت لتوغّلات بريّة وقصف جويّ ومدفعيّ إسرائيليّ متعدد خلال أشهر الحرب المستمرّة، ما أدّى إلى مقتل عشرات الفلسطينيّين.
وعلى الرغم من نجاة عائلة الفلسطيني إياد حلاوة من القصف الأخير وإصابتهم بجروح طفيفة، كون خيمتهم كانت بعيدة إلى حدّ ما عن المكان المستهدف بالقصف، فقد فكك الرجل بقايا خيمته وقرّر الانتقال إلى مكان آخر شمال المواصي على مقربة من مدينة دير البلح بعيدا عن الطرق الرئيسيّة في محاولة مستمرّة للنجاة بعائلته.
حلاوة، الأب لخمسة أبناء أكبرهم فاتن (15 عاما) وأصغرهم ياسر الذي لم يكمل ثلاثة أعوام، يدرك أنّ انتقاله من هذا المكان إلى آخر لا يضمن سلامة عائلته، لكنّه يجتهد في الحفاظ عليهم والابتعاد عن أيّ احتمال يعرّضهم للقصف الإسرائيليّ.
أوضح الرجل، الذي يقارب عمره الخمسين، أنّ رحلة نزوحه بدأت من جباليا بشمال القطاع مع الأيام الأولى للحرب وتنقّل ثماني مرات حتى انتهى به المطاف إلى مواصي خان يونس، التي ينتقل داخلها للمرّة التاسعة على أمل أن تنتهي الحرب وأطفاله ما زالوا على قيد الحياة.
لكنّه قال إنّ «كلّ الأماكن بالمواصي تقريبا تعرّضت للقصف، وبعضها توغّل فيه الجيش الإسرائيليّ، وليس أمامنا سوى توقّع بعض المناطق الأقلّ خطورة، لكن لا ضمان لأيّ فلسطينيّ في هذه المنطقة بألا يكون هو الهدف القادم». أضاف «الموت بالقصف الإسرائيلي في المواصي حاله حال بقيّة المناطق بالقطاع، واقع جعلها منطقة خطيرة كبقية المناطق، لا بل يُمكن وصف ما يحدث فيها بمقتلة مستمرة، إنها مجازر حقيقية بقتل هذا العدد الكبير في لحظة واحدة».
اقرأ المزيد:
سؤال سوري يفاجئ «الصندوق الأسود»: هؤلاء تضامنوا مع عمار تقي
أرامكو السعودية تصدر سندات دولية بـ6 مليارات دولار
الكويت توجه نقدا لاذعا إلى مجلس الأمن بشأن غزة.. ماذا قال اليحيا؟